"زلزال" في نقابة الصحفيين المصرية.. ماذا يعني انتخاب البلشي؟
٢١ مارس ٢٠٢٣شبه البعض فوز خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين في مصر في انتخابات التجديد النصفي التي جرت قبل عدة أيام، بالزلزال.
وبحسب اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، فقد فاز الكاتب الصحفي خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين بعدد أصوات بلغ ألفين و450 صوتًا، بينما حصل منافسه الأبرز الكاتب خالد ميري (رئيس تحرير صحيفة الأخبار المملوكة للدولة) على ألفين و211 صوتًا."
كما أعلنت اللجنة فوز كل من عبد الرؤوف خليفة، جمال عبد الرحيم، هشام يونس، محمود كامل، محمد يحيي ومحمد الجارحي بالمقاعد الستة لعضوية المجلس.
وشغل مقعد النقيب قبل البلشي لدورتين متتاليتين، ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة، والذي لم يتقدم للترشح هذا العام بسبب القانون الذي يحظر ترشحه للمرة الثالثة على التوالي بعد الفوز بدورتين سابقتين (2019- 2021 و2021-2023).
ولاتزال أصداء فوز خالد البلشي أحد أنصار ثورة الخامس والعشرين من يناير ذي التوجهات اليسارية، تتردد ليس داخل مصر وحدها فحسب، وإنما خارجها أيضاً، لما لذلك من دلالات لا تتعلق فقط بالعمل النقابي والحريات الصحفية وإنما أيضاً لارتباطها بمشهد سياسي مأزوم للغاية في مصر.
وللمفارقة فإن البلشي رئيس تحرير لموقع "درب" الاخباري الالكتروني الذي يحجبه النظام المصري كما يحجب أكثر من 600 موقع آخر دون سند قانوني بحسب ما يؤكد حقوقيون، ووفق ما تؤكد مبادرة "اكسيس ناو".
وعلى الرغم من أن الانتخابات كانت نزيهة ولم يجرٍ عليها ما جرى على انتخابات أخرى في مصر، إلا أنها شهدت عدداً من المفارقات اللافتة، منها امتناع كافة القنوات والصحف التابعة للنظام عن استضافة البلشي أو إجراء أي حوارات معه، فيما فُتح المجال امام منافسه خالد ميري الذي اعتبر مرشح الدولة في مواجهة البلشي المستقل.
وفي تصريحات سابقة قال البلشي إن كل القنوات الفضائية التابعة للنظام تجنبت استضافته فيما استضافت ثلاث محطات منها المرشح المنافس، لكن الشركة تذرعت باعتبار ميري المرشح "الأهم" لكونه رئيس تحرير جريدة الأخبار ولذلك استضافته وحده، وهو الأمر الذي انتقده الإعلامي البارز حافظ الميرازي في صفحته على فيسبوك.
أولويات النقيب الجديد
وفي حوار له مع DW عربية، قال خالد البلشي نقيب الصحفيين المصريين المنتخب إن "أول ما يهمني الآن هو إعادة فتح النقابة لأصحابها، فالنقابة كانت مغلقة وما نريده الآن هو إعادة فتحها من جديد للصحفيين".
وأضاف البلشي أن مجلس النقابة سيقوم "بفتح كل الملفات، لكن في الوقت الحالي هناك أمور قانونية وإجرائية لابد من التعامل معها وهي تشكيل مجلس النقابة وتشكيل هيئته ومكاتبه المختلفة". وشدد النقيب الجديد على أن "كل الملفات هي عاجلة بالنسبة لي بدءا بالأوضاع الاقتصادية للصحفيين إلى ملف الحريات وغيرها، فكلها ملفات عاجلة للغاية وسنقوم بفتحها ومناقشتها والتعامل معها".
وبشأن التجاوزات التي تقع في عدد من الصحف والمواقع وخصوصاً تلك التابعة للدولة قال البلشي "لدينا ميثاق شرف صحفي ولدينا أدوات لتفعيله سنستخدمها وسنتعامل مع كل التجاوزات، كما سنتعامل مع الشكاوى من التجاوزات وسنفعل طرق التعامل معها من خلال اللجان الخاصة في النقابة وسيكون لنا دور حاسم وفعال في هذا الأمر".
