100309 Quantenkryptographie
١١ مارس ٢٠٠٩بعض علماء الفيزياء يعتقدون أن التشفير باستخدام الكوانتومات Quantenkryptographie هو تقنية المستقبل الواعدة التي تتيح طريقة آمنة تماما لنقل المعلومات، يستحيل على أي طرف ثالث، غير المستقبل والمرسل، أن يحصل عليها عن طريق التصنت. غير أن هذه التقنية لا تزال في مهدها، فأقصى مسافة أمكن إرسال عبرها معلومات مشفرة بطريقة الكوانتومات كانت نحو 100 كيلومتر، وهي مسافة قصيرة نسبيا ولا تكفي لاستخدام هذه التقنية في أغراض عملية. لذلك يسعى فريق دولي من العلماء إلى زيادة مسافة الإرسال لتصل إلى آلاف الكيلومترات عبر إرسال الكوانتومات من الفضاء الخارجي، وهو المشروع الذي تم تقديمه في اللقاء السنوي لجمعية الفيزيائيين الألمان في هامبورج مؤخرا.
جدير بالذكر أن الكوانتومات هي مصطلح استخدمه عالم الفيزياء ماكس بلانك وطور من خلاله نظرية كاملة تعرف باسم فيزياء الكم. والكوانتم أو الكم هو أصغر وحدة يمكن تقسيم الظواهر الفيزيائية إليها. ويشير بشكل خاص إلى كميات الطاقة التي تنبعث بشكل متقطع وليس بشكل مستمر.
تجربة فيزيائية تحت قناة فيينا
من أجل الإعداد للمشروع توجه الفيزيائي روبرت اورسن إلى مكان غير مألوف لباحثي فيزياء الكمية وهو محطة ضخ المياه في قناة فيينا. وظيفة المحطة هي ضخ مياه الشرب ومياه المجاري إلى مدينة زيمرنج حيث توجد محطة التنقية. وأسفل القناة يوجد بالقرب من ماسورة مياه المجاري اليسرى كابل من الألياف الزجاجية، يستخدمه الفيزيائي من أجل إرسال فوتونات (كوانتومات ضوئية) من إحدى ضفتي الدانوب إلى الضفة الأخرى.
الفوتونات يُمكنها أن تحمل معلومات وبالتالي يمكن نقلها بطريقة آمنة وغير قابلة للتصنت، لكن المسافة القصيرة بين ضفتي الدانوب، والتي تصل إلى 600 متر، لا تشبع طموح الفيزيائي النمساوي، لذلك يقول اورسن: "هذه المرة سنذهب إلى الفضاء الخارجي. إننا نتحدث عن زيادة مسافة النقل لتصل إلى آلاف الكيلومترات".
الفوتونات تتواصل عن بعد
فكرة المشروع الذي يشارك فيه مجموعة من الخبراء الألمان تقوم على إنشاء نظام ليزري يدعى سبيس كويست Space - Quest داخل معمل كولومبوس الأوروبي، الملحق بالمحطة الدولية في الفضاء ISS. عن طريق هذا النظام يُمكن إنتاج نوع خاص من الفوتونات يمكن تسميته بالفوتونات التوائم.
الباحث الفيزيائي اورسن يشرح طبيعة هذه الفوتونات قائلا: "الفوتونات التوائم تشبه حجري نرد يحملان دائما الرقم نفسه بصرف النظر عن المسافة التي تفصل بينهما"، أي أن هذه الفوتونات تتصرف كأنها توائم تتصل ببعضها عن بعد، أو عن طريق التليباثي. فمثل التوائم تبقى الفوتونات على اتصال رغم المسافة الشاسعة التي أصبحت تفصل بينها بعد ولادتها. فعلى سبيل المثال؛ إذا غير أحد الفوتونات اتجاه دورانه يقوم الفوتون التوأم مباشرة، وبدون زمن مستغرق، بتغيير اتجاه دورانه أيضا. عالم الفيزيائي البرت اينشتاين سبق وتنبأ بهذه الظاهرة واصفا إياها بأنها قدرة سحرية على التواصل عن بعد. مثل هذه القدرة لا توجد سوى في عالم الكوانتومات.
اختبار تواصل الفوتونات
ولاختبار هذه الظاهرة يزمع العلماء استخدام النظام الليزري الذي سيتم تركيبه في المحطة الدولية من أجل إنتاج فوتونات توائم، ثم سيتم إرسال أحد التوائم إلى محطة استقبال موجودة على سبيل المثال في جزر تناريف، في حين سُيرسل الفوتون الآخر في الوقت نفسه إلى محطة أخرى تقع في جنوب إيطاليا وعلى مبعدة 2000 كيلومتر من جزر تناريف.
ثم سيتم فحص إذا ما كان الفوتاونان لا يزالان على اتصال ببعضهما. وإذا نجحت التجربة سيعني ذلك أن الفيزيائي اورسن وفريق بحثه حققا رقما قياسيا فيما يخص المسافة التي تم إثبات قدرة الفوتونات التوائم على التواصل عن بعد عبرها، الرقم السابق كان 140 كيلومترا.
تكاليف المشروع منخفضة
وعلى عكس ما قد يوحي به تعقيد فكرة المشروع الفيزيائية فإن أجهزة النظام الليزري سبيس كويست Space - Quest ليست معقدة أو مرتفعة الثمن، فكل ما يحتاجه المرء، كما يوضح الفيزيائي اورسن، جهاز ليزر يشبه الموجود في أي جهاز عادي لتشغيل اسطوانات بلو راي Blue Ray، إضافة إلى بلورة صغيرة لا يزيد ثمنها عن 10 يورو. ويتمنى الباحث الفيزيائي أن يكون النظام الفيزيائي جاهزا على متن محطة الفضاء الدولية بحلول عام 2012.
دراسة تواصل الفوتونات عن بعد يهدف في المقام الأول إلى تطوير طريقة التشفير باستخدامها، ومن ثم التوصل إلى طريقة آمنة بشكل مطلق لنقل المعلومات السرية، حيث أن أي تدخل من طرف ثالث للتصنت عليها سيتم ملاحظته فورا. أحد تطبيقات المشروع الممكنة هو تواصل البنوك ونقل معلوماتها السرية إلى شركائها بطريقة آمنة. فكل ما يحتاجه البنك هو تركيب محطة استقبال صغيرة على سطح بنايته. عندها سيكون بالإمكان الاعتماد على أقمار صناعية عوضا عن النظام الليزري المزمع إنشاؤه في محطة الفضاء الدولية.
الكاتب: فرانك جروتل اوشنر /هيثم عبد العظيم
المحرر: طارق أنكاي