"الأجندة التي يطرحها المالكي تختلف عن الأجندة التي تطرحها واشنطن"
٢٥ يوليو ٢٠٠٩شملت زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأخيرة إلى أمريكا كل من واشنطن ونيويورك، وتم في إطارها لقاءان أحدهما جمع المالكي والرئيس الأمريكي باراك أوباما، والآخر كان مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ولتسليط الأضواء على محاور الزيارة ودلالاتها والنتائج المتوقعة منها كان لإذاعتنا لقاء مع الدكتور غسان عطية مدير معهد التنمية والديمقراطية في العراق والذي يتخذ من لندن مقرا له.
دويتشه فيله: الدكتور غسان عطية، بعد ثلاثة أسابيع من انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، يزور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض باراك أوباما. ما الهدف من هذه الزيارة؟ وما هي القضايا التي يرغب نوري المالكي في تحقيقها من هذه الزيارة إلى البيت الأبيض؟
غسان عطية: ما ترشح من تحليلات ومعلومات مختلفة، من الواضح أن العراق دخل مرحلة جديدة من التعامل مع الولايات المتحدة، بعد انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية في الثلاثين من حزيران الماضي.وهذا التعامل اتسم برغبة بغداد، وحكومة المالكي تحديداً، بأن يُديم العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة ولكن بشروطه. أي بمعنى آخر أنه يريد من الولايات المتحدة أن تساعده اقتصادياً ومالياً. ويريد منها أيضا أن تحد من تدخل الجيران، وأن تساعد العراق في قضايا مثل قضية الأكراد وغير ذلك. ولكن في المقابل الولايات المتحدة لها كذلك مطالب.
وما هي هذه المطالب؟
أهم مطالبها هو موضوع المصالحة الوطنية والتعجيل بها وفتح الأبواب للأطراف المهمشة وتحديداً عناصر البعث السابقين أو العرب السنة واستمرار نهج الصحوة السابقة. وكما حصل في زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن إلى بغداد، كان رد الفعل الرسمي فيه شيء من السلبية، بمعنى : نرجوكم عدم التدخل بشؤوننا الداخلية. بالطبع هذا كلام قيل للاستهلاك الخارجي أو للعلاقات العامة ولا يعني بالضرورة الموقف الرسمي. لكن زيارة المالكي الآن على رأس وفد عراقي كبير بدأت بزيارة نيويورك للالتقاء بالأمين العام للأمم المتحدة لبحث موضوع إخراج العراق من الفصل السابع الذي يتحكم بواردات العراق. ثم تم التوجه بعدها إلى واشنطن لطلب المساعدة للخروج من الفصل السابع، لكن واضح أن الأجندة التي يطرحها المالكي تختلف عن الأجندة التي تطرحها واشنطن.
هنا أود أن أسالك، الولايات المتحدة وقعت على بروتوكول تعاون مع فصائل عراقية أخرى وهي في نفس الوقت تتباحث مع المالكي كرئيس للوزراء، ألا يؤثر هذا على العلاقة بين الطرفين؟ ما حقيقة هذا البروتوكول وهذه الفصائل؟
ما قيل عن توقيع اتفاق معه، لم يتأكّد هذا الخبر لديّ، وقد نشرَته أحد الصحف العراقية. لكن لم يتأكد هذا الخبر من وكالات أخرى أو غير ذلك. والولايات المتحدة، بدون شك، لها اتصالات بمن يحمل السلاح باستثناء القاعدة. الموقف الأمريكي هو: نحن نتحادث مع كل طرف قابل للتعاون، ومن هو مستعد للحوار ومستعد ليقبل العملية السياسية فنحن مستعدون لحواره. من هذا المنطلق وعلى الرغم من أن الصدريين يحملون الكثير من الدماء الأمريكية على أيديهم، إلا أن الولايات المتحدة لم تمانع من إقامة الحوار معهم وإشراكهم في العملية السياسية.
