"الاقتصاد والقمع يمكن أن يوجها غضب الشعب تجاه السيسي سريعا"
٢٣ يونيو ٢٠١٤DW: شغلت منصب السفير الألماني في القاهرة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك كما شهدت فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي وبقيت حتى قبيل انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد فكيف رصدت هذه المراحل السياسية المختلفة في البلاد؟
ميشائيل بوك: العام الذي قضيته في مصر في ظل حكم مبارك كان بمثل بداية عملي في مصر. كان هنالك فراغ كبير وليس هنالك حراك. كان العمل في حد ذاته مملا فوزير الخارجية آنذاك قال لي إن بوسعي الاستمتاع وعدم الاهتمام كثيرا بالسياسة. المرحلة الثانية شهدت التغييرات الكبيرة المصحوبة بالكثير من التفاؤل والوعي الذي تكون لدى العديد من قطاعات الشعب. برز شباب شعروا أخيرا بأن بوسعهم تشكيل المستقبل بأيديهم والسيطرة على مساره. تغيرت الكثير من هذه المشاعر الحماسية لكنها لم تضع كلها. قلت آنذاك للناس إن الأمور لن تكون سهلة وإن عليهم مواصلة المشوار.
هل إن عبد الفتاح السيسي هو الشخصية التي يمكن أن تواصل قيادة هذه المشاعر الحماسية لصالح الثوار؟
لا نعلم كيف ستسير الأمور في المستقبل. ثمة الكثير من الآمال المعلقة عليه والكثير أيضا من التشكك المبرر بسبب مواقفه حتى الآن. إذ أردنا صياغة الأمر بشكل إيجابي فسنقول: خيم الركود على الأعوام الثلاثة الأخيرة وهذا الركود أعاد البلاد للخلف. الآن يبدأ شيء جديد يمكننا الحديث عنه لاحقا.
انتهت للتو عملية تشكيل مجلس الوزراء الجديد بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي . احتفظ مجلس الوزراء برجال من حكومة مرسي القديمة كما أعاد بعض رجال نظام مبارك فهل تعيش مصر عودة لحقبة مبارك؟
الوضع شديد التعقيد فاعتقال الخصوم السياسيين ومغازلة دوائر معينة، تعد إشارات على العودة للماضي لكنني أخشى أن يكون الوضع أصعب من ذلك بكثير. إذا بدأت القيادة المصرية الجديدة من حيث انتهى الوضع لدى سقوط نظام مبارك، فسيكون الوضع حرجا وهم يدركون ذلك وعليهم العثور على مخرج.
تحسين الوضع الأمني ومكافحة الإخوان هي القضية الرئيسية للسيسي حتى الآن، في الوقت الذي يمثل فيه الوضع الاقتصادي الكارثي للبلاد قضية أكثر أهمية فعجز الموازنة تجاوز 14% من إجمالي الناتج المحلي كما وصلت البطالة لمعدلات قياسية. ما هي خطط السيسي لإنعاش الاقتصاد المصري من جديد؟
الأمن الداخلي قضية مهمة والاقتصاد قضية شديدة الأهمية وأيضا السياسات الاجتماعية. يكمن التحدي في جمع كل هذه الأمور والسير بها للطريق الأفضل وهو أمر شديد الصعوبة لأن الشعب فقد صبره تماما، فمند سقوط مبارك تدهورت أحوال معظم الناس. الميزة المتاحة للسيسي هي استعداد السعودية والإمارات والكويت للتمويل المالي. ستستمر هذه الدول في مواصلة تقديم الدعم المالي لبعض الوقت من أجل السيطرة على شبح الإخوان. على كل قيادة مصرية جديدة الاستفادة من الوقت والبدء في الإصلاحات. بالطبع يجب التركيز على المسألة الأمنية وبالطبع هناك إرهاب، لا نرغب في إنكار ذلك، لكن السؤال الآخر هو ما صلة الإخوان بذلك. أرى الأمور بشكل يختلف عن الطريقة الرسمية لعرضها. الاقتصاد قضية مركزية ومصر بحاجة لتحقيق الارتفاع الشديد في معدلات النمو حتى يمكن تحقيق العدالة في الدخل.
