اعتصام الميادين المصرية ـ الشرعية الثورية في مواجهة الجيش والإخوان
٢٣ يوليو ٢٠١١لا يثق الناشط يوسف شعبان، أحد المعتصمين المستمرين منذ ثلاثة أسابيع في ميدان سعد زغلول بالإسكندرية، بالتغييرات التي حصلت في وزارة الداخلية. ويرى شعبان أن لا أحد في الإسكندرية سيتراجع عن مطالبه، فما حدث في حركة تغيير قيادات الشرطة "يثبت استمرار نفس النهج التستري على قتلة المتظاهرين"، حسب قوله.
ويضيف شعبان في حوار مع دويتشه فيله أن وائل الكومي "المتهم بقتل 36 شخصا تمت ترقيته ونقله إلى شرطة الكهرباء، ومن تولوا قيادة المحافظة بدلا منه جميعهم كانوا متهمين في قضايا تعذيب سابقة، فرئيس المباحث الجديد مثلا قادم من المحلة حيث كان مسؤولا عن تلفيق قضايا أحداث 6 إبريل 2008". ويقول شعبان "فور علمنا بهذه التغييرات حاصرنا مديرية أمن الإسكندرية وأنزلنا من عليها علم الشرطة ووضعنا بدلا منه علم مصر، كي يعلم القاصي والداني أن عدم محاكمة القتلة لن يمر على أسرهم وكل ثائر خرج منذ 25 يناير الماضي".
شرعية الميدان قائمة على أهداف موضوعية
خالد عبد الحميد عضو ائتلاف شباب الثورة يرى أن الاعتصام ربما يكون قد فقد بعضا من زخمه، خاصة وأن مفاعيل التعديل الوزاري تحتاج وقتا حتى تظهر. ويعتقد خالد أن شرعية الميدان مستمرة رغم الأهداف الصعبة التي وضعها البعض له مثل رحيل المجلس العسكري. فهذا الهدف، برأيه، يتطلب موجة ثالثة ورابعة من الاحتجاجات وفي ظروف مختلفة وبأدوات مختلفة. أما باقي الأهداف الموضوعية فهي ما يحيي الاعتصام ويبقيه صامدا، ومنها تطهير وزارة شرف الجديدة من آخر رجال مبارك، وقف المحاكمات العسكرية، إيقاف الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين، وهي مطالب الحد الأدنى لفض الاعتصام.
أكرم إسماعيل عضو رابطة الشباب التقدمي يرى أن مطلب محاكمة مبارك هو المطلب الأكثر تأكيدا على شرعية الميدان، فهو يصطدم فعليا مع الشرعية القديمة التي بات يمثلها المجلس العسكري. فمحاكمة مبارك وعلانيتها تعني ضمنيا إسقاط معنى التباطؤ والتواطؤ في باقي المحاكمات. وهو يرى الاعتصام الحالي مجرد تأكيد على استمرار الثورة، فبعد أن توقع الجميع أن تكون الثورة مجرد تأريخ لـ 18 يوم انتهت بتنحي مبارك، ها هي الموجة الثانية تضغط لتشكيل وزارة جديدة، وتحضر لموجة ثالثة آتية كما أعتقد لا محالة.
غباء السلطة يفقدها الشرعية
يراهن يوسف شعبان على ما يعتبره غباء موسميا للسلطة في مصر لتجديد الموجة الاعتصامية الثورية. فكل إجراءات المجلس العسكري وحكومة شرف هي ما تبقي على الاحتشاد، بل إن الموجة الثانية المستمرة حاليا ما كان لها أن تستمر إلا بتصميم وزارة الداخلية على تحدي أسر الشهداء. وازداد رونق هذه الاحتجاجات مع انضمام الفئات الاجتماعية المتضررة من الأوضاع الاقتصادية كالعمال. ورهان هذه الموجة من الاعتصام لا يحتاج إلا مزيدا من ربط ميادين الإسكندرية بمطالب فقراء أحيائها. ويوما تلو الآخر يستوعب الناس فكرة وجود الجيش كسلطة قمعية بدلا من مبارك. لقد عادت للناس الذاكرة لا أكثر، فالمجلس رغم كل قمعه لم يصلح عجلة الإنتاج ولم يعد الأمن، بل وعلى العكس يزداد عداء الناس له مع القبض التعسفي على أبنائهم وتقديمهم لمحاكمات عسكرية.
ووفقا ليوسف شعبان يلعب العسكر لعبة لطيفة ملخصها هو التالي: كلما زاد ضغط الشارع بالمحاكمات، أوعز للأحزاب وتحديدا قطاعات الإسلام السياسي بالسجال على أفكار مثل الدستور أولا أو وثيقة الدستور الحاكمة. عندها ينتقل النقاش السياسي إلى جهة النخبة ومصالحها الضيقة معه، لكن الشارع في النهاية أدرك هذه اللعبة بل ولم يهتم المعتصمون أصلا بآخر إبداعات المجلس المتمثلة في إصدار قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى.
"الإخوان والجيش يمثلان استمرارا لعصر مبارك"
هذه النقطة تحديدا (الإصرار المبدئي) هي ما يعتبرها خالد عبد الحميد شعلة الشرعية لميدان التحرير، فاعتصام المؤيدين للمجلس في ميدان روكسي "بدا هزليا وممثلا لمستوى شرعية الجيش وفي ميدان التحرير ثوار حقيقيون يحمونه أيا كان عددهم". لقد حاولوا فضه أكثر من مرة وترسل أجهزتهم الباقية من عصر الدولة الأمنية من يحاولون اقتحامه، بل وفضت الشرطة العسكرية اعتصاما في طنطا وآخر في بورسعيد، إلا أن ذلك لم يمنع المعتصمين من العودة للاعتصام مرة أخرى.
الثورة لم تستول على الحكم، كما يرى أكرم إسماعيل. لكن الجيش أيضا لا يستطيع الانفراد بالسلطة والانقلاب على الثورة، ومن ثم فالصراع بين الطرفين سيستمر فترة أطول ولن يحسم بضربة قاضية. وكيفما كان مستقبل الاعتصام الحادث الآن، فإن "موجة ثالثة متوقعة قادمة لأن قدر هذه الثورة أن تبقى لتؤكد على أنها ثورة، لتذكر من ينفردون بالسلطة دون غطاء أنها الوحيدة القادرة علي الحشد وفقا لبرنامج سياسي متماسك". صحيح "هي لا تستطيع أن تطرح فكرة العصيان المدني بشكل فعال الآن، إلا أن هذا ربما يكون شعار الموجة الثالثة".
هاني درويش ـ القاهرة
مراجعة: أحمد حسو