التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.. هل تفجر الوضع في لبنان؟
١٥ أكتوبر ٢٠٢١بدأت شرارة اشتباكات العاصمة اللبنانية بيروت، أول أمس الأربعاء، إثر الاتهامات التي يوجهها المحقق العدلي طارق بيطار، في انفجار مرفأ بيروت بحق سياسيين مقربين من حزب الله وحركة "أمل" إلى التصعيد، والذي رد عليه الثنائي الشيعي بدعوة أنصارهم إلى تجمع حاشد أمام قصر العدل أمس للمطالبة بتنحية القاضي طارق البيطار.
لكن التجمع انتهى بتبادل كثيف لإطلاق النار والقذائف أوقع سبعة قتلى وجرح 30 آخرون في منطقة الطيونة الفاصلة بين أحياء منطقة عين الرمانة ذات الأغلبية المسيحية، والشياح ذات الأغلبية الشيعية. بيد أن هدوءاً نسبياً تشهده منطقة الطيونة اليوم وسط انتشار قوات الجيش.
شبح حرب أهلية وسط تبادل الاتهامات
أبدى سياسيون ومواطنون خشيتهم من أن تأخذ الاشتباكات طابعا طائفيا حيث انطلقت الاشتباكات في نفس المنطقة التي انطلقت منها الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، فيما ربط رأي آخر الأحداث بالشجاعة التي يقوم بها القاضي طارق بيطار المحقق البارز في أداء مهمته، في التحقيق بقضية مرفأ بيروت.
وقال رئيس الوزارء اللبناني الأسبق سعد الحريري عبر فيسبوك، إن أعمال العنف التي شهدتها العاصمة بيروت "أعادت إلى الأذهان الحرب الأهلية البغيضة"، داعيا إلى "اعتماد الحوار وسيلة لحل المشاكل ورفض الانجرار إلى الفتنة التي قد تجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه".
واتهم حزب الله وحركة الأمل، حزب "القوات اللبنانية" بالوقوف بالاعتداء المسلح على المشاركين في التظاهرة بـ"القنص المباشر للقتل المتعمد ما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى"، لكن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، استنكر الأحداث وقال إن "السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر، الذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان".
ورغم ذلك، أشاد زعيم حركة المردة سليمان فرنجية، بـ"الوعي وحسّ المسؤولية لدى حزب الله وحركة أمل اللذين حالا دون الانجرار إلى هذه الفتنة والتمنّي أن تقوم القوى الأمنية بدورها لضبط الوضع ومعاقبة المجرمين وصون أمن وأمان المواطنين".
ودخلت الرئاسة اللبنانية على خط الأزمة، إذ قال الرئيس اللبناني، ميشال عون، إن "القوى العسكرية والأمنية قامت وستقوم بواجباتها في حماية الامن والاستقرار والسلم الأهلي، ولن نسمح لأحد بأن ياخذ البلد رهينة مصالحه الخاصة أو حساباته".
وأضاف: "البلد لا يحتمل خلافات في الشارع، ويحتاج الى معالجات هادئة، مكانها الطبيعي هو المؤسسات (...). وقد أجريت اتصالات مع الاطراف المعنيّة لمعالجة ما حصل، والأهمّ لمنع تكراره مرة تانية، علماً انّه لن نسمح بأن يتكرّر تحت أي ظرف كان".
أيضا، أظهرت الأحداث حافة انفجار جديد للأوضاع السياسية والأمنية على خلفية التحقيقات التي يجريها القاضي بيطار في انفجار مرفأ بيروت، حيث أحرق متظاهرون صوره أمام قصر العدل في بيروت واتهموه بالتواطؤ مع الأميركيين عبر هاشتاغ #بيطار_يلعب_بالنار. وهو ما قابله آخرون بهاشتاغ #مع_القاضي_بيطار، على مواقع التواصل الاجتماعي معتبرين أنه رمز تحدي الطبقة السياسية الحاكمة.
فيما دشن فنانون لبنانيون ومواطنون هاشتاغات "#لبنان و#لبنان_إنهار و#بيروت و#الطيونة تعبر عن مخاوف عودة الحرب الأهلية. وكتب الفنانة نجوى كرم: "ما ذنب الطفولة المظلومة تعيش هذا الرعب بعد غياب سنتين عن المدارس؟".