لكن السؤال هو، هل لدى السيسي خطة لتحقيق هذا؟
ما نراه الآن من مبادرات مثل مشروع لبناء مساكن ومشروعات كبرى في مجال البنية التحتية كلها بالتأكيد سليمة لكن الأمر لا يخلو من نقد في التقييم بسبب وجود مجالات أخرى مهملة أيضا مثل الصناعات الصغيرة والمتوسطة. ما سيبدأ الآن في مصر، سيصب في اتجاه اصلاحات هيكلية كبرى وهو مفيد أيضا لزيادة معدلات التشغيل لكن هل يكفي هذا؟ سنرى في المستقبل.
من سيمول هذه المشروعات الكبرى؟
أعتقد أن الأموال التي ستأتي من دول الخليج أكبر مما يعتقد لكن الخليج لن يستمر في الدفع إلى الأبد. حان الوقت لأن تستفيد القيادة المصرية من هذه الأمول لتحقيق اصلاحات هيكلية وليس لأن تطمئن وتسترخي.
دول الخليج أيضا معنية بمصالحها الاقتصادية في مصر. ما هي الأسباب التي تدفع تلك الدول لدعم مصر؟
القلق من الإخوان يأتي في المقدمة.
هل يمكن أن تتحول العلاقات بين الغرب ومصر بسبب هذا التقارب الجديد بين القاهرة ودول الخليج؟
نقف دوما بين الواقعية السياسية والقيمية السياسية أمام هذا البلد. أعتقد أن ألمانيا بإمكانيات التأثير المحدودة المتاحة لها، لن تحاول مطلقا الوقوف أمام هذا التأثير القوي القادم من دول الخليج. نهدف لتحقيق الإقناع عبر قيمنا (السياسية) لأننا نراها صائبة ولأننا طبقناها في الماضي في مجال سياسة التنمية على سبيل المثال. هذه الأمور موجهة للشعب وليس لأصحاب السلطة وهذا هو ما سنواصل عمله بالتأكيد.
عاد قمع الأجهزة الأمنية بشكل متزايد وعندما نقول إننا كألمانيا نحافظ على قيمنا فهل إن رجلا مثل السيسي هو الشريك المناسب لنا؟
نحن لا نصمت..صوتنا مرتفع للغاية عندما يتعلق الأمر بالنقد كما أننا نتحدث صراحة عن أوجه الخلل وهي أمور لا تتنافى بالطبع مع التعاون مع القيادة المصرية الجديدة. غضب الشعب يمكن أن يتحول سريعا جدا تجاه الرئيس الجديد إذا استمر الوضع الاقتصادي في التدهور وإذا زادت عمليات القمع. العسكريون أيضا يقولون ذلك. مبارك ومرسي اضطرا للرحيل ومن المعروف للجميع بما فيهم أصحاب السلطة في الوقت الراهن، أن الشعب لم يعد مستعدا للانحناء.
هل سيقدم الجيش الدعم للرئيس حال تعرضه لمصاعب؟
هو نفسه جزء من الجيش وكما رأينا في الماضي فقد كان الجيش يدعم دائما رجاله وحاول الإبقاء على مبارك لأطول فترة ممكنة لكنهم تركوه في النهاية. لا يتعين علينا التكهن بما سيحدث لو تأزمت الأمور لاسيما وأن القيادة المصرية تدرك تماما حساسية الوضع وستفعل كل ما في وسعها لتحقيق النجاح ولقيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان.
شغل ميشائيل بوك منصب السفير الألماني في القاهرة من عام 2009 وحتى آيار/مايو 2014. شارك بوك مؤخرا في حلقة دراسية حول الوضع في مصر بناء على دعوة من المعهد الألمانية للسياسات التنموية في مدينة بون الألمانية.