الأوضاع في غزة تدفع مواطنين لفقدان الأمل في غد أفضل
١ يونيو ٢٠١٥تحلق طائرات استطلاع إسرائيلية بدون طيار أيضاً في هذا اليوم الصيفي الحار على ارتفاع منخفض فوق مدينة غزة، وصوتها مسموع في كل مكان، حيث تقوم بمراقبة قطاع غزة من الجو. وكانت أصوات الطائرات تسمع أيضا في كل مكان في غزة أثناء الحرب، التي وقعت في صيف 2014، كما هو الحال في حي الشجاعية بشرق مدينة غزة. فالشجاعية من بين المناطق الأكثر تضررا، ويقول أحد المارة إن "الحرب يمكن أن تندلع من جديد في أي وقت".
دمار وحياة وسط الأنقاض
ورغم مرور عام على الحرب؛ ما زال كل شيء هنا يذكر بالصراع، الذي وقع بين حركة حماس وإسرائيل. وصحيح أنه تم إزالة الأنقاض من الشوارع؛ لكن عندما تنظر يسارا ويمينا ترى بيوتا مدمّرة وحطاما، ولا يظهر سوى بيوت قليلة أعيد إعمارها. غالباً ما تعبر قوافل من السيارات المدرعة شوارع أحياء غزة، في جولة معتادة يقوم بها الزائرون الأجانب القلائل، الذين هم من السياسيين غالبا. ويسعى هؤلاء السياسيون إلى تكوين "صورة عن الوضع" في قطاع، الذي تغلق معابره كل من مصر وإسرائيل. عصام عليوة، أحد سكان غزة، رأى هذه القوافل كثيرا ويقول إنها "مهمة، لكي يروا آثار الحرب". ويرحب عصام بتلك الزيارات لكنه يستبعد أن تغير من الوضع.
في الواقع لم يعد بيت عصام عليوة يصلح للسكن، فمعظم الجدران في الشقة بالطابق الأول تهدمت، والثقوب الناجمة عن الرصاص تملأ جدران الدرج. رغم ذلك لا يزال عصام يعيش في هذا البيت مع أبنائه الثلاثة عشر، "الجميع يقولون لي إن المنزل لم يعد آمنا، وأنه يجب علي هدمه بالكامل، لكن إلى أين سنذهب؟"، يتساءل عصام. فأسرته ليس لديها مال من أجل الرحيل إلى بيت آخر. فبعد الحرب، تلقت الأسر لمرة واحدة فقط مساعدات مالية من قبل حماس ومنظمات إغاثة أخرى. أما الآن فليس لديه موارد أخرى لإعالة أسرته غير راتبه كموظف، علما بأنه يحصل على نصف الراتب فقط ويقبضه كل ثلاثة أشهر. إضافة إلى ذلك يتحتم على عصام عليوة الانتباه كثيراً حتى "لا يتعرض أولاده لصعقة كهربائية من كابلات الكهرباء التي خرجت من الجدران بسبب القصف". يروي عليوة البالغ من العمر 52 عاماً تلك المعاناة والدموع تنهمر من عينيه، فالحرب بالنسبة له كانت "سيئة بما فيه الكفاية، لكن الوضع الحالي لا أمل فيه".
تلكؤ في إعادة الإعمار والخلافات تزيد التعقيد
يتولى روبرت تيرنر في قطاع غزة منذ ثلاث سنوات منصب مدير عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويعرف جيداً مصائر عائلات أخرى مثل مصير عائلة عليوة، ويشرح تيرنر "السكان في غزة أصيبوا بالإحباط الشديد والغضب لأسباب عديدة. وتيرة إعادة الإعمار بطيئة جدا، ولم يتم إعادة بناء بيت واحد بشكل كامل من البيوت التي دمرتها الحرب." كان روبرت تيرنر شاهداً على حربي غزة في 2012 و2014، وفي شهر يوليو/ تموز القادم سيتوقف عن العمل كمدير للأنروا في غزة وقال: "لا يوجد أي تقدم في الحوار بين الفصائل الفلسطينية والحصار متواصل لما يقرب من تسع سنوات." كما أن المعابر الحدودية للقطاع المكتظ بالسكان (حوالي 1.7 مليون شخص)، لا تزال تخضع لمراقبة صارمة من قبل إسرائيل ومصر، ولذلك أيضا فإن عملية إعادة الإعمار بطيئة جدا ومعقدة.