وكتب حساب جولي باتريوس، متسائلا عن كيفية محاسبة المتسببين في الأحداث، "كم قناص وكم مطلق صاروخ اليوم سيتم توقيفهم ومحاكمتهم؟ منّ يأخذ حق الناس التي ماتت بمنازلها وفي الشارع؟، من يأخذ حق الناس التي تضررت أملاكها؟ وحق تلاميذ المدارس والعالم التي ماتت رعبة؟ الجواب: ولا حدا. اللا محاسبة والإفلات من العقاب. هذه معادلة لبنان الوحيدة".
ونشرت الصحفية اللبنانية لاريسا عون، مشهد لحظة بداية شرارة الاشتباكات أمام قصر "هكذا بدأت المظاهرة السلمية للإطاحة بالقاضي بيطار.. لقد أعلنوها صراحة أنهم على استعداد لتفجير البلد لحماية جماعاتهم المتهمين في تفجير مرفأ بيروت".
وكتب حساب "بول نجار" الذي فقد أحد عائلته في انفجار بيروت، "اليوم بيّن مين عم يجرب يسيس التحقيق وأرواح ولادنا وعم يسبب قتلة وجرحة جديدة. عيب و حرام."، قبل أن يوضح: "القاضي طارق البيطار كفوء ولديه كل ثقتنا ولن نسمح بأي تدخل بملفنا".
وعُيّن بيطار قاضيا للتحقيق في الانفجار في فبراير/شباط 2021 خلفا لفادي صوان الذي أمرت محكمة التمييز الجزائية بتنحيته، بعد قبول دعوى تطالب بذلك عقب طلبه استجواب رئيس الحكومة اللبناني السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين. بيد أن مساعي الإطاحة ببيطار بائت بالفشل حتى الآن بعد رفض شكاوى قضائية من وزراء يرغب باستجوابهم مطالبين بكف يده عن القضية.
"نثق في بيطار"
واعتبر زميل معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فراس مقصد، أن إطلاق حزب الله لمؤيديه في الشوارع يعكس تصميم الحزب على "تقويض التحقيق القضائي في انفجار ميناء بيروت" بالإطاحة ببيطار. وأضاف مقصد عبر حسابه بموقع تويتر، أن الاشتباكات وقعت بينما يسير المحتجون في حي مسيحي مرددين شعارات طائفية: "شيعة.. شيعة!".
"تواجه حكومة ميقاتي الوليدة الآن أول تحدٍ رئيسي لها. إذا حاولت وقف التحقيق، فإنها تخاطر بضجة شعبية وتنفير المانحين الغربيين (...)"، يضيف مقصد.
وكان برنامج الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للحقوقيين (منظمة مستقلة مقرها جينيف) في تغريدة، دعا السلطات اللبنانية إلى وضع حد لمحاولات عرقلة وترهيب وتهديد القاضي طارق بيطار بما في ذلك دعاوى تنحيته عن التحقيق في انفجار بيروت، مشيرا إلى رفض المجلس الأعلى للدفاع استجواب المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا يوم 12 أكتوبر/تشرين الثاني، كما تم تعليق اجتماع مجلس الوزراء عقب انتقادات ودعوات لإقالة القاضي بيطار من قبل عددمن الوزراء. كما منع وزيران للداخلية استجواب مدير الأمن العام عباس إبراهيم خلال الأشهر القليلة الماضية.
وقال مدير البرنامج، سعيد بنعربية، إن السلطات اللبنانية تقوم باللجوء إلى كل حيلة متوفرة لديها لعرقلة تحقيق القاضي بيطار".
لكن بدا واضحا أن التحقيق في انفجار بيروت وصل إلى مستوى خطير، بحسب زميلة معهد واشنطن، حنين غدار، التي كتبت أن "أحداث لبنان الأخيرة هي رسالة واضحة: إذا واصلت المطالبة بالعدالة، فستشهد حربًا أهلية. لا تزال القصة تتطور ويتم الكشف عن التفاصيل تدريجيا".
ورغم الضغوط والاحتجاجات، جددت عائلات ضحايا انفجار بيروت، ثقتها في القاضي بيطار، محذرين من استغلال تلك الأحداث في عرقلة التحقيق أو لتحميله (بيطار) مسؤولية ما هو حكم براء منه.
وطالبت العائلات في بيان ليلة، جميع القوى السياسية الفاعلة بتغليب المصلحة العامة على الخاصة منعا لإراقة الدماء وتغذية العصبية.
في الوقت نفسه، أبدت العائلات تفهمها من هواجس البعض من "تسييس وتطييف" التحقيقات بالقضية، مطالبة بحصر تلك الهواجس ضمن إطارها القانوني والقضائي الصحيح، وقالت: "العدل وحده يحررنا من الماضي ويبني المستقبل".
محمد مجدي