التصعيد السوري التركي.. سحب خيوط اللعبة من روسيا؟
١١ فبراير ٢٠٢٠دخل الصراع التركي السوري حلقة جديدة من التصعيد، بعد مواجهات عسكرية جديدة بين الطرفين في محافظة إدلب. فقد تعرضت قوات عسكرية تركية في إدلب من جديد لقصف سوري ومقتل خمسة جنود وجرح مثلهم. ومن جهته قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، في تغريدة على تويتر إن القوات التركية "ردت مباشرة على الهجوم الذي استهدف جنودنا في إدلب". وتأتي هذه الخطوة التصعيدية في إطار المواجهة بين الطرفين، بعد مرور أسبوع على تبادل لإطلاق النار بينهما في إدلب، ما أوقع ثمانية قتلى أتراك بينهم خمسة عسكريين.
ومنذ سيطرة الفصائل المسلحة و"الجهادية" على كامل إدلب عام 2015، تصعَد قوات النظام السوري بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشن هجمات برية ضمت خلالها مراحل عدة على مراحل. وآخرها بدأته في كانون الأول/ ديسمبر، إذ شنت هجوماً واسعاً في مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً.
تصاعد العنف الأخير بين قوات الحكومة السورية والقوات التركية في شمال غرب سوريا قد يؤدي، بحسب مراقبين إلى تدهور أكثر للوضع المضطرب أصلا في إدلب. وفي خطوة تهدف إلى خفض التوتر، ووقف الاشتباكات بين الطرفين، زار وفد روسي تركيا.
وبحسب ما نقلت وكالة أنباء الأناضول، دعا المسؤولون الأتراك موسكو إلى "تحمل مسؤوليتها" باعتبارها بلداً يضمن اتفاقاً لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه في سوتشي عام 2018. وهو ما يطرح التساؤل حول الدور الروسي في منع الصدام بين سوريا وتركيا، فهل فشلت روسيا في احتواء الطرفين؟
فشل في "احتواء الخصوم"؟
باعتبارها الداعم للنظام السوري، روسيا لا تستطيع أن تكون الطرف المحايد في الصراع السوري التركي، كي تمنع الصدام بين الطرفين، حسب الكاتب الصحفي والباحث السياسي، المقيم في لندن، محمد قواص، الذي يرى أن روسيا هي من يتحكم في خيوط اللعبة لحد الآن وبالتالي فإن أي تحرك للقوات السورية بالأخص في مسألة ضرب أهداف تركية، لا يمكن أن يأتي دون غطاء من روسيا. وعزا الباحث السياسي في حواره مع DW عربية الصدام والتصعيد الآتي من دمشق باتجاه الأهداف التركية إلى "الخلاف الكبير الناتج ما بين موسكو وأنقرة".
التصعيد العسكري الحالي بين الجيش السوري والقوات التركية في محافظة إدلب، يعتبر حسب محللين أسوأ أزمة تواجه العلاقات التركية الروسية منذ حادث إسقاط الأتراك لمقاتلة روسية على الحدود السورية التركية عام 2015.
من ناحية أخرى يرى قواص أن قوة الدور الروسي في سوريا تتمثل في أن موسكو كانت تعتمد على احتكار القوة، فليس هناك أي قوة دولية تشاركها هذا النفوذ في سوريا وهي التي تشرف أيضاً على علاقات سوريا مع تركيا وإيران ولهذا "لا يمكن القول إن الدور الروسي قد ضعف أو أن روسيا قد فشلت في سوريا، إلا في حالة تدخل جدي من قبل قوة دولية أخرى، وهي الولايات المتحدة الأمريكية".
واشنطن تسحب خيوط اللعبة من روسيا؟
في ردها على القصف المدفعي السوري لمواقع تركية في شمال غرب سوريا، أعلنت واشنطن تأييدها لأنقرة، حليفتها في حلف شمال الأطلسي وعرضت عليها المساعدة، فيما هددت بفرض عقوبات على دمشق في محاولة منها لدفع النظام السوري وحليفته روسيا إلى إنهاء التصعيد.
كما سبق أن أعلن الموفد الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري إنه "قلق جداً جداً إزاء "النزاع الخطير للغاية" في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا. من جهته وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو القصف السوري لمواقع تركية في محافظة إدلب بأنه "تصعيد خطير" وقال إن المسؤولين الأمريكيين يدعمون في شكل تام ما أسماه "أعمال الدفاع عن النفس المبررة" التي قامت بها تركيا رداً على القصف.
هذا التدخل الأمريكي المباشر في دعم تركيا بعد التصعيد في محافظة إدلب، يوضح أن روسيا لم تعد اللاعب الوحيد في هذا الصراع، حسب الباحث السياسي، محمد قواص: "الموقف الأمريكي هذه المرة جاد ليس فقط في دعم تركيا ولكن يريد أيضاً أن يوقف ما أسميه بـ ‘الوكالة الأمريكية‘المعطاة إلى بوتين. وتريد أمريكا أن تعود إلى سوريا بصفتها شريكة في أي تسويات مقبلة". ويشير قواص إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يقدم على مغامراته العسكرية في سوريا والتي بدأت منذ سبتمبر/ أيلول عام 2015، إلا بعد أن أعطي له الضوء الأخضر من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبعد تفاهمات جرت بينه وبين أطراف داعمة أخرى في هذا الملف.
لكن بالنظر إلى تجارب سابقة حول موقف الأمريكيين الذي بدا غير معني كثيراً بالملف السوري وكذلك تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة حول رغبته الانسحاب كلياً من سوريا، يرى قواص أنه يجب الانتظار حتى يتضح ما إن كان هذا السعي الأمريكي "جدياً أم أنه فعلاً مرحلة مؤقتة".
مواجهة مباشرة؟
دفع التصعيد العسكري الأخير منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول بما يقارب 689 ألف شخص للنزوح من محافظتي إدلب وحلب، وفق الأمم المتحدة. وتخشى تركيا أن يؤدي الهجوم الجديد لقوات النظام السوري إلى موجة نزوح جديدة في اتجاه أراضيها وخصوصاً أن أكثر من 3,5 ملايين سوري لجأوا إليها منذ عام 2011.
ورداً على الانتقادات التي تعرضت لها تركيا بعد التدخل العسكري في سوريا، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هدفه إبعاد خطر الإرهاب عن الحدود التركية، كما هدد الأوروبيين بموجة لجوء جديدة.
وتعد موجة النزوح الأخيرة من بين الأكبر منذ اندلاع النزاع عام 2011. من جهتها حذرت منظمات إنسانية دولية من "كارثة إنسانية" جراء موجة النزوح الضخمة.
أحد السيناريوهات المطروحة الآن هو احتمال حدوث تصعيد مباشر بين روسيا وتركيا، وهو ما لا يعتقد حدوثه، توبياس شنايدر، من المعهد الدولي للسياسات العامة في برلين إذ يقول: "لا أعتقد أن المواجهة المباشرة بين القوات الروسية والتركية مطروحة الآن. قد نشهد نوعاً من النزاعات البسيطة كما رأينا في عام 2015 عندما أسقط الأتراك طائرة روسية وبعدها نرى من سيتراجع أولاً".
ويرى شنايدر أن الفرضية الشائعة الآن هي أن الأتراك الآن في وضع أضعف داخل سوريا، لكن ذلك غير مؤكد، حسب قوله، إذ "يجب انتظار نتيجة المحادثات الروسية التركية وبيان أردوغان المرتقب، والذي سيوضح فيه، حسب اعتقادي موقف حكومته من الوضع في إدلب وما هو على استعداد للقيام به".
إيمان ملوك/ توم ألينسون