الأزمة السورية تؤثر في أكثر تفاصيل حياة السوريين حميمية
٥ أكتوبر ٢٠١٣"نجحت!" تتنهّد رانية (دمشق- 31 سنة) وعينها تلمع بدمعة تعبٍ وفرح، فبعد خمس سنوات من الترقب، رُزقت بمولودها الأول "سامي" بعد عناء. تتذكر رانية يوم ولادتها بوضوح وترويه لـ DW عربية: "أستطيع تذّكر يوم الأربعاء السادس عشر من مارس/ آذار 2011 كأنه البارحة، كان يوماً بارداً، قبل ذهابي إلى المستشفى لألد كنت أشاهد على التلفاز مظاهرة "الحريقة" في دمشق التي حصلت في اليوم السابق. كانت فرحتي بمولودي وبالمظاهرة لا توصف، وكأنني وسوريا اختار كل منّا أن ينجب مولوده بذلك التاريخ".
يربط الكثير من النشطاء مثل رانية أحداثاً خاصة في حياتهم، بتواريخ مرتبطة بـخروج مظاهرات أو مسيرات تدعو لإسقاط نظام بشار الأسد، معتبرينها كنبوءة صغيرة تحدد مستقبلهم وترسم طريقهم في ظل انعدام جدوى أي تخطيط للحياة الخاصة وسط كل ما تعيشه سوريا من عنف منذ سنتين ونصف.
أحمد (27 سنة) وبشرى (21 سنة) من حلب، عقدا خطوبتهما في الخامس عشر من مارس/ آذار من العام الماضي. وبكثير من السعادة يخبر أحمد DW عربية عن ذلك اليوم: "ذهبت أنا وبشرى إلى مظاهرة الجامع الأموي في حلب في الذكرى الأولى للثورة، وبعدها عدنا إلى منزل أهلها لنعقد خطوبتنا، كان أحد أجمل أيام حياتي".
خطوبة على إيقاع المظاهرات
التقى أحمد وبشرى خلال المظاهرات والاعتصامات، تحدّث إليها أول مرة أثناء اعتصام للمطالبة بإطلاق سراح فتيات اعتقلن وكانت أختها إحداهن، وصارحها بحبّه بعد خروجه من المعتقل، فقبلت الزواج منه بعد أن أنهيا دورة للإسعافات الأوليّة في الهلال الأحمر.
كان على أحمد إقناع أهله بأمر زواجه، خاصة والدته: "عدا أنها تعتقد أن الظروف ليست مناسبة للزواج، كانت أمي ترفض فكرة اختياري لعروسي رفضاً تامّا وترغب أن تقوم هي باختيار الفتاة المناسبة، وأن تتم مراسم الخطبة والزواج وفق الطريقة التقليديّة، وبعد الكثير من (الأخد والرّد) والنقاشات بيننا، وافقت على مرافقتي إلى أحد الاعتصامات كي ترى (العروس)، وبمجرّد أن تعرّفت عليها أحبّتها مثلما أحببتها أنا، ووافقت أن تخطبها لي".
بعد خطوبتهما، ومع اتساع رقعة الأعمال العسكرية في حلب واشتدادها، بدأ أحمد وبشرى ينشطان في مجال الإغاثة والإسعاف، واضطر الزوجان إلى تغيير مكان سكنهما إلى حي خاضع لسيطرة المعارضة، خاصة وأن أحمد بات ملاحقاً ومطلوباً لدى قوّات الأمن. بشرى، من جهتها، تخلت عن دراساتها في جامعة حلب الواقعة في منطقة تسيطر عليها قوات النظام، ولم يعد باستطاعتها الوصول إليها يوميّا وهي حامل.
