الألمان يسعون لمنافسة نظام التعليم الانغلو - ساكسوني في البحرين
٢٨ مايو ٢٠١٠تعتبر مملكة البحرين أصغر دولة عربية خليجية من حيث المساحة، لكن عدد سكانها ال 600 ألف يبلغ ثلاثة أضعاف عدد سكان قطر تقريبا يضاف إليهم نحو 400 ألف عربي وأجنبي يعملون فيها. وتتميَّز البحرين تاريخيا عن غيرها من جيرانها بسياستها الليبرالية المنفتحة وبوجود أحزاب ونقابات وحركات مدنية فيها، كما تتميز ببناها التحتية الحديثة وبقطاعها المالي الهام.
دخل محدود لقطر من النفط ومع ذلك مخصصات كافية للتعليم
وعلى عكس جارتيها السعودية وقطر تنتج المملكة كمية محدودة من النفط (44 ألف برميل يوميا)، ما يفرض عليها الاكتفاء بدخل محدود أيضا منه لتمويل البلد، لكنها تملك في المقابل، وعلى حدّ ما يصرح به مسؤولوها، ثروة بشرية تعمل على تثقيفها وتدريبها على مختلف المهن والاختصاصات للاستفادة منها وتقليل اعتمادها على العمالة الأجنبية. وإذا كانت السعودية وقطر قادرتان على تخصيص 25 و20 في المئة في موازنتهما السنوية لنفقات التعليم والتدريب المهني فتراوح الحصة في البحرين بين 10 و15 في المئة حسب رقم غير رسمي، غير أن المراقبين يعتبرون أن النفقات المخصصة لقطاع التعليم كافية.
وإلى جانب ذلك كانت البحرين طليعية في منطقة الخليج في مجال نشر التعليم والمعارف ويعود نظامها التعليمي الأول المموّل من الحكومة إلى عام 1919. وبدأ المسؤولون عن القطاع التعليمي إدخال إصلاحات فيه في السنوات الماضية بهدف تحقيق نقلة نوعية. وللبحرين جامعتان في القطاع العام، جامعة البحرين وجامعة الخليج العربي، إضافة إلى 14 جامعة خاصة وأكثر من 200 مدرسة علما أن التعليم في المملكة مختلط بصورة عامة. وبنتيجة عملية الإصلاح هذه تم تأسيس عدة مؤسسات وطنية للاشراف على المدارس والمعاهد العلمية والتقنية مثل "مؤسسة ضمان النوعية"، ومؤسسة "رؤية 2030" لتعزيز الوعي ونشر المعارف والحث على التحصيل العلمي، ومؤسسة "تمكين" لتعزيز التدريب المهني في البلاد وتأهيل المواطنين بصورة خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسة تمول برامجها ودوراتها من رسوم تدفعها شهريا الشركات البحرينية التي تشغل أجانب فيها. وتغطي برامج المؤسسة مجالات الصحة والهندسة، والفندقة، وتجارة التجزئة، والاتصالات، وتنشئة القيادات. وبلغ عدد المستفدين من خدماتها نحو 4300 شخص العام الفائت.
"سمعة الألمان في التدريب المهني جيدة"
ومن أجل التعرف على سبل التعاون على صعيد التعليم والإعداد التقني زار وفد ألماني يضم ممثلين عن 30 شركة ألمانية تقريبا تنشط في هذا الحقل البحرين قبل أيام قليلة من الجولة الخليجية التي بدأتها المستشارة أنغيلا مركل. وشاركت في الوفد سابينه غوميرسباخ ماجورو مديرة مؤسسة "إيموف" للتعلمي المهني والتسويق الدولي التابعة لوزارة التعليم والبحوث، والبروفسور فاسيليوس إيتيماكيس رئيس مؤسسة "ديداكتا" المتخصصة بتعليم نظام تجارة السوق. وبعد أن أطلَعت مديرة قسم تنمية الثروة البشرية في مؤسسة "تمكين"، أمل الكوهجي، أعضاء الوفد الاقتصادي الألماني الزائر على أهداف المؤسسة وبرامجها وماضي بلدها في التدريب المهني قالت ل "دويتشه فيلّه" إنه إضافة إلى تنمية الثروة البشرية "تسعى المؤسسة إلى جعل الاقتصاد الخاص المحرك الأساس لاقتصاد البحرين".
