الاقتصاد الزراعي الاوروبي بين مطرقة الاصلاح وسندان البطالة
تراقب قطاعات الزراعة في البلدان العربية وخاصة في مصر ودول المغرب العربي (المغرب وتونس) باهتمام شديد الخلاف الدائر بين بريطانيا من جهة وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى بخصوص الدعم الذي تحصل عليه القطاعات الزراعية في منطقة اليورو. ففي حين تصر لندن على ربط تخليها عما يسمى بـ "الخصم البريطاني" (4،8 مليار يورو سنويا) بموافقة دول أوروبية أخرى وعلى رأسها فرنسا بتقليص الدعم الذي يحصل عليه قطاعها الزراعي، رفضت باريس المطالب البريطانية.
منتجاتنا قادرة على المنافسة ... ولكن بشرط
وفي هذا الخصوص أكد السيد سعيد قاسم ملحق الشؤون الاقتصادية في السفارة المصرية في ألمانيا لـ "دويتشه فيله" أن بلاده لعبت دورا قويا من خلال منظمة التجارة العالمية للعمل على تقليص الدعم الذي يحصل عليه المزارعون الأوروبيون من خزينة الاتحاد الأوروبي. وقال قاسم إن النقاش الدائر بين الدول الأوروبية في الوقت الحاضر هو نقاش حساس وإن إلغاء هذا الدعم سيُواجه من قبل المزارعين الأوروبيين بمعارضة شديدة ولن يتم التوصل إلى حلول سريعة بخصوصه. ولكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن تقليل الدعم للمنتجات الزراعية الأوروبية "سيفتح بالتأكيد الباب أمام المنتجات الزراعية من البلدان العربية وسيجعلها قادرة على المنافسة في الأسواق الأوروبية."
من جانبها تطرقت زهراء المعاسري، الخبيرة الاقتصادية في السفارة المغربية في ألمانيا، إلى المصاعب التي تواجه المنتجات الزراعية العربية في طريقها إلى أوروبا بالقول:"أهم أسباب هذه المصاعب يتمثل في الدعم المالي الذي يحصل عليه المزارعون الأوروبيون من الاتحاد الأوروبي إضافة عدم توفر الآلات والتكنولوجيات الحديثة للمزارعين في البلدان العربية وكذلك اعتماد الزراعة فيها على الأمطار، مما يجعلها زراعة موسمية." وتابعت المعاسري بالقول إن الدعم الذي يحصل عليه المزارعون الأوروبيون وتوفر المعونات اللوجستية كوسائل النقل والمواصلات تساعد منتجاتهم الزراعية على المنافسة أكثر من البضائع الزراعية من البلدان العربية. أما بخصوص الخلاف القائم في الاتحاد الأوروبي فقد قالت الخبيرة إن المغرب يطالب منذ زمن بعيد كبقية دول العالم الثالث بتقليص الدعم المقدم للقطاع الزراعي في منطقة اليورو. وعزت المعاسري مطالب بلادها هذه الى أن المساعدات تحد من المنافسة بين المنتجات الزراعية الأوروبية والعربية. وأكدت الخبيرة على أن المنتجات الزراعية العربية قادرة على منافسة المنتجات الأوروبية، قائلة في الوقت ذاته أن أهم الشروط اللازمة لذلك هو إلغاء الدعم الزراعي أو تقليصه على الأقل، الأمر الذي يتناسب مع قوانين المنافسة وشروط منظمة التجارة العالمية.
المزارعون الألمان يحذرون
وجاء مؤتمر اتحاد المزارعين الألمان الذي نظم أول أمس في مدينة روستوك الألمانية ولهجة مسؤولي الاتحاد الحادة إزاء المطالب البريطانية ليقدم أكبر مثال على صعوبة اتخاذ قرارات يتم بموجبها تقليص المساعدات التي يحصل عليها المزارعون الأوروبيون. واستقبلت اتحادات المزارعين الألمان هذه المطالب باستياء كبير، واصفة إياها بأنها "مبالغ فيها". وحمل الاتحاد المسؤولين في بروكسل في حال موافقتهم على المطالب البريطانية مسؤولية ضياع 46 ألف فرصة عمل في قطاع زراعة الشمندر. وحذر الاتحاد من خفض هذه المساعدات، مشيرا إلى أنها "تؤمن في ألمانيا سدس أماكن العمل." وناشد رئيس الاتحاد غيرت زونلايتر أصحاب القرار في بروكسل بعدم الاستجابة إلى مطالب الحكومة البريطانية، قائلا إن رئيس الوزراء البريطاني يريد " تحجيم أوروبا لتصبح منطقة تجارية فقط".
ومن الجدير بالذكر أن هذه التصريحات جاءت أثر موافقة المفوضية الأوروبية على مسودة اقتراح سيتم بموجبه خفض أسعار السكر الأبيض في سوق الاتحاد الأوروبي بنسبة 39 بالمائة والشمندر (البنجر) بنسبة 42 بالمائة. وعزت المفوضية الأوروبية قيامها بهذه الإصلاحات الجذرية إلى الضغوطات التي تمارسها منظمة التجارة الأوروبية على الاتحاد الأوروبي والتي ترمي إلى فتح أبواب الأسواق الأوروبية أمام منتجات الدول الفقيرة. ووفقا لمصادر المفوضية فإنها تطمح إلى مصادقة الدول الأوروبية على الاقتراح لغاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل قبل أن يدخل حيز التنفيذ في يوليو/تموز من عام 2006.
الأزمة تزداد تفاقما
في غضون ذلك ازداد الخلاف في اليومين الماضيين حدة، وذلك قبيل تسلم بريطانيا لرئاسة الاتحاد الأوروبي والفشل الذريع الذي تعرضت له قمة الميزانية مؤخرا في بروكسل. وفي حين دعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في خطاب ألقاه أمس أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل الزعماء الأوروبيين إلى الرجوع إلى الموضوعية في النقاش بدلا من تبادل الإهانات والتهم، حمل كل من المستشار الألماني غيرهارد شرودر والرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الاتحاد الأوروبي الحالي جان كلود يونكر القيادة البريطانية مسؤولية الفشل الذي منيت به قمة الميزانية الأخيرة في بروكسل.
تقرير: ناصر جبارة