كفاءة الطاقة في البناء في أوكرانيا
٢١ فبراير ٢٠١١يعمل غريغور بوستل في أوكرانيا، كمفوض تجاري عن الغرفة التجارية النمساوية. وتتفاوت درجة الحرارة داخل مكتبه بشكل ملحوظ، فالمكتب شديد الحرارة تارة أو شديد البرودة تارة أخرى.وكما يشرح بوستل، فليس من السهل ضبط درجة حرارة الغرفة، "نظرا لعدم وجود مفتاح لضبط حرارة المدفأة." أما الحل لهذه المشكلة، كما يقول، فيتمثل في فتح وإغلاق النافذة حسبما يتطلب الموقف. وبالرغم من أن مكتبه يقع في إحدى المجمعات السكنية التي شيدت حديثا في العاصمة كييف، إلا أن الأخطاء ذاتها التي توجد في المباني القديمة تكررت هنا، وعلى رأسها العزل السيئ والتحكم مركزيا في نظام التدفئة.
وهذا هو الحال في معظم المباني هناك، إذ يتم التحكم في نظام التدفئة مركزيا. ويوجد عادة في أسفل المبنى - أي في القبو- مدفأة تعمل بالغاز، وذلك حصرا في الفترة من منتصف أكتوبر إلى منتصف أبريل من كل عام. وكما هو الحال في العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق، لا يتم تشغيل هذا النظام خلال فصل الصيف. وتعتبر أوكرانيا إحدى أكبر الدول المبذرة في استهلاك الطاقة في أوروبا، وهذه مشكلة جدية للغاية. ووفقا لجمعية التجارة الخارجية الألمانية، فإن استهلاك الطاقة في أوكرانيا يبلغ ثلاثة إلى أربعة أضعاف الاستهلاك في دول الاتحاد الأوروبي. كما أن هناك مؤشرا سيئا آخرا في هذا السياق، وهو أن قطاع المباني وحده يستهلك 30 في المائة من مجموع استهلاك الطاقة الكلي في البلاد.
منازل مهددة بالسقوط
وبالدرجة الأولى يرجع السبب وراء ارتفاع استهلاك الطاقة في قطاع المباني إلى أخطاء في أسلوب تشييدها. فأسطح المنازل غير محكمة البناء، والنوافذ الزجاجية والمنازل لا توفر على العزل الحراري اللازم. كما أن نظام التدفئة وشبكات الكهرباء والمياه الساخنة قديمة للغاية. وكما صرحت مديرة الوكالة الأوروبية الأوكرانية للطاقة إيلينا ريباك، لموقع يورآكتيف EurActiv: "إذا لم نتحرك الآن فسنواجه مخاطر كبيرة خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة. وربما يكون انهيار البنية التحتية بالكامل، هي المحصلة في نهاية المطاف." ويضيف المفوض التجاري بوستل، "فليس هناك حوافز كافية لتشجيع توفير الطاقة، فأسعار الغاز منخفضة، وهي مدعومة كما في السابق من قبل الدولة."
إن أسعار الغاز الزهيدة في أوكرانيا، تشجع على التبذير في الاستهلاك. إلا أن هذا الوضع قد يتغير قريبا، فقد ربط صندوق النقد الدولي منح أوكرانيا قرضا للخروج من الأزمة الاقتصادية، بشرط تخفيض الميزانية المخصصة لدعم الوقود. وهكذا قامت الحكومة في عام 2010 برفع أسعار الوقود بنسبة 50 في المائة، إلا أنها تراجعت عن تنفيذ خططها بشأن رفع أسعار مرة أخرى في أبريل القادم. أما السبب فيكمن كما يرى بوستل، في تأثير رفع الأسعار سلبا على شعبية الحكومة لدى الناخبين.