وأضافت أنها على معرفة جيدة بسمعة الألمان الجيدة في مجال التدريب المهني، ومن هنا اهتمامها ومؤسستها بالالتقاء مع أعضاء الوفد للبحث في كيفية مساهمتهم في عملية تعزيز المعاهد الموجودة وخلق برامج جديدة ومتطورة لسد حاجة السوق المحلية إلى عمال مهرة. وأعربت عن اعتقادها بامكان حصول تعاون مباشر بين الجانبين في هذا المجال.
وفي عام 2008 تم افتتاح المدرسة التقنية في المنامة للتدريس في مجالات الإدارة الاقتصادية، والسكريتاريا، والعمل اللوجيستي والاتصالات، والهندسة التي لقيت تجاوبا كبيرا بين الشباب والشابات الذين يدرسون حسب النظم النيوزيلندية والكورية الجنوبية والسويسرية. وحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية تمكنت الحكومة البحرينية منذ عام 1990 من تأمين 84 ألف وظيفة جديدة في البلاد ذهب 53 ألفا منها إلى أجانب، أي 63 في المئة، ما يعني أنه لا يزال على الشركات الوطنية والأجنبية بذل المزيد من الجهد مستقبلا لتشغيل قسك أكبر من العمالة الوطنية المؤهلة.
"على الألمان منافسة الانغلوـ ساكسونيين"
ومثل قطر، وإلى حد كبير السعودية أيضا، تعتمد البحرين بصورة طاغية على النظام التعليمي الأنغلو ـ ساكسوني. وما لفت النظر أن الاجتماعات التي عقدها الوفد الاقتصادي الألماني في وزارة التعليم وفي المدرسة التقنية تمت مع خبراء أنغلوساكسونيين بصورة خاصة، الأمر الذي أظهر بوضوح حجم المنافسة والتحدي اللذين يواجههما الألمان في هذا المجال في المنطقة بعد أن تأخروا كثيرا في دخولها.
وفي مقابلة مع رئيسة الوفد سابينه غومرسباخ ماجورو، مديرة مؤسسة "إيموف" لتسويق التعليم المهني دوليا والتابعة لوزارة التعليم والبحوث الألمانية الاتحادية، لخَّصت المسؤولة الألمانية حصيلة الزيارة إلى السعودية والبحرين وقطر قائلة إن ما يدهشها في كل مرة "هو النمو العامر الذي يحصل خلال فترة زمنية قصيرة". ولاحظت في حديث مع ال "دويتشه فيلّه" أن ما يحدث "تطور موزون ومخطط له من الناحية الاستراتيجية، ويستند إلى رؤى، وموجّه بصورة شديدة نحو المستقبل ". وأضافت: "صحيح أن ليس كل ما يتقرر يتحقق، ويمكن لهذا المشروع أو ذاك أن يفشل، وهذا أمر طبيعي، لكنني أجد أن المرء ينبهر بحجم الرؤى وبالاستراتيجية التي يجري التفكير بها وبمحاولات تنفيذها". وتابعت أن التطور في الخليج يتم بمساعدة من الخارج، و"هذه هي النقطة التي تفتح أمامنا كألمان فرصا ضخمة علينا استغلالها، الأمر الذي لا يحصل بصورة كافية من وجهة نظري".
وبعد أن أعربت عن ارتياحها للمحادثات التي أجرتها في الدول الثلاث مع المسؤولين عن التعليم قالت مديرة "إيموف" إن المنافسة موجودة من جانب الانغلوـ ساكونيين "ولا بد من القبول بذلك لأننا غير قادرين على تغيير الأمر لأسباب مختلفة وتاريخية، وهم متواجدون في كل مكان، لكن علينا ألا نرتكب خطأ الوقوع في رعب". وتابعت أن على الألمان "التفكير في كيفية الدخول وتحديد مجالات قوتهم وحاجات هذه الدول في مجال التعليم التخصصي الذي نتميّز فيه". وأنهت بالقول: "علينا أن لا نتردد كما فعلنا حتى الآن، وأخذ الانغلو ساكسونيين مثالا يحتذى به".
الكاتب: اسكندر الديك
مراجعة: هيثم عبد العظيم