الأرشيف السري للاستعمار- ملف معقد يوتر علاقات الجزائر وفرنسا
٥ أبريل ٢٠٢١تصرّ الجزائر على فتح واستعادة الأرشيف السري الذي يخصّ فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد، وهو الأرشيف الذي تحتفظ به باريس منذ عقود. وصرّح مؤخراً الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن "فتح الأرشيف جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية".
وليس هذا الأرشيف سوى جزءٍ من ملف الذاكرة المعقد بين الجزائر وفرنسا، إذ يطالب أكبر بلد إفريقي مساحة، باريس بتسوية قضايا مهمة منها قضية المفقودين الجزائريين في حرب الاستقلال، وكذلك التعويض عن الأضرار التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، واستكمال استرجاع رفات قادة المقاومة الشعبية.
وبسبب ملف الذاكرة، بقيت العلاقات الفرنسية-الجزائرية متذبذبة وتتسم بالكثير من المد والجزر والتوتر أحيانا، وبقي جزء كبير من الشعب يحمّل فرنسا مسؤولية المشاكل السياسية والاقتصادية في البلد لفترة ما بعد الاستقلال. وكثيرا ما يقال في الجزائر إن البلد لم يتحرر من قبضة فرنسا رغم خروجها الرسمي عام 1962، وإن عددا من الشخصيات الجزائرية النافذة تتحالف معها خدمة لمصالح الطرفين.
ممّا يتكون الأرشيف؟
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد سمح برفع السرية عن أرشيف لفائدة الباحثين الجامعيين، كان مشمولا بقانون سرية الدفاع الوطني حتى عام 1970، وضمنه وثائق ومستندات فرنسية حول حرب التحرير الجزائرية التي أفضت إلى إنهاء الاستعمار الفرنسي. غير أن عددا من الباحثين الجامعيين قالوا إن الخطوة لم تسهل كثيرا من عملهم وإن الاطلاع على الوثائق لا يزال صعبا للغاية.
كما أن الجزائر ترى أن هذه الخطوة غير كافية، وترى أن الأرشيف لا يخصّ فقط ما يتعلق بالأجهزة الفرنسية، بل كذلك "أرشيفا جزائريا خالصا تم الاستيلاء عليه" من قبل السلطات الفرنسية.
وتكرّر الاتهام مع تصريح تبون مؤخراً أن هناك أرشيفا "يخص الدولة العثمانية وجدته فرنسا بالجزائر وأخذته". غير أن مصادر فرنسية وأخرى جزائرية تتحدث عه أن جانبا كبيرا من الأرشيف العثماني استرجعته الجزائر على عدة دفعات. وتشير "لوموند" الفرنسية إلى أنه تمّ تسليم الجزائر عددا من محتويات الأرشيف الجزائري، في عملية بدأت منذ 1967، إلّا أن الجزائر ترى أن ما تسلمته يبقى قليلاً للغاية.
وتقول صحيفة "لوموند" إن فرنسا وغداة مغادرتها الجزائر، حوّلت ما يصل إلى 10 كيلومترات من الأرشيف الذي أخذته من الجزائر إلى خدمة أرشيفات ما وراء البحار التابعة لمؤسسة أرشيف فرنسا، في عملية تشبه ما قامت به باريس بعد مغادرتها "الهند الصينية الفرنسية" (كمبوديا ولاوس وفيتنام). وتتحدث الصحيفة عن أن باريس حوّلت ما اعتبرته "أرشيفا سياديًا" يخصّ ما هو سياسي إلى مؤسساتها، بينما تركت أرشيفًا يخصّ التدبير الحكومي للجزائر.
كما تتوفر فرنسا على أرشيف مصوّر يوّثق سنوات الاستعمار للجزائر، وسبق للمعهد الفرنسي السمعي-البصري أن وقع اتفاقية مع التلفزيون الجزائري لتمكينه من بث 400 دقيقة من التصوير ما بين 1945 و1962.
ترّدد في فتح الأرشيف
لا تزال الجزائر تطالب باستعادة كاملة لجماجم قادة الثورة الجزائرية كان متحف الإنسان في باريس يعرضها ضمن آلاف من الجماجم التي تخصّ الفترة الاستعمارية الفرنسية. واستعادت الجزائر 24 جمجمة كان الجيش الفرنسي قد فصلها عن أجساد أصحابها وحوّلها إلى فرنسا "نكاية في الثوار الجزائريين حتى لا تكون قبورهم رمزا للمقاومة" حسب تصريحات الرئيس الجزائري.
وتُرجع تقارير جزائرية سبب التردد الفرنسي في تسليم أرشيف استعمار الجزائر إلى ما يمكن أن يتضمنه من معطيات حول متعاونين مع السلطات الفرنسية إبّان الاستعمار، سواء المتعاونون الذين بقوا في الجزائر بعد الاستقلال وقد تكون منهم شخصيات كانت محسوبة على الخط الوطني، أو ما يعرف بـ"الحركى"، وهم جزائريون قاتلوا إلى جانب فرنسا في حروبها وكانت لهم مزايا من سلطات الاستعمار في الجزائر.
كما من شأن فتح الأرشيف الكامل الكشف عن تفاصيل جديدة حول عمليات قتل جماعية وقعت في الجزائر وتفاصيل أخرى من شأنها فتح جدل واسع عن حقيقة الفترة الاستعمارية، خصوصا أن الجزائر كانت من أكثر المستعمرات التي تشبثت بها فرنسا في إفريقيا.
كما يغذي فتح الأرشيف هجوم اليمين المتطرف الفرنسي الذي يرفض تحميل بلاده وزر تلك الفترة المظلمة. وسبق لزعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبن أن كتبت على تويتر: "يواصل ماكرون إرسال إشارات كارثية للندم والانقسام وكراهية الذات" بينما "تتقدم الشيوعية والإسلاموية وتتغذى بنقاط ضعفنا". وصرحت لوبن عام 2017 أن الاستعمار الفرنسي للجزائر كانت فيه أمور إيجابية.
المطالب أكبر
وعهدت فرنسا لمؤرخ محلي، هو بنجامين ستورا بإعداد تقرير حول "المصالحة الوطنية" يخص الفترة الاستعمارية للجزائر. غير أن أصواتا جزائرية اعتبرت أن التقرير "ساوى بين الضحية والجلاد" في التوصيات التي قدمها، وركز على فترة حرب التحرير الجزائرية رغم أن الاستعمار الفرنسي لهذا البلد دام من 1830 إلى 1962.
ومن شأن فتح كامل للأرشيف الذي يخصّ الجزائر، تبيان حقائق تاريخية عن شخصيات قُتلت في عهد الاستعمار. قدم إيمانويل ماكرون إشارة إيجابية عندما اعترف أن القيادي الشهير علي بومنجل تعرّض "للقتل والتعذيب" بأيادٍ فرنسية عام 1957، عكس الرواية الرسمية السابقة التي كانت تربط بين موته وبين الانتحار.
ويبقى أكبر مطلب جزائري هو اعتذار فرنسا عن فترة الاستعمار. ورغم الإشارات التي بعثها إيمانويل ماكرون قبل انتخابه رئيسا لفرنسا، وقال في حوار صحفي شهير إن استعمار الجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية"، إلّا أنه تراجع عن لهجته الحادة تجاه هذه الفترة المظلمة.
إسماعيل عزام (أ ف ب)