التشرد والاستغلال.. مآل مهاجرين قصر بدون أهل في أوروبا
١ يوليو ٢٠٢١فِكْرِي، شاب مغربي يعيش اليوم متشرداً في أزقة بلدية سان لويس الإسبانية، بعدما فقد الحماية القانونية التي يكفلها القانون في أوروبا للمهاجرين القاصرين. بعد بلوغه سن 18 سنة، غادر المركز حيث تواجد منذ وصوله إلى إسبانيا، وصار يكافح وحيداً لكسب قوت يومه، دون توفره على عمل قار أو أي وثيقة قانونية تحميه أو توفر له أبسط شروط الحياة الكريمة، والأسوء أنه يعاني إعاقة في يده بسبب كسر أصابه، ولا يتمكن أبدا من الاعتماد عليها للعمل.
غادر مدينته طنجة وركب أمواج البحر صوب الجارة الأوروبية إسبانيا، وهو لم يبلغ من العمر سوى سبعة عشر عاماً. حينذاك، عوض أن يتواجد مع أقرانه بحجرات الدراسة، كان يعمل أجيراً في واحد من معامل الخياطة بالمدينة. هناك كسب مبلغاً من المال ساعده على حجز مكان على متن قارب من قوارب الموت التي تنقل آلاف الشباب واليافعين المغاربيين والأفارقة نحو المجهول.
على غفلة من أسرته، اتجه صوب مكان تجمع المهاجرين السريين بالمُهَرب، سلمه خمسة عشر ألف درهم مغربي، مقابل إيصاله بحراً إلى إسبانيا. يقول فكري، ذو الثلاثة والعشرين عاماً حالياً، "كنت قد جمعت قدراً من المال، وطلبت ما أحتاجه لإكمال مبلغ الرحلة من والدتي، وأخبرتها أني أحتاجه لشراء دراجة نارية، أعطتني كل ما تملك دون تردد، ولم تعرف أني بذلك المبلغ سأغادر المغرب نهائيا".
تمكن فكري من التواجد بمركز استقبال المهاجرين القاصرين، لكن لفترة قصيرة، فبعد أشهر من وصوله بلغ الثامنة عشرة من عمره، وفقد الحماية القانونية التي يتمتع بها القاصرون. صار فكري في مواجهة الشارع وقسوة الحياة فيه، إذ لم يتمكن من تحقيق الشروط القانونية للاستفادة من دعم الدولة بعد بلوغ سن الرشد، فما كان أمامه إلا الشارع وكل المخاطر التي يمكن أن يواجهها يافع لا يتقن اللغة ولم يعش ظروفاً مماثلة من قبل.
تقارير تحاكي الواقع!
قصة فكري، تجسيد واقعي لما توصلت إليه دراسة أجرتها منظمة أوكسفام لحقوق الإنسان منتصف الشهر الجاري، إذ أكدت أن المهاجرين واللاجئين القاصرين في أوروبا يتعرضون لخطر كبير بعد وصولهم سن الرشد. وأبرز التقرير أن هؤلاء الشباب غير المصحوبين بذوويهم يفقدون الحماية التي كانوا يتمتعون بها عندما كانوا قاصرين، ما يجعلهم عرضة للتشرد والاستغلال وسوء المعاملة.
مخرجات الدراسة نتيجة لاستطلاع أجرته المنظمة مع قاصرين غير مصحوبين بذويهم بعد بلوغهم سن الرشد في دول مثل اليونان وهولندا وإيرلندا وفرنسا. وأظهرت الدراسة، أن جميع هذه البلدان لا يوجد لديها أي خطط منهجية لمواكبة انتقال هؤلاء الشباب في مرحلة ما بعد بلوغ سن الرشد.
أمر لا ينطبق تماما على إسبانيا حسب مصطفى أصريح الورياغلي، ناشط حقوقي ومؤطر بالمركز التربوي المتخصص Centre Crae Casa Milà في برشلونة، أوضح في تصريحات لمهاجر نيوز أن "إسبانيا هي الدولة الوحيدة التي تمنح القاصرين حقوقاً وحماية قصوى في مجموع البلدان الأوروبية، خاصة إقليم كاتالونيا الذي صار نموذجاً يحتذى به في هذا الإطار"، واعتبر المتحدث أن "هناك ضمانات لهذه الفئة على الأقل قبل بلوغ سن الرشد، رغم التقصير الحاصل في في التعاطي مع الأمر بعد بلوغهم سن 18 سنة".
