الإعدام من منظور أوروبي: رفض لعقوبة تتعارض مع مفاهيم المدنية والحداثة
٧ يناير ٢٠٠٧تعد عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات التي عرفتها المجتمعات البشرية خلال تاريخها الطويل. ورغم أن تاريخ عقوبة الإعدام لم يشهد تحديداً واضحا لطبيعة الجرائم التي يستحق أصحابها التدلي من أعواد المشانق، إلا أن عددا من الشواهد التاريخية تظهر أن هذه العقوبة كانت وسيلة معتادة بغية الانتقام من الخصوم، وهو ما أثار الكثير من الجدل الأخلاقي والقانوني حول شرعيتها. وكانت الدول الأوروبية في طليعة البلدان التي سلطت الضوء على هذه العقوبة، فخلال فترة عصر التنوير، الذي عمّ القارة الأوروبية في أواخر القرن السابع عشر، انتقد الكثير من رواد هذا الفكر لجوء الحكام إلى الإعدام لتصفية خصومهم السياسيين باسم القانون، الذي كان آنذاك حبيساً لآراء الكنيسة. وبعد سنوات من الانتقاد كانت دوقية توسكانا في شمال إيطاليا أول من قرر إلغاء عقوبة الإعدام رسمياً عام 1786.
أما على الصعيد العالمي لم يشهد تطبيق عقوبة الإعدام تراجعاً ملحوظاً إلا منذ سبعينيات القرن الماضي، التي تعتبر البداية الحقيقية لرفعها من كتب القانون عالمياً. ففي عام 1977 عقدت منظمة العفو الدولية في العاصمة السويدية ستوكهولم مؤتمراً دولياً حول إلغاء هذه العقوبة، التي طالما انتقدتها المنظمات الحقوقية والإنسانية. وقبل انعقاد المؤتمر المذكور كانت 16 دولة فقط قد ألغت تطبيق هذه العقوبة على جميع الجرائم. وأما اليوم فلم تبق إلا 68 دولة تنص قوانينها على عقوبة الإعدام، كما تشير تقارير منظمة العفو الدولية.
عقوبة الإعدام في التشريعات الأوروبية
ينظر الأوروبيون اليوم إلى عقوبة الإعدام على أنها عقوبة لا تتسم بالإنسانية، وهو الأمر الذي دفعهم إلى اعتبار إلغائها شرطاً من شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يرفضها بكل أشكالها وبغض النظر عن طبيعة الجرائم المرتكبة، كما هو منصوص عليه في الميثاق الأساسي للإتحاد الأوروبي. ورغم تأكيد المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان عام 1950 على ضرورة حماية "حق الإنسان في الحياة"، إلا أن بعض المراقبين يرون أنها لا تشكك بشكل واضح بشرعية عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
ودفعت مثل هذه الشكوك المجلس الأوروبي إلى إصدار ما يسمى "بـالبروتوكول الثالث عشر" في مايو/ أيار 2002. وينص هذا البروتوكول، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2003، على إلغاء عقوبة الإعدام بشكل صريح حتى في حالات الحروب، باعتبارها عملية قتل مهينة لحياة الإنسان. غير أنه لم تصادق خمس دول أوروبية بعد على هذا البروتوكول، وهي فرنسا وأسبانيا وايطاليا وليتوانيا والبرتغال. وعلى هذا النحو فإن قوانين ودساتير الدول الأوروبية تخلو اليوم من الإشارة إلى عقوبة الإعدام باستثناء جمهورية روسيا البيضاء، التي مازالت تنفذ العقوبة. أما في روسيا فما زالت القوانين تنص على تطبيق عقوبة الإعدام في بعض الحالات، لكن تطبيقها توقف منذ سنوات، حيث تم تنفيذ آخر حكم الإعدام في أحد جمهورياتها الفيدرالية عام 1999.
تاريخ عقوبة الإعدام في ألمانيا
عند نشوء الرايخ الألماني عام 1871 اختلفت وجهات نظر ممثلي المقاطعات المنضوية تحت سلطته فيما يتعلق بعقوبة الإعدام. فبريمن وأولدنبورغ وسكسونيا كانت قد ألغت هذه العقوبة بعد ثورة مارس/ آذار1847/1849. وللوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص اتفقت المقاطعات آنذاك على إصدار مادة خاصة بهذا الشأن في قانون العقوبات لجميع مناطق الامبراطورية، وقد نصت هذه المادة على تطبيق حكم الإعدام في حالات القتل العمد ومحاولة اغتيال الامبراطور أو حكام المقاطعات. وتم تنفيذ أحكام الإعدام آنذاك بواسطة المقصلة، باستثناء بافاريا التي نفذت فيها عقوبة الإعدام بالرمي بالرصاص. غير أن هذه العقوبة سرعان ما أُستغلت كوسيلة لتصفية الخصوم السياسيين من اليساريين أثناء جمهورية فايمر، وهو ما دفع النخب الثقافية الألمانية الى توجيه الكثير من النقد لإلغاء العقوبة. وفي هذا السياق تقدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي بطلب لإلغائها ورغم رفض هذا الطلب، إلا أن عدد المعدومين قد تناقص بشكل كبير.
عقوبة الإعدام ترسي دعائم الحكم النازي
بعيد تولي النازيين مقاليد السلطة في ألمانيا في 29 مارس/ آذار 1933 صدر قرار عن الرايخ الثالث أكد على تطبيق عقوبة الإعدام بحق الخارجين عن طاعة القانون النازي وكل من يهدده. وتشير الإحصائيات إلى أن مجموع ما تم إعدامهم في الفترة المحصورة بين 1933 و1945 باسم القانون بلغ قرابة 17 ألف شخص، قضى العدد الأكبر منهم خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت أحكام الإعدام بحق المدنين آنذاك تصدر إما عن محكمة الشعب أو عن المحاكم العسكرية. الجدير بالذكر أن أحكام الإعدام كانت تجري شنقاً، خصوصاً في حالات الخيانة العظمى وحالات الإعدام الجماعي. وتذكر كتب التاريخ كذلك أن محاولة اغتيال هتلر الفاشلة عام 1944 أعقبها حملة إعدامات كبيرة بطرق وحشية، تراوحت بين الشنق والتقطيع بأوتار البيانو حسب أوامر هتلر نفسه، الذي طلب كذلك تصوير عمليات الإعدام. وجدير بالذكر أنه بعد الحرب العالمية الثانية تم إلغاء عقوبة الإعدام في جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1949، ولكن تطبيقها استمر في ألمانيا الشرقية السابقة حتى عام 1987.