الاقتصاد المصري: هل باتت البلاد على عتبة "ثورة جياع"؟
١٠ يناير ٢٠١٣من يعرف منطقة روكسي التجارية بحي مصر الجديدة، يعلم جيداً صعوبة التجول فيها أثناء الأيام الطبيعية، إذ دائماً ما تكتظ شوارعها بالزبائن ونادراً ما يجد التجار الفرصة لأخذ قسط من الراحة على مقاعدهم الخشبية أمام أبواب محالهم وبضائعهم المفروشة على الأرصفة. لكن خلال جولة DW عربية، نادراً ما كان يقف هؤلاء التجار. فالشوارع تكاد تكون خالية مقارنة بطبيعتها المزدحمة دائماً، والمحال المضيئة تعرض أرقى بضائعها، إلا أنه نادراً ما يتوقف أحد المارة ليلقي نظرة على المعروضات. هذه الحالة غير الطبيعية كان لها تفسير لدى بعض المواطنين والتجار.
"الحالة صعبة ونحن نعاني بشدة هذه الأيام نتيجة للوضع الاقتصادي المتدهور". بهذه الكلمات افتتح حمدي شعلان، صاحب محل إكسسوارات ونظارات، حديثه مع DW عربية، مضيفاً أن "البيع قلّ بنسبة خمسين في المئة على الأقل". وتحدث شعلان عن إنتعاشه بسيطة في السوق خلال فترة احتفالات عيد الميلاد، "لكنها لم تدم وعدنا مرة ثانية إلى حالة الركود". وأرجع شعلان هذه الحالة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، معتبراً في هذا الصدد أن "انخفاض قيمة الجنية تأثر به كل شيء وأراه أحد أهم اسباب ركود البيع والشراء".
ولم يختلف رأي مي هشام عن ما قاله شعلان حول تأثير انخفاض قيمة الجنية على حياة المواطن. وتقول مي لـDW عربية في هذا الصدد: "الجنيه ينخفض والأسعار في ارتفاع مستمر، وما كنت أستطيع شرائه بجنيه بتّ أشتريه الآن بجنيهين أو ثلاثة". وتتابع مي هشام بالقول أن راتبها في المقابل لم يشهد أي زيادة، مما يجعل من الصعوبة بمكان شراء أي شيء كانت قادرة على شرائه في السابق.
انخفاض قيمة الجنيه يضع البلاد على حافة الإفلاس
واستنكرت مي بشدة خطاب الرئيس محمد مرسي، الذي ألقاه في مجلس الشورى وشدد فيه على أن الاقتصاد المصري في حالة تحسن. وتهكمت مي على الجملة التي نالت شهرة واسعة في خطاب مرسي، والتي قال فيها: "من يتحدثون عن الإفلاس هم المفلسون"، قائلة: "نحن مفلسون بالفعل يا سيدي الرئيس".
الحديث عن الإفلاس كان محور ما صرح به محمد أمين لـDW عربية، وهو شاب عاطل عن العمل. ويقول أمين: "أعيش حالياً على معاش أمي – رحمها الله – ولازلت أبحث عن عمل ... اعتدت أن أتلقى معاش أمي في الأيام الأولى من كل شهر، ولم يتبق من معاش الشهر الحالي سوى عشرين جنيهاً". وعند ذهاب محمد إلى البنك كي يتلقى معاش الشهر الجديد، فوجئ بأن المبلغ لم يتم صرفه بعد، مما وضعه في موقف عصيب ودفعه إلى الاستدانة من أقاربه.
ومثل مي، يحمل أمين ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه مسؤولية التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، منتقداً ما سمعه عن حديث أحد الوزراء بأن ثمانية جنيهات يومياً تكفل للمواطن حياة كريمة، قائلاً: "واضح أن المسؤولين في بلادنا يتحدثون عن بلد آخر".
من جانبه، يشدد الخبير الاقتصادي أسامة عبد الرحمن، في حديثه لـDW عربية، على أن الشفافية وحدها هي الطريق للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تعيشه مصر حالياً، مضيفاً أنه "لا توجد فرصة لإنعاش الاقتصاد في ظل الظروف الحالية إلا بعد الاستقرار السياسي ووجود رؤية واضحة للحكومة وبرنامج مستقبلي لإنعاش الإقتصاد".
غياب الشفافية
ويشكك عبد الرحمن في أن الهيئة الوطنية المستقلة لإدارة المديونية الحكومية المزمع إنشائها ستكون قادرة على القيام بمهامها بفعالية، لاسيما في غياب الشفافية، حسب رأيه. ويشير الخبير الاقتصادي المصري إلى أن معلومات الرئيس المصري "مغلوطة" وتوحي بعدم معرفته بالأحوال الاقتصادية في البلد، معتبراً أنها معلومات "للاستهلاك المحلي فقط" – على حد تعبيره.
ويدلل أسامة عبد الرحمن على ذلك ببيان البنك المركزي، الذي أشار إلى أن مصر تعاني بشدة على المستوى الاقتصادي، وهو ما يناقض تصريحات مرسي. ويوضح عبد الرحمن أن خروج هذا البيان بعد خطاب الرئيس مرسي يوضح مدى التخبط في الإدارة الاقتصادية، معتبراً أن "هناك دول كثيرة أفلست واستطاعت أن تنهض مرة أخرى. لكن حديث رئيس الوزراء عن أن الدول لا تفلس يعني أن ليس لديه خبرة اقتصادية وقد يكون لا يقرأ في الأحوال الاقتصادية".
وبالحديث عن ضعف احتياطي مصر من العملة الصعبة ووضع بعض القيود على السحب، يشرح عبد الرحمن لـ DW عربية أن من المتعارف عليه أن تقوم الدول التي تمر بأوضاع اقتصادية صعبة بوضع هذه القيود المؤقتة لمحاربة التكالب على السحب ومنع "دولرة الجنية المصري"، أي تحويل المصريين أموالهم من الجنيه المصري إلى الدولار لتوقعهم زيادة سعر الدولار.
وأرجع عبد الرحمن انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار إلى عدم وجود سيولة في العملة وتناقص الاحتياطي النقدي، متوقعاً استمرار انخفاض سعر صرف الجنيه طالما لم تكن هناك خطة واضحة للتنمية الاقتصادية.
ويتنبأ أسامة عبد الرحمن بأن يسوء الوضع أكثر إذا ما استمرت الحكومة على نفس النهج، معتبراً أن الوضع قد أثر على كل طبقات المجتمع، ومحذراً: "لا أستبعد أن يصل بنا الوضع الاقتصادي المتردي إذا ما استمر هكذا إلى ثورة جياع".