الاستثمارات في العراق واقع مر وآفاق غامضة
يشكل العراق أرضاً خصبة للاستثمارت الأجنبية بعد أكثر من سنوات طويلة من الركود الصناعي والتكنولوجي وتآكل أسس البنية التحتية التي تأثرت بشكل كبير بسبب ثلاثة حروب جرت في العراق، الحرب الأولى مع إيران والثانية بسبب احتلال الكويت وطرد قوات التحالف للجيش العراقي والثالثة الحرب الأمريكية البريطانية على العراق التي أدت إلى احتلاله والإطاحة بنظام صدام حسين، وقال الدكتور غيلان خلوصي رئيس الاتحاد العراقي الألماني للأعمال في اتصال هاتفي مع دويتشه فيله أن هذا الركود أدى إلى "تخلف صناعي، ورجال الأعمال العراقيين لم تكن لديهم أية إمكانية للاتصال بالعالم الخارجي" واعتقد الجميع أن إعادة إعمار العراق ستبدأ فور انتهاء الحرب وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن تنظيمها لاكثر من 2300 مشروع في البلاد وتم تأسيس نادي باريس للدول المانحة للعراق والتي ألغت حجماً كبيراً من ديونه، لكن عدم استقرار الوضع الأمني في العراق وتواصل العمليات المسلحة التي يقوم بها مسلحون وضعت بلاد ما بين الرافدين في حالة من الفوضى الأمنية والسياسية علاوة على الاختلافات السياسية بين فئات المجتمع العراقي.
العراق والاستثمارات الأجنبية والألمانية
لذا فالعراق بحاجة ماسة إلى وضع مستقر وآمن على أرضه كي تستطيع الشركات المستثمرة البدء بأعمالها هناك دون الخوف من تعرض موظفيها لأذى أو اختطاف كما جرى للكثير من العمال الأجانب بل قتل بعض منهم، لكن الاستثمار سيساعد على الاستقرار وهكذا تدور البلاد في دائرة مفرغة على الرغم من وجود ائتلاف حكومي بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت هناك في هذا العام وأكثر الشركات الألمانية التي تستطيع المشاركة في إعادة إعمار البلاد هي شركة زيمنس وذلك في تصليح محطات توليد الطاقة الكهربائية وبناء محطات جديدة لأن الشبكة الكهربائية قديمة والتيار الكهربائي غير متوفر إلا لبضع ساعات يومياً. والمجال الآخر هو توفير مواد البناء كالاسمنت من أجل تقوية البنية التحتية كبناء المجاري الصحية والمستشفيات والمدارس والطرقات العامة الضرورية لأي عملية استثمار في البلاد.
وحول إمكانية الاستثمارات الألمانية في العراق قال الدكتور خلوصي إنه لا يتوقع أن تباشر الشركات الألمانية استثماراتها في العراق بسبب الوضع الأمني المتدهور لكنه في الوقت ذاته يفرق بين منطقة وأخرى ويقول إن المنطقة الكردية تشهد حالياً استثمارات كثيرة في كافة المجالات، وتابع قائلاً إن أكثر من شركة ألمانيا باشرت عملها في شمال البلاد.
حوافز الاستثمار في العراق
على الرغم من الوضع غير المستقر في البلاد من الناحية الأمنية قامت الحكومة العراقية باستحداث وزارة الاستثمار هدفها تنشيطه وجذب المستثمرين الأجانب إلى البلاد وهذا ما نجحت فيه في المنطقة الكردية في الشمال حيث تم إصدار قانون الاستثمار الكردستاني، ويقول الدكتور خلوصي في هذا السياق إن هذا القانون يقدم مساعدات كثيرة للمستثمرين مثلاً تخصص لهم قطعة أرض مجانية يستطيعون استخدامها مدة عشرين عاماً ويعفون من الضرائب لخمس سنوات كاملة وهذا ما ساعد على تشجيع العملية الاستثمارية هناك حيث تعمل الآن أربع شركات ألمانية على نطاق واسع.
آلية تحسين التبادل الاقتصادي الألماني العراقي
وعلق الدكتور خلوصي على المنتديات الاقتصادية العراقية الألمانية التي أقيمت مؤخراً في ألمانيا بأنها فاشلة وغير مجدية لأنها تقوم على أسس قديمة بالتعارف بين الوزارات العراقية والشركات الألمانية وقال إن التبادل التجاري يجب أن يتم بين التاجر العراقي ورجل الأعمال الألماني بشكل مباشر لأن الوزراء الذين حضروا هذه المنتديات ليست لديهم الصلاحية لتوقيع أي عقد بين شركة ألمانية والعراق ولذا أكد على أن أهم خطوة في نظره هي المضي في تثقيف التجار العراقيين ليصلوا إلى المستوى العالمي المتطور الآن، وبرر ذك بسبب الركود التجاري والصناعي الذي ساد لسنوات طويلة في العراق بسبب الحروب الطويلة التي عاشها. وأضاف خلوصي قائلاً للأسف يفتقر التجار العراقيون إلى أبسط المصطلحات التجارية الضرورية لإبرام الصفقات بين الشركات وقال إن استخدام الانترنت أفضل بكثير من المنتديات المذكورة وانتقد عمل الوزارات العراقية لان صفحاتها في الانترنت لا تشمل المعلومات الضرورية لتنشيط عملها وبالتالي جذب الاستثمارات إلى البلاد.
تاريخ العلاقات الاقتصادية الألمانية العراقية
كانت لألمانيا علاقات جيدة مع نظام صدام حسين السابق حيث بلغ حجم الصادرات في عام 1982 أكثر من 4 مليارات يورو وتركز التبادل التجاري على مجالات عدة منها قطاع الطاقة حيث شاركت شركة زيمنس بتطوير وبناء أكثر محطات توليد الطاقة الكهربائية ولعبت شركة تيسين كروب وغيرها دوراً هاماً في توريد البلد الخليجي بكافة الآلات الصناعية وأقسام كاملة للمعامل العراقية هناك. واستمر هذا التعاون حتى أوائل التسعينيات حين فرضت العقوبات الاقتصادية على العراق بسبب احتلاله الكويت عام 1990.
صحيح أن ألمانيا تساعد العراق الآن بشكل غير مباشر من خلال تدريب عناصر للشرطة ومهندسين عراقيين سيقومون بمهمة صيانة المعامل التي يمكن إعادة تشغيلها للاستفادة منها لكن ذلك لا يسد إلى ثغراً صغيراً في بحر الاحتياجات العراقية.
يمكن القول إن العراق والعراقيين يدفعون ثمن الخمود الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي الذي عاشه العراق بالإضافة إلى الكبت الجماعي في زمن نظام صدام حسين الديكتاتوري.
سمير مطر - دويتشه فيله