الانتخابات الأردنية.. اختبار عسير لشعبية الإخوان
٢١ سبتمبر ٢٠١٦
توجه نحو 1.5 مليون أردني لمراكز الاقتراع الثلاثاء والأربعاء (21 أيلول/ سبتمبر 2016) للتصويت في الانتخابات البرلمانية والتي يتم بموجبها تجديد مقاعد مجلس النواب. وهي الانتخابات التي تجري في ظروف خاصة يمر بها الأردن ومحيطه المضطرب. فالبلد استقبل مليون لاجئ سوري هربوا من ويلات الحرب في بلادهم، كما أن الحركة الإسلامية المعارضة قررت المشاركة في هذه الانتخابات بعد سنوات من المقاطعة بسبب نظام "الصوت الواحد" المثير الجدل واتهامات الإسلاميين للسلطة بتزوير الانتخابات.
هذا كله ظل مناخ إقليمي يفرض حظراً وقيوداً على جماعة الإخوان المسلمين. بالتالي تتجه الأنظار نحو حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يثمل الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ويشارك ضمن التحالف الوطني للإصلاح.
وتتوقع وسائل إعلام محلية فوز هذا التحالف بـ20 من 130 مقعداً هو عدد أعضاء البرلمان، ليصبح أكبر كتلة معارضة، وأن تذهب باقي المقاعد إلى غالبية من أبناء العشائر ورجال الأعمال الموالين للدولة. فهل تعني هذه الانتخابات إدماج الإسلاميين من جديد في اللعبة السياسية بعد التوترات الأخيرة مع السلطة؟ وهل تعتبر هذه الانتخابات مكسباً للإخوان المسلمين في وقت تشهد فيه جماعتهم تصدعاً وانقساماً كبيرين؟
عودة الإسلاميين
و أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي، في 12 حزيران/ يونيو الماضي مشاركته في الانتخابات بعد أن قاطع انتخابات عامي 2010 و2013 احتجاجاً على نظام "الصوت الواحد" بشكل رئيسي. وكان نظام "الصوت الواحد" الذي اتبع منذ منتصف التسعينات ينص على انتخاب مرشح واحد عن كل دائرة على أن تقسم البلاد إلى دوائر بعدد أعضاء المجلس النيابي بحيث يكون عدد ناخبي الدوائر متساوياً، وهو ما كانت ترى فيه جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي، حزب الجبهة العمل الإسلامي، قانوناً متحيزاً ضدهما. ولطالما مكن نظام الصوت الواحد عدداً من المرشحين المستقلين في الأردن، والمعروفين بولائهم للنظام الملكي من الفوز في الانتخابات.
وبالفعل أقرت الحكومة في 31 آب/ أغسطس الماضي مشروع القانون الانتخابي الجديد الذي ألغى "الصوت الواحد" وخفض عدد مقاعد مجلس النواب إلى 130. ويتيح النظام الجديد التصويت لأكثر من مرشح ضمن نظام القائمة النسبية المفتوحة، وهو ما رحب به الإسلاميون.
ويقول نعيم الخصاونة نائب الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي في تصريحات لـ DW عربية إن حزبه قاطع الانتخابات في الماضي بسبب نظام الصوت الواحد، و"شاركنا هذه المرة لأن الدولة تراجعت عن هذا القانون الذي فتت المجتمع وقسم مكونات المجتمع الأردني وأضعفه وأنهكه. بينما نرى في نظام القوائم نظاماً يسهل تلاقي القوى السياسية المتقاربة من حيث التوجهات للاتفاق على برنامج يخدم مصلحة الوطن".
ويرى مراقبون أن الحزب الإسلامي شارك في هذه الانتخابات، التي ستختبر قدرته التنظيمية، لأسباب من بينها الالتفاف على التحركات الحكومية بحظره وحظر الإخوان بسبب مقاطعتهم الانتخابات. بالإضافة إلى محاولة بناء شرعية الإسلاميين عبر البرلمان.
لكن المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة يرى أن الإخوان كانوا سيشاركون في هذه الانتخابات في كل الحالات. ويشرح ذلك في تصريحات لـ DW عربية بالقول: "ليس إلغاء نظام الصوت الواحد هو ما جعلهم يشاركون بل عدم وجود خيارات أخرى أمامهم فهم يواجهون معضلة وجودية حالياً وجاءت هذه الانتخابات كهدية من السماء لكي يكسروا طابوهات المشاركة".
مكاسب الإخوان والسلطة
ولهذا يرى السبايلة أن الإخوان بمجرد مشاركتهم في هذه الانتخابات، وبغض النظر عن نتائجها، حققوا مكاسب تماماً كما حقت السلطة مكاسب من خلال ذلك. أبرز مكاسب الإخوان بحسب الخبير الأردني هي الخروج من العزلة ومن البقاء مجرد جزء من الماضي السياسي للأردن خاصة مع ما تعرفه الجماعة من خلافات داخلية.
