"التجويع شكل من أشكال الحروب"
٣٠ مايو ٢٠٠٦DW-WORLD.DE: احتضنت ألمانيا ثلاثة مؤتمرات دولية لنادي القلم العالمي. ماذا يعني ذلك بالنسبة لألمانيا؟
غونتر غراس: لقد شاركت في فعاليات كل من مؤتمر هامبورغ قبل عشرين سنة والمؤتمر الحالي، وألقيت فيهما الكلمة الافتتاحية. وفي كل من الدورتين سادت أجواء سياسية مختلفة تماماً، فقبل عشرين سنة كانت البلاد مقسمة إلى شطرين أحدهما غربي والآخر شرقي وكذلك كان الحال بالنسبة للقارة الأوروبية. وطبعا كان جزء من النقاش وقتها متأثراً بالصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي. غير أن النقاش بدأ يتجه تدريجياً إلى ما نبه إليه عدد من السياسيين وعلى رأسهم فيلي براندت، الذي صرح بأن مشاكل القرن الحادي والعشرين ستكون عبارة عن صراع بين دول شمال وجنوب العالم وليس بين محور الشرق والغرب. ويبدو لي من خلال الأوضاع الحالية أن نادي القلم يكتسي طابعاً عالمياً وشمولياً أكثر مما كان عليه الوضع قبل عشرين سنة.
كيف تقيمون موضوع المؤتمر " الكتابة في عصر اللاسلم"؟
لقد تطرقت في كلمتي إلى أننا كنا دائماً نعيش في زمن اللاسلم، مرة يكون ذلك جلياً وأخرى يكون غير واضح. لقد كنا في أوروبا دائماً ومنذ الحرب العالمية الثانية ندعي أن السلام هو السائد حتى اندلاع حرب صربيا. كنا نعيش هنا في رعب متبادل بين الشرق والغرب بسبب السلاح النووي. لقد كان هناك سلم زائف في الوقت الذي اشتعلت فيه الحروب في شتى بقاع العالم. لقد حاولت في كلمتي توضيح كيف أن حالة اللاسلم هذه كانت مستمرة وأن هناك إمكانيات أخرى كالتحكم في الصناعة الغذائية، على سبيل المثال، إذ يسيطر عدد من الشركات الأمريكية على البذور، وعن طريق ذلك يمكن حمل شعب بأكمله على التبعية. إنها وجهة نظر نبه إليها عدد من السياسيين منهم فيلي براندت، الذي أقدره كثيراً، عندما قال إن التجويع هو الآخر شكل من أشكال الحرب وليس فقط عنف السلاح، الذي تطرق له الأدب كثيراً، لكن تلك الحوادث المرعبة الصامتة استفحلت عن طريق الجوع وتفاقم حجمها على المستوى العالمي، في الوقت الذي يمكن للعالم فيه أن يزداد ثراءاً.
هل يستطيع الأدب أن يساعد على احلال السلام في العالم؟
لا يجب علينا أن نغتر بأنفسنا، لدينا عدد من الإمكانيات على المدى البعيد لإحداث التغيرات في الوعي الإنساني. وأحب أن أتطرق إلى مسار عصر التنوير في أوروبا. ليس فقط كتاب هذا العصر، ففولتير أو ديدرو تعرضوا فوراً للرقابة، ولكن تم اعتماد كتبهم بعد زمن طويل في بلدان عديدة ومناطق مختلفة. في مناطق مختلفة من أوروبا لم يتم بعد اعتماد أفكار عصر التنوير. إنه مسار طويل جداً لإحداث التغييرات، لكنه يهدف إلى تحسين الأمور. أنا مرتاب في الغالب من الديماغوغيين، الذين يصرحون أن ليس هناك في النهاية سوى هدف يتمثل في تحقيق السعادة للإنسان "على الطريقة الأمريكية"، أي السعادة عن طريق الاستهلاك. إنه زيف إيديولوجي، لا أرغب في أن أتشبث به.
من وجهة نظركم، هل يقوم الكتاب على المستوى العالمي بدورهم؟
لا يمكني أن أعمم، أجد أنه شيء ممتاز أن توجد مؤسسة كنادي القلم. فوجود مبادرة تهتم بالكتاب المعتقلين كافي لإظهار أهمية نادي القلم. إن عدد الكتاب الملاحقين والمعتقلين والمغتالين في تزايد كبير. ونحن نعرف أن محاولات نادي القلم بتنسيق مع منظمة العفو الدولية كثيرا ما كانت ناجحة، لإطلاق سراح الكتاب أو تحسين ظروف الاعتقال، أو إمكانية مساعدتهم على مغادرة أوطانهم، حيث يكونوا عرضة للملاحقة، وذلك عن طريق تقديم منح لهم كما يفعل نادي القلم في ألمانيا، حتى يستأنفوا حياتهم. هذه الأشياء هي شكل من أشكال التضامن، وأن التضامن بين الكتاب له دائماً مفعول كبير.
وكيف هو حال كتاب العالم العربي والإسلامي؟
نعم، ينطبق عليهم نفس الشيء. لقد زرت اليمن مرتين السنة الماضية والتقيت هناك بكتاب عرب، وتوصلت إلى خلاصة مفادها أن المشاكل الموجودة اليوم في العالم العربي، هي نفس المشاكل التي واجهتنا في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كمطلب فصل الدين عن الدولة، على سبيل المثال، الذي لا يوجد حتى الآن في العالم العربي. وهذا أمر مطبق تقريبا في أوروبا مع أن بعض الدول الأوروبية تراجعت إلى الوراء أو لم تنجز هذا بعد. من ثم فإن هذه النكسة إلى الوراء موجودة دائما. وعلى الرغم من ذلك سيكون من الطبيعي في الدول العربية المطالبة بفصل الدين عن الدولة وهذا أيضا واجب من واجبات الكاتب.
ألمانيا تستضيف اليوم كتاب من مختلف دول العالم، وبعد أيام سيحل "العالم ضيفاً عند الأصدقاء". لكن بالمقابل هناك تنامي للعنف اليميني المتطرف في ألمانيا. هناك عدد من المهاجرين ومن بينهم عدد من الكتاب الذين بدأوا يتخوفوا من عنف اليمين المتطرف.
سياسيا يمكن القول أن التطرف اليميني في ألمانيا في عزلة. هناك دول في أوروبا، خذ مثلاً فرنسا حيث حزب لوبين اليميني المتطرف يشارك في تسيير شؤون الحكم في جنوب فرنسا. في إيطاليا ساهم حزب فاشي لمدة عشر سنوات تقريبا في تسيير شؤون الحكم إلى جانب بيرلوسكوني . في بولندا وبشكل مهين تدعم الحكومة الحالية من طرف حزبين من اليمين المتطرف. إن الحزب الألماني الوطني لم يسبق له أن شارك في تسيير أمور الحكم باستثناء مشاركته في بعض برلمانات الولايات لفترة قصيرة. ومع ذلك وبكل تأكيد لدينا يمين متطرف، يتصرف بشكل عنيف، ومهمة مواجهته ليست من اختصاص الشرطة فقط. إنها مسألة تتعلق بعقلية الشعب. لكن وقبل كل شيء فإن العنف اليميني يدعم بكلمات ديماغوغية وغير محسوبة للسياسيين. فعندما يحذر مثلاً السيد شتويبر في بافاريا من "اختلاط الأجناس" لدى الشعب الألماني، فإن هذا المصلح يتم توظيفه من جانب اليمينين المتطرفين.