رغم ذلك لدى تيرنر أخبار جيدة أيضاً. فبعد ثلاثة أسابيع فقط من نهاية الحرب تمكنت بعض المدارس التابعة لوكالة الأونروا من إعادة فتح أبوابها، رغم أن الكثير منها تعرض للدمار، وكانت تستخدم بمثابة ملاجئ أثناء الحرب. ولا زالت هناك حتى الآن بعض عائلات اللاجئين تقطن في سبع مدارس.
زيادة على ذلك، تلقت حوالي 60 ألف أسرة مساعدات مالية لإصلاح منازلها، وسيتم استيراد مواد البناء لهذا الغرض في إطار "آلية إعادة إعمار غزة" التي اتفقت بشأنه إسرائيل والسلطة الفلسطينية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بعد مفاوضات برعاية الأمم المتحدة. بيد أن الضغوط المالية وضوابط الاستيراد الصارمة لمواد البناء من إسرائيل تجعل العملية معقدة جداً، لأن إسرائيل تريد منع الفصائل المسلحة من استعمال تلك المواد لبناء الأنفاق. كما أن الخلاف بين حماس وفتح حول المسؤوليات السياسية يزيد من تعقيد إعادة الإعمار. ورغم أن حكومة حماس أوكلت المسؤولية الحكومية إلى ما يسمى بالحكومة المؤقتة في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي، إلا أنها في نفس الوقت احتفظت بالسيطرة على الأمن الداخلي والإدارة في قطاع غزة. وحسب خبراء فطالما لم تتول السلطة الفلسطينية زمام الأمور في قطاع غزة، فإن المساعدات الدولية التي تصل قيمتها إلى 5.4 مليار دولار ستصل بشكل بطيء.
لا عمل ولا أمل
وبالإضافة إلى بطء علمية إعادة الإعمار فإن ارتفاع نسبة البطالة على الخصوص يثير مخاوف البنك الدولي والأمم المتحدة، حيث حذرا من وصول قطاع غزة إلى حافة الهاوية، "فنسبة البطالة تفوق الـ40 في المئة، وتصل تلك النسبة بين الشباب إلى أكثر من 60 في المئة" حسب روبرت تيرنر مدير عمليات الأونروا في غزة. وأضاف المسؤول الأممي أنه "حتى قبل عام، كان هناك ربما بعض الأمل لدى الناس، ولكنهم فقدوا ذلك الأمل بشكل أو بآخر." ومن جانبه غالبا ما يتساءل أستاذ الكيمياء مازن حمادة عن ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل، ويقول: "لدينا في غزة حكومتان غير متفقتين، وهذا هو سبب عدم إحراز أي تقدم، ونحن هم من يعانون جراء ذلك. آمل فقط ألا ينتظر المجتمع الدولي حتى تتفق الحكومتان، لأن هذا قد يستغرق وقتاً طويلاً."
مازن حمادة أيضا فقد منزله خلال الحرب. فبعدما تلقى مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي غادر مع عائلته المنزل الواقع في شرق غزة. وبعدها بدقائق تحول المنزل إلى ساحة من الأنقاض، ويقول حمادة: "ما زلت لا أعرف لماذا هاجموا منزلنا... ذَهَبَ كل ما بنيناه واكتسبناه خلال 20 عاماً، كل أغراضنا، وكل ذكريات الطفولة لأطفالنا الأربعة." أما الآن، فتعيش أسرته المكونة من ستة أفراد في شقة صغيرة من ثلاث غرف وسط مدينة غزة، حيث حصلت عائلة حمادة على إعانة إيجار من طرف "الأونروا" لمدة ثلاثة شهور، لكن تلك الإعانة توقفت بسبب نقص الأموال. ورغم أن حمادة تعلم كيف يتعايش مع الوضع، إلا أنه، وكما هو حال الكثيرين، لديه مخاوف من عودة الحرب من جديد ويقول: "استيقظ كل صباح وأقول ربما تندلع اليوم حرب جديدة، في أي دقيقة وبدون سابق إنذار."