"الآلية الأوروبية لمساعدة الفلسطينيين محدودة الفائدة"
٢٣ يونيو ٢٠٠٦أعلنت اللجنة الرباعية الدولية الأسبوع المنصرم انها وافقت على اقتراح الاتحاد الأوروبي القاضي بإنشاء آلية دولية مؤقتة تتيح تقديم المساعدات إلى الفلسطينيين دون المرور بحكومة حماس. وقالت الرباعية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، إن الآلية ستعمل بشفافية كاملة وبمسئولية، موضحة في بيان لها انها ستراجع عملها خلال ثلاثة اشهر. وتتضمن خطة المساعدة هذه ثلاثة أقسام: الأول يتعلق ببرنامج يتولاه البنك الدولي ويقدم من خلاله التجهيزات الضرورية للقطاع الصحي بما في ذلك الأموال للأشخاص الذين يعملون في المستشفيات والعيادات الطبية. والقسم الثاني يعزز خطة إنقاذ طارئة أطلقتها المفوضية الأوروبية هذا العام وتؤمن المواد الأساسية مثل المحروقات من خلال الدفع المباشر للجهات الإسرائيلية المزودة للطاقة في المناطق الفلسطينية. أما القسم الثالث من هذه الخطة والذي يدور خلاف حوله مما سيؤخر تنفيذه بدون شك، فيتمثل في تحويل أموال مباشرة إلى الحسابات البنكية للأفراد والأسر المحتاجة.
الآلية الأوربية في الميزان
من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت الآلية الأوروبية سيحالفها النجاح المأمول منها رغم ان الإطراف الفلسطينية بما في ذلك حركة حماس رحبت بها. لكن الحركة تحفظت على طريقة تنفيذها التي تلغي دور الحكومة الفلسطينية المنتخبة. في هذا الصدد ترى الدكتورة موريل اسيبورج، الباحثة في مؤسسة العلوم والسياسة SWP في برلين، ان قرار اللجنة الرباعية "خطوة مهمة" على الأقل لتلطيف الآثار الناجمة عن العقوبات المفروضة على حكومة حماس ولتخفيف وطأة الوضع الإنساني الكارثي في المناطق الفلسطينية.
لكن اسيبورج تعتقد ان مثل هذه الخطوة لن يكتب لها النجاح إذا لم يتم رفع الحصار عن المناطق الفلسطينية بصورة نهائية وإشراك السلطة الفلسطينية في العملية. وتضيف اسيبورج، المتخصصة في شئون الشرق الأوسط، قائلة ان الآلية الأوروبية قد تكون ممكنة التطبيق في بعض المجالات، أما في المجالات الأخرى فليس من الواضح بعد كيف سيتم تطبيقها، لاسيما فيما يتعلق بتقديم الدعم المباشر للمعوزين.
وبشكل عام ترى الباحثة الألمانية ان هذه الآلية قليلة الجدوى وذلك لأسباب ثلاثة: فأولا لا ينحصر الوضع الحالي في الوضع الإنساني المتردي فقط، وإنما يتعلق أيضا بالحفاظ على السلطة الوطنية الفلسطينية من الانهيار الكامل. فهذه السلطة تمثل الأمل في ان تكون نواة لدولة فلسطينية وبالتالي أساسا لحل يقوم على أساس دولتين فلسطينية وإسرائيلية. وثانيا لأن من المهم تحقيق أرضية تستطيع فيها الحكومة الفلسطينية الحكم بفعالية وفرض النظام. أما السبب الثالث، كما تراه المحللة الألمانية، فهو المساس بالإصلاحات الديمقراطية التي تحققت خلال السنوات الماضية بدعم من الإتحاد الأوروبي والتي تسهم في توفير شفافية أكثر وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات وتوزيع أوضح للصلاحيات والسلطات بين أجهزة الأمن. كل هذه الإصلاحات يتم عكسها اليوم لتصب في اتجاه عدم تقوية تقوية وضع الرئيس الفلسطيني "وهو أمر غير مجد".
تراجع مصداقية الغرب بسبب الكيل بمكيالين
وعن تقيمها لمزاعم حماس بأن هذه الإجراءات الغربية ضدها هي بمثابة عقاب للشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي، تقول اسيبورج ان رد الفعل الأوروبي على الانتخابات الفلسطينية وفرض العزلة على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، نجم عنه تدهور متزايد لمصداقية الغرب فيما يتعلق بالمطالبة بالإصلاح الديمقراطي في المنطقة. كما أنه صب في صالح الأنظمة التسلطية التي وجدت لنفسها مبررات أكثر. وتضيف الباحثة الألمانية قائلة بان الإتحاد الأوروبي ينفذ هنا سياسة إيديولوجية بدلا من الوقوف على حقيقة مصالحها وكيفية تحقيقها.
ومع تأكيدها على صواب الشروط الثلاثة التي أوقف الإتحاد الأوروبي بسببها دعمه المالي للسلطة الفلسطينية والمتمثلة في الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والتخلي عن العنف الاعتراف بالاتفاقات والمعاهدات السابقة، فإنها تستدرك بالقول بانها شروط يتوجب التحدث بشأنها مع حماس وإقناعها بقبولها. كما انه يتوجب ايضا على طرفي الصراع الإلتزام بهذه المعايير. "هذا يعني انه يتوجب علينا كأوروبيين ان نمارس التأثير أيضا على الجانب الإسرائيلي كي تستمر في تطبيق الاتفاقات المعقودة". وتشير اسيبورج في هذا السياق إلى ضرورة التزام إسرائيل ببنود بروتوكول باريس الذي ينظم عملية تحويل الأموال الفلسطينية المقتطعة من الضرائب والجمارك إلى السلطة الفلسطينية، والاعتراف بحق دولة فلسطينية في الوجود وكذا الالتزام بهدنة كاملة.
حماس والواقعية السياسية
سعت حركة حماس خلال السنوات القليلة الماضية إلى خوض معترك العملية السياسية، وقد ترافق هذا مع تغيير في أجندتها، وكان ذلك واضحا من خلال برنامجها الانتخابي الإصلاحي. وحول مدى إمكانية تخلي حماس عن ما تسميها ثوابتها والاقتراب من الواقعية السياسية، تعتقد الباحثة الألمانية بأن تسلم حماس للمسئولية في الحكومة قد يجبرها على انتهاج سياسة أكثر واقعية في العلاقة مع إسرائيل، وذلك لان حل المشكلات اليومية للفلسطينيين لن يتم من خلال الشعارات او الأيدولوجيا، حسب تعبير اسيبورج. فالحركة تجد نفسها هنا مضطرة للتعاون مع إسرائيل شاءت أم أبت لتصريف شؤون الحياة اليومية، وكذا يتعين على حماس إطلاق حوار داخلي يتعلق بمناقشة الحل القائم على أساس دولتين. لكن، والكلام للباحثة الألمانية، ليس من الواضح في الوقت الحالي ما إذا كان هذا الحوار الداخلي سينطلق فعلا أم أن حماس ستجد نفسها مجبرة على عدم تحمل المسئولية كاملة. وفي هذه الحالة ستشترك في حكومة تحالف وطني مما قد يقلل من تأثيرها على الساحة السياسية والاجتماعية. لكن يظل الخطر الماثل هو ان يؤدي التصعيد على الصعيد الفلسطيني الداخلي إلى العنف والاقتراب من حرب أهلية، حسب تعبير اسيبورج.
عبده جميل المخلافي