الاعتماد على موسكو
إن المنشآت الصناعية القديمة، مثل مصانع الحديد والصلب ومصانع الأسمدة، تستهلك كميات هائلة من الطاقة. وتفتقر أوكرانيا إلى موارد الطاقة على أراضيها، حيث يتم استيراد 80 في المائة من الغاز الطبيعي من روسيا. وهذا الوضع يؤدي إلى استخدام الوقود كسلاح في الصراعات السياسية. ففي عام 2005 مثلا، رفعت موسكو أسعار الغاز إثر وقوع خلافات بين البلدين. وأدى ذلك إلى وقف إمدادات الغاز، وهو ما تضررت منه دول الاتحاد الأوروبي كذلك، إذ أن جزءا كبيرا من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تمر عبر أوكرانيا.
وبحسب ما يرى غريغور بوستل، فإن على أوكرانيا السعي لتغيير سياستها في مجال الطاقة، وذلك لأسباب عديدة من ضمنها أسباب سياسية. وكما يضيف فإن الإرادة متوفرة لإدخال تغييرات في سياسات الطاقة، لكن ذلك لا يشمل مجال كفاءة استخدام الطاقة، فالجهود تتركز بشكل أساسي على توليد الطاقة المتجددة. فتشييد الطواحين الهوائية خطوة ملموسة يمكن أن تعد كإنجاز من الناحية السياسية. وعلى العكس من ذلك، فإن إجراءات من قبيل إدخال تغييرات على أسلوب التشييد وبناء منازل ذات جدران عازلة للحرارة هي خطوة غير مرئية تقريبا ولا يمكن توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية، بحسب بوستل. وكما يضيف فإن الاستثمار في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية يعتبر أمرا مربحا منذ عام 2009، وتعتبر أوكرانيا حتى الآن الدولة الوحيدة من بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، التي تدفع مقابل تغذية الشبكة المحلية بالطاقة الخضراء. ولذا تم إنشاء محطات الطاقة الشمسية في شبه جزيرة القرم.
نشاط على المستوى المحلي
إن هناك حاجة ملحة في أوكرانيا لسن قوانين خاصة بكفاءة استخدام الطاقة، كما يرى بوستل. وكما يقول:"لا توجد برامج لدعم المواطنين للقيام بصيانة المباني. وهذا ما ورد أيضا في تقارير الجمعية الألمانية للتعاون الدولي. وهنا يأتي دور المنظمات الغربية العاملة في مجال التنمية والاتحاد الأوروبي والمصرف الأوروبي للتنمية والتعمير (EBRD) في المساعدة على سد هذه الفجوة. وتنظم هذه الجهات المانحة المعارض الفنية لجذب المستثمرين الأوروبيين، كما تخصص منحا للبلديات لدفع تكاليف صيانة المباني. هذا وقد قدم المصرف الأوروبي للتنمية والتعمير (EBRD) دعما يصل إلى 73 مليون يورو حتى عام 2015 ، وذلك لتمويل 40 مشروعا جديدا في مجال كفاءة الطاقة.
تقييم سيئ لسياسة المناخ
ووفقا لوكالة الطاقة الأوروبية الأوكرانية، فإن هناك "احتمال ضئيل في أن تقوم الحكومة بإنشاء مشاريع خاصة بكفاءة استخدام الطاقة، وغالبا ما يتم تبرير ذلك بالرغبة في الاقتصاد في التكاليف." ومن النادر أن تنال قضية التغير المناخي اهتمام رجال الأعمال والسياسيين. إن المكانة المتأخرة التي احتلتها أوكرانيا حسب مؤشر شبكة العمل الأوروبية لشؤون المناخ، لم يأت إذن من فراغ.
وكثيرا ما ينظر إلى سياسة المناخ باعتبارها ترفا مكلفا وغير ضروري. فأسوة بروسيا انخفضت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في أوكرانيا إلى حد كبير بالمقارنة مع عام 1990 وذلك إلى حد يفوق ذلك الذي التزمت به هاتان الدولتان بموجب بروتوكول كيوتو. ويرجع ذلك إلى انهيار الصناعات في 1990. وبهذا انخفضت الانبعاثات الكربونية بشكل جذري في أوكرانيا إلى حد سمح لها ببيع حقوق الانبعاثات الزائدة إلى الدول الأخرى.
تورستن شيفر/ نهلة طاهر
مراجعة: طارق أنكاي