وأشار البلشي إلى أن من أولويات مجلس النقابة الجديد أيضاً تدريب الصحفيين والارتقاء بمستواهم المهني، وأكد أن النقابة تنظر إلى هذا الملف باهتمام خاص، "ولذلك سنعيد تفعيل هذا الملف وسننشئ له مجلس أمناء وسنقوم بعمل برامج تدريبية متعددة وسيكون ذلك جزءا أساسياً في عملنا المقبل".
أوضاع متردية للصحافة والصحفيين
تتعرض مصر لانتقادات مستمرة لطريقة تعاملها مع ملف الإعلام والصحافة، إذ تحتل مصر مركزاً متقدماً للغاية في عدد الصحفيين السجناء، إلى جانب التضييق المستمر على الصحفيين في عملهم.
وتحتل مصر المرتبة 168 من أصل 180 في قائمة حرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2022، بعد أن تراجعت ما يقرب من عشرة مراكز منذ عام 2013. وبحسب لجنة حماية الصحفيين، لا تزال مصر من بين البلدان العشرة التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم حيث يقبع في سجونها نحو 20 صحفياً.
وفيما يتحدث النظام المصري بشكل مستمر عن حرية الصحفيين وأن من في السجن هم فقط المتهمون بجرائم جنائية وأن الحريات الصحفية متاحة ومكفولة وأن الصحفيين يمارسون عملهم ويبدون رأيهم كيفما شاءوا، تقول صابرين النوي مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود إن النظام المصري "يفرض قبضة من حديد على الصحفيين ووسائل الإعلام".
وتضيف النوي أنه "لا خيار أمام الصحفيين الذين يئنون تحت وطأة القمع سوى الصمت ونقل الرواية الرسمية، وإلا فمصيرهم الاتهام بتهديد استقرار الدولة والزج بهم في السجون".
في هذا السياق، أكد البلشي أن "كل الملفات ستكون مفتوحة للتفاوض مع الدولة، ولدينا أساس ننطلق منه وهو أن لدينا حوارا وطنيا مفتوحا ولدينا مساحات للحركة فيه، وأظن أن هذا سيظل متاحاً لنا".
وأضاف البلشي لـ DW عربية "سنستغل نقابة عريقة وقوية كنقابتنا قادرة على التفاوض على حقوق الزملاء وعلى توفير كافة المساحات للعمل والنشر الصحفي، وسيظل هذا هم رئيسي ومن الأمور شديدة الأهمية التي سنتعامل معها داخل النقابة".
ويسيطر النظام المصري على كافة وسائل الإعلام تقريباً، بحسب ما نشرت عدة مواقع وصحف داخل وخارج مصر.
ويشير مراقبون وخبراء في المجال الإعلامي أن النظام المصري لديه قناعة تامة بأن أحداث يناير 2011 تسبب فيها بشكل كبير "هامش الحريات" الذي أتاحه نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، الأمر الذي دفعه لفرض قيود شديدة على الصحفيين بشكل عام منعتهم من ممارسة عملهم بحرية.
كما قام بإغلاق مئات المواقع الالكترونية وحتى سحب نسخ من صحف بعد طبعها وقبل توزيعها ما كبد تلك الصحف خسائر هائلة.
فوز مفاجئ .. وصدام متوقع
ويرى الكتاب الصحفي وليد عباس أن انتخاب خالد البلشي جاء في وقت لا تحسد عليه أوضاع الصحافة في مصر، وبالتالي فهو يحمل عدة دلالات منها "أن الأجهزة الأمنية والتي تتابع تطورات السياسة الداخلية على ما يبدو حدث لديها نوع من الخلل، لأنه عادة لا يسمح بانتخاب شخص مثل خالد البلشي ليحتل هذا لمنصب الذي يعتبر حساساً للغاية"، بحسب ما قال خلال حوار له مع DW عربية.