أما النظام فكان يحتاج لمشاركة الإخوان للتخفيف من حجم المعارضة من خارج العملية السياسية وبالفعل فالتيارات المعارضة التي بقيت خارج العملية السياسية حاليا لا يوجد لها وزن سياسي مهم، هذا بالإضافة إلى خلق برلمان يخلو من مقاطعة قوة سياسية بحجم الإخوان. علاوة على بناء شرعية أكبر للنظام، فالإخوان بمشاركتهم في هذه الانتخابات يقرون ضمنياً بشرعية النظام، كما يشرح الخبير الأردني.
ويعتبر حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر الأحزاب السياسية في الأردن وأكثرها نفوذاً وتنظيماً. ولدى الحزب شعبية كبيرة على الخصوص في أوساط المواطنين من أصل فلسطيني الذين يعيش أغلبهم في المدن. في حين يدعم المواطنون من أصل أردني في الأغلب الأعم الفصائل السياسية العشائرية. لكن الإسلاميين حصلوا على دعم متزايد في المناطق الريفية والعشائرية في السنوات الأخيرة الأمر الذي أزعج السلطات بحسب مراقبين.
وفي الوقت الذي يرى فيه متابعون للشأن الأردني أن مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي في هذه الانتخابات تشكل تحدياً للدولة التي تحاول استعادة ثقة الشارع بالانتخابات، خاصة مع رفض المسؤولين مزاعم بعض المراقبين الدوليين بأن الناخبين باتوا غير مبالين ببرلمان غير قادر على تحدي الحكومات التي يختارها الملك. يعارض السبايلة وجهة النظر هذه لكون الإخوان المسلمين لطالما كانوا جزءا من النظام في الأردن وكانوا يشكلون نوعاً من الحماية للسلطة، وبالتالي هذه الأخيرة لم تسع يوما لإقصائهم بل هم تأثروا بأحداث الربيع العربي وكانوا يعتبرونها فرصة للاستئثار بالحكم في المنطقة، وهم الآن يحاولون استيعاب أنهم لا يمكن أن يكونوا أكثر من جزء من السلطة، حسب اعتقاده.
السلطة تريد الإخوان
وبخصوص التضييق الذي مورس على الجماعة في الأردن في السنوات الأخيرة، يعزو الخبير الأردني ذلك إلى "تفاعلات ما عرفته الجماعة في دول أخرى خاصة التي وصلوا فيها إلى الحكم، وهو ما جعلهم يعتقدون أنهم في مرحلة ليسوا مضطرين فيها لتقديم تنازلات. السلطة لا تسعى لمحو الإخوان وذلك ليس من مصلحتها بل كل ما تريده هو أن يعودوا لدورهم التقليدي بأن يكونوا جزءا من السلطة وليس أن يحتكروها".
وكان الملك الأردني عبد الله قد أشاد في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالانتخابات الحالية، معتبراً أن "إنجاز الانتخابات النيابية في هذه الظروف انتصار حقيقي للأردن، ومسار التزمت به البلاد رغم الاضطرابات الإقليمية وعبء اللاجئين".
ورغم ما يعتقده البعض من أن النظام الانتخابي الحالي يصب في مصلحة الإسلاميين بالدرجة الأولى، إلا أن مالك العثامة المحلل السياسي الأردني المقيم في بروكسيل يرى أن النظام الجديد أفرز تياراً جديداً هو تيار الدولة المدنية الذي يتعرض لحرب شرسة من طرف التيار الإسلامي بإعلامه المنظم جداً، من خلال تصويره له على أنه تيار تفكيري.
ويقلل العثامنة من التأثير الإيجابي للنظام الجديد رغم الترحيب الكبير به من مختلف الأطياف السياسية، ويقول في هذا السياق في تصريحات لـ DW عربية: "النظام الحالي معمول به في العديد من ديمقراطيات العالم لكنه يتطلب بنية تحتية حزبية ديمقراطية بالمعنى الحقيقي. فمن السذاجة والعبث أن نتوقع مجلس نواب مكتمل الأركان في ديمقراطيته بعد هذه الانتخابات، لأن نظام القوائم الانتخابية يتطلب بالضرورة تيارات سياسية ناضجة تماماً إلى حد وصولها إلى الأحزاب السياسية وهو ما نفتقده في الأردن".
بالإضافة إلى ذلك يرى مراقبون أن تغيير النظام الانتخابي قبل وقت قصير من الانتخابات لم يعط الفرصة والوقت الكافي للمرشحين والناس لإبلاغ المواطنين بالنظام الجديد.