لقاء ففراق
أسماء (21 سنة) مواطنة سورية لبنانية، أدّى اعتراف أحد الناشطين أثناء اعتقاله باسمها الحقيقي وربطه باسمها الافتراضي الذي كانت تستخدمه على شبكات التواصل إلى اعتقالها لمدة شهر، ومن ثمّ ترحيلها من سوريا إلى لبنان. ما أدى إلى تغيير مسار حياتها بأكمله، وهو ما ترويه أسماء لـ DW عربية:
"التقيت به في العديد من المظاهرات وعملنا سويّة على العديد من النشاطات، ومع كل لقاء كانت مكانة كلّ منا تكبر في قلب الآخر، إلا أن أحدنا لم يبح إلى الآخر بمشاعره، كانت الثورة بالفعل تأخذ كل مشاعرنا ووقتنا واهتمامنا...بعد أربعة أشهر من إطلاق سراحي تمّ استدعائي من قبل فرع الأمن. وقبل خروجي من المنزل أرسلت رسالة نصيّة أخبرته فيها بذهابي. وبمجرّد وصولي إلى الفرع علمت أنهم سيقومون بترحيلي إلى لبنان خلال ساعات، لم يُسمح لي الاتصال بأحد. وبعد العديد من المحاولات استطعت إقناع أحد العناصر بالاتصال بصديقتي وإخبارها بقرار الترحيل، قبل مغادرتي الحدود بدقائق استطاع اللحاق بي، وأعطاني هاتفه الخاص وبعض الحاجيات و وعدني أنني سأعود وأنه سينتظرني، كان ذلك كافيا بالنسبة لي، عشنا أيّامنا على وعدٍ وأمل وتحوّلت هذه الأيام إلى شهور. أنا لا أستطيع العودة إلى سوريا وهو لا يستطيع مغادرتها، و بعد مجزرة داريا المروّعة في الخامس والعشرين من أغسطس/ آب 2012، انضم هو إلى الجيش الحر، واليوم بعد أكثر من سنة على وجودي في لبنان، لم أعد أعلم إن كنا سنلتقي يوماً، لقد جمعتنا الثورة وفرّقتنا الحرب".
ارتفاع نسب الطلاق
من جهة أخرى، ذكرت عدة مواقع إخباريّة سوريّة، أن معدلات الطلاق في سوريا في ارتفاع منذ آذار 2011، نتيجة لاختلاف الآراء والمواقف تجاه "الثورة" بين الزوجين، حتى فاقت معدلاتها معدّلات الزواج لأول مرة بتاريخ البلاد.
أخبرتنا رانية عن يوم ولادتها وارتباطه بتاريخ الثورة بانفعال وحماس كبيرين، إلا أن غمامة من حزن خيّمت على عينيها حين تذكرت أن زوجها لم يكن معها في ذلك اليوم، فككثير من الشباب السوري سافر زوج رانية مأمون (33 سنة) إلى أحد بلدان الخليج لعدم رغبته الالتحاق بالخدمة العسكرية.
تحدثنا رانية عن علاقتها الزوجية وكيف انتهت بالانفصال: "كنت أشعر أن سامي هو ابن الثورة فعلاً لقد ولد معها، وكان ذلك حافزاً كبيراً لي لالتحق بصفوف الثوار، حتى نعمل على تقديم لأطفالنا فرصة للعيش في وطنٍ حُرٍّ وكريم، هم يستحقون ذلك ونحن أيضاً. إلا أنّ مأمون غضب كثيراً عندما أخبرته بشعوري، لم يكن مؤيّداً للنظام، ولم يكن أيضا معارضاً له، ببساطة لم يكن يهتم أبداً بما يحصل، حتى أنه توقّف عن مشاهدة الأخبار، كان يرفض سماعي ويزيد من حزني وانفعالي في كل مرة أتصل به، قائلاً أن لا شأن لنا بما يحصل، ويأمرني بأن لا أتدخل في أمورٍ لا تعنيني، كانت سلبيّته تصدمني. رفض مساعدتي بمبلغ صغير حين كنت أقوم بنشاطات للأطفال النازحين، تفاقمت مشاكلنا يوماً بعد يوم، كان يريد أن أسافر لنعيش سويّة، رفضت، وقلت له أنه هو من عليه أن يعود لنؤمّن مستقبلا كريماً لسامي في وطنه، فسوريا اليوم تحتاجنا جميعاً، كان رفضه وهو ما جعلني أتخذ قرار الانفصال عنه".
يبلغ عمر سامي اليوم سنتين ونصف، ورغم كل صعوبات العيش في سوريا ما زالت عينا رانية تلمعان بالفرح حين تقول أن سامي هو ابن الثورة، وهي تؤمن أنّ مستقبل سوريا سيكون أجمل بأبنائها.