وأضاف عباس من باريس أنه يعتقد أن "ما حدث هو أن الأمر أفلت بشكل ما من أيدي المتحكمين في المشهد السياسي الداخلي بمصر، فهم يرون أنه ما دامت الدولة وراء شخص ما، فيجب أن يحصل على المنصب، وهو ما شهدناه في أمور كثيرة بوضع أشخاص هم أهل ثقة بصرف النظر عن إمكانياتهم المهنية أو وزنهم الاجتماعي أو وضعهم على الساحة العامة".
وأعرب عباس عن اعتقاده بأن "فوز البلشي كان مفاجأة للجميع".
وتابع عباس قائلاً إن من الدلالات الهامة الأخرى في انتخاب البلشي أمر يتعلق بالصحفيين المصريين أنفسهم، "فهم يعانون من وضع غاية في التعاسة ليس فقط على مستوى حريتهم في كتابة ما يريدون أو الامتناع عن اضطهادهم، ولكن كافة السياسات الإعلامية المطبقة حالياً في مصر وضعتهم في ظروف مادية واقتصادية ومهنية صعبة للغاية".
وأضاف أنه "حتى لو تجنبنا الحديث في السياسة أوعن حرية التعبير، فإن نتيجة هذا التضييق على حرية الإعلام والإمساك بكافة الأدوات الإعلامية بهذا الشكل - سواء عبر امتلاك الأجهزة الامنية لها أو عبر الرقابة المفروضة عليها - جعلت فرص العمل بالنسبة للصحفيين ضئيلة للغاية".
ومثله مثل الكثيرين في مصر، لا يعتقد الكاتب الصحفي وليد عباس أن الأمر فيه إشارة لانفتاح سياسي يتمناه البعض في المجال العام بمصر، خاصة مع ترويج النظام لما يسمى بالحوار الوطني والإفراج بين حين وآخر عن بعض الشخصيات البارزة، خاصة وأن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية في العام المقبل.
وقال عباس إن "نجاح خالد البلشي بالطبع هو أمر يدعو للأمل والتفاؤل لكن ليس الأمل والتفاؤل بما يعتزمه النظام وإنما بحراك الصحفيين لانتزاع حقوقهم لا في أن يمنح النظام بعضاً منها، فالحرية لا تُمنح، كما أن النظام يمر بأزمة اقتصادية عنيفة للغاية وهو بحاجة لدعم دولي فيما تُعد قضية الحريات وحقوق الإنسان مسألة مهمة لدى المؤسسات الدولية التي يفترض أن تقدم الدعم".
وأضاف أنه "حتى إطلاق سراح بعض الشخصيات بين حين وآخر وإن بدا في الظاهر في شكل انفتاح لكنه عُرف لاحقاً أنه جاء وفق تفاهمات منها عدم الحديث أو الظهور الإعلامي وعدم انتقاد النظام، فلا أعتقد أن أحدا انخدع بالعناوين البراقة التي يروج لها النظام المصري".
وفي هذا السياق، يتفق عدد من المغردين والمدونين المصريين مع عباس في أن النظام المصري سيستغل بشدة فوز البلشي وأنه سيروج بأنه يسمح بالرأي الآخر بل وحتى بفوز المعارضين لسياساته.
ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي وليد عباس أن الطريق أمام البلشي لن يكون معبدا بل هو متأكد "بأنه سيتم وضع عوائق كثيرة أمامه (خالد البلشي) وستتم عرقلته لكي لا ينفذ برنامجه أو يستجيب لرغبات الصحفيين الذين صوتوا له".
ويضيف أن "القضية ليست قضية نقيب، فأي شخص بمفرده لا يستطيع عمل أي شيء، وإنما هي قضية جموع الصحفيين الذين انتخبوا خالد البلشي ويريدون المطالبة بحقوقهم، سواء على المستوى المهني والسياسي في ممارسة حرية التعبير وحقوقهم الاقتصادية في إطلاق أو فتح ساحة العمل الصحفي والإعلامي".
واختتم عباس حديثه بالقول إن "الإعلام المصري وصل إلى مرحلة أنه لا يتمتع بأي مصداقية، وأصبح يعاني من فقر شديد على مستوى الجماهيرية وعلى مستوى المهنية وبالتالي فعلى الصحفيين مساندة الشخص الذي انتخبوه لا أن ينتظروه ليحصل لهم على حقوقهم دون أن يقدموا له أي دعم".
محمود حسين