دعني هنا إذن أنتقل إلى موضوع آخر، المالكي يسعى إلى جذب الاستثمارات الخارجية والاستثمارات الأمريكية إلى العراق، لكن هل تعتقد أن الوضع الأمني يسمح بذلك؟ هل هو مقنع للمستثمرين الأجانب كي يأتوا للاستثمار في العراق؟
هذا جانب آخر. إذا كانت الولايات المتحدة في السنوات السابقة صرفت مليارات الدولارات على العراق ولم تحصل على نتائج إيجابية، فإنها اليوم غير مستعدة الآن لتصرف الكثير. فعلى الحكومة العراقية أن تتصرف وأن يكون الأداء الوظيفي والكفاءة والعمل أفضل والابتعاد عن الطائفيّة. هذا ما ستطرحه الولايات المتحدة: إن أردتم تحسين الاقتصاد فإنّ عليكم أن تنتهجوا سياسة بعيدة عن التحزُّبات الطائفية، وإن أردتم موارد أفضل فإن عليكم أن تتصرفوا كدولة قادرة على البناء والإعمار وليس كدولة مجهولة في صراعات حزبية. إضافة إلى عنصر الفساد الإداري والمالي الذي يحول حتى دون دخول الشركات الأوروبية والأمريكية إلى العراق وصعوبة التعامل مع العراقيين. وهذا ينعكس في شروط النفط، وهو أن فقط شركة بريطانية واحدة بالتعاون مع الصين وافقت على عقد خدمة في حقل الرميلة ليس إلا. ومع كل هذا هناك تلكُّؤ والمالكي وقع في ورطة. لكن هذه الورطة لن تحل خلال الأشهر القليلة القادمة، وإنما على ضوء الانتخابات النيابية في يناير كانون الثاني القادمة. وتلك الانتخابات هي التي ستحسم ليس مصير حكومة المالكي فحسب، وإنما ستحدد كذلك الاتجاه الذي سيسير فيه العراق: إما إلى تكريس الطائفية وإلى أن يتحول العراق إلى لبنان آخر وإلى شكل يكرس قانونياً التقسيم الطائفي، وإما إلى أن تتغير التركيبة بدخول قوى علمانية ومدنية وبالتالي يصبح الحديث عن أغلبية سياسية وليس عن أغلبية طائفية كما هو حاصل الآن. من هنا فإن لقاء المالكي مع الجانب الأمريكي مهم جداً في رسم خارطة الطريق للمستقبل، وليس للأزمات الحالية المباشرة. بالإضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة تعتقد أنه ما دام عدم الاستقرار قائماً فذلك يعني أن الإصلاح الاقتصادي صعب ويعني أن النهوض الاجتماعي صعب، بل وذلك قد يعني أن إيجاد حل سياسي للعملية العراقية المعقدة ليس بالأمر الممكن، علماً بأن الحل العسكري جُرِّب وفشل ولا يمكن أن يكون هو الأساس لحل المشاكل في العراق. كل هذا يجعل الحكومة الأمريكية تسعى إلى أن يتحول الوضع في العراق عبر الانتخابات إلى وضع يبتعد عن الطائفية بعض الشيء دون أن يلغي الآخر، ودخول قوى جديدة قابلة للحلول الوسط والتنازلات المتبادلة. من هنا سيكون للولايات المتحدة دوراً مهماً لمستقبل العراق ولمساعدة العراق، والعراق بحاجة إلى مساعدة دولة كالولايات المتحدة. إن هناك من يلعب على الكلمات، فمعاداة أمريكا لا تخدم العراقيين، لأن العراقيين أدركوا أنه من دون صديق خارجي سيكون لقمة سائغة لِدوَل الجوار. وشكوكه من دول الجوار لا تقل عن شكوكه من الولايات المتحدة. السّاسة العراقيين مع الأسف يقعون في الفخ الذي وقع فيه الساسة العراقيين في الثلاثينيات والأربعينيات عندما صوروا للرأي العام أن هذا الاستقلال ناجز وهو كان مرتبطا ببريطانيا، ولم يكونوا بهذا صريحين مع شعبهم. وبالتالي خُلقت الازدواجية المعروفة في تاريخنا. والآن هناك تكرار لهذه الازدواجية، فقد تم التهليل لانسحاب القوات الأمريكية من المدن باعتباره هذا انتصارا تاريخيا قويا، لكنه في الحقيقة الأمر عمل جزئيّ محدود. لأن الجنود الأمريكيين خرجوا من المركز إلى مطار بغداد، وهم لا يزالون يدخلون بغداد بصحبة جنود عراقيين. هذا التغير النوعي لا يمكن التحدث عنه إلا بعد الانتخابات القادمة.
أجرى الحوار: عبد الرحمن عثمان