وأبرز الورياغلي أن الحكومة الإسبانية تناقش مؤخراً إمكانية تعديل القانون المرتبط بالمهاجرين القاصرين، ومحاولة تجديد إقامتهم كل سنتين حتى بعد بلوغهم السن القانونية، مما سيوفر لهم الوقت لإيجاد عمل وتحقيق كل الشروط المطلوبة للبقاء في إسبانيا بشكل قانوني، يقول "نأمل أن تتم الموافقة على هذا القانون وإلا فوضعية الشباب المهاجرين اليافعين ستزداد سوءاً".
ووصف الحقوقي ممارسات وقوانين مختلف الدول الأوروبية بأنها تتسم بـ "نفاق كبير" في سياستها الداخلية والخارجية، إذ قال "الأمر يشمل كل المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان لكنهم في موضوع القاصرين يكونون في موضع حرج. ومن أمثلة ذلك يقول الورياغلي "إعادة القاصرين نحو المغرب بعد دخول الآلاف عبر سبتة خلال الأزمة الأخيرة بين البلدين، إعادتهم كانت فضيحة حقوقية لأوروبا بأكملها".
لتفادي المزيد من المشاكل التي تعيشها فئة كبيرة من المهاجرين الذين يصلون أوروبا قاصرين، يرى الحقوقي أنه "لابد من تجديد القوانين المتعلقة بالقاصرين المهاجرين لضمان حقوقهم بعد بلوغهم سن الرشد ومنع جعلهم عرضة للشارع، ولابد من تجديد قانون الهجرة الذي يحمل وجهين: نصوص تحمي بعض الفئات من المهاجرين، ونصوص تجعل آخرين عرضة للخطر".
وضعية تجعل المهاجرين بين نارين!
حسب الناشط الحقوقي مصطفى أصريح الورياغلي، أغلب المهاجرين القاصرين الذين يبلغون سن الرشد في إسبانيا مغاربيون وأفارقة من دول جنوب الصحراء، بعد عدم تمكنهم من تحقيق شروط الحصول على دعم الدولة بعد بلوغ سن الرشد، يصير الشارع بيتهم ويتعرضون لكل أنواع المخاطرفيه، ولعل أهمها: امتهان السرقة أو الاتجار بالمخدرات وممارسة أعمال أخرى مشبوهة. منهم من يختار ذلك طواعية للأسف لأنه لا يتقن حرفة ولا لغة، لكن هناك من يتم استقدامهم أصلاً من قبل عصابات الاتجار بالبشر وهم من يقومون بتشغيلهم في إطار هذه المنظمات ليقوموا بالسرقة أو الاتجار بالمخدرات أو التسول وبالمقابل يتم توفير المأوى والأكل لهم".
هذه الوضعية، تسببت في جعل 40 في المئة من قاطني السجون في إقليم كاتالونيا لوحده من أصل مغاربيون وهو ما نعتبره كفاعلين حقوقيين "كارثة كبرى"، يقول الورياغلي. لكنه شدد على أن هذا المآل يعاني منه من لم يبذل جهداً للدراسة والتعلم والتحلي بالسلوك الجيد وإظهار إرادة كبيرة في تحقيق شيء بعد وصوله لمركز استقبال القاصرين، أما من اجتهد وقاوم فيتمكن من الاستفادة من الدعم لغاية سن 23 أحياناً، مبرزاً أن حتى هذه الفئة تم تعجيزهم بكثرة الوثائق المطلوبة أحياناً، عبر إلزامهم بوجوب التوفر على عقد عمل".
بصوته الحزين ونبرة تعلن عن انكسار أكبر مما يتحمله شاب في عمره، يقول فكري "لا أريد شيئا سوى تسوية وضعي للعودة لرؤية أمي، تقدمت في العمر وأنهكها المرض، وأنا الآن غير قادر على مغادرة إسبانيا بشكل يضمن عودتي". وعند سؤاله عن فائدة البقاء في بلد لا يوفر له أدنى شروط الحياة الأساسية عوض العودة إلى بلده وإلى حضن أسرته والبداية من جديد، رد قائلاً "لا يمكنني العودة، ستضيع السنين التي أمضيتها هنا هباءاً. تعلمت اللغة واستطعت الصمود رغم كل المعاناة، لذلك علي الاستمرار هنا تحت أي ظرف".
عناد فكري، نابع في الأساس من خوفه من رد فعل مجتمعه وأقرانه، فكيف يمكنه العودة من "الفردوس" الذي خاطر بحياته لأجل الوصول إليه، والذي يتمناه الكثيرون من أبناء حيه ومدينته ووطنه، غير مدركين أبداً مدى الشقاء الذي يعيشه المهاجرون السريون بعد وصولهم.
ماجدة بوعزة
المصدر: مهاجر نيوز