بعد تطبيع إسرائيل والإمارات.. أيّ خيارات عند الفلسطينيين؟
١٧ أغسطس ٢٠٢٠لم تتأخر السلطة الفلسطينية في تأكيد رفضها لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، فقد اعتبرت ذلك "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، واعترافاً بالقدس عاصمة لإسرائيل" من قبل الإمارات. ويظهر الصف الفلسطيني مُوّحداً ضد خطوة أبو ظبي، خاصة بين حركة فتح وحركة حماس، وهو ما تأكد في بيان عن اتصال هاتفي بين محمود عباس وإسماعيل هنية.
غيرَ أن النزاع العربي- الإسرائيلي لم يعد كما كان قبل عقود، وتحديداً عندما قاطعت الدول العربية مصر، وعلّقت عضويتها لسنوات من الجامعة العربية غداة توقيعها اتفاق "كامب ديفيد" مع إسرائيل، فبعد ذلك التاريخ، وقعت منظمة التحرير الفلسطيني اتفاق أوسلو الذي اعترفت من خلاله بحق إسرائيل في الوجود، ثم وقعت الأردن اتفاق "وادي عربة" الذي أتى لتسوية النزاعات الحدودية مع إسرائيل، ومن ثمة إقامة علاقات معها.تقارب عربي مع إسرائيل
منذ مدة طويلة، لم يعد الكثير من المحللين يتحدثون عن نزاع عربي-إسرائيلي، بل نزاع فلسطيني-إسرائيلي، ومن أبرز المؤشرات على هذا الأمر، استقبال دولة عربية محورية، هي مصر، للاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي بـ"التثمين"، وكذلك حديث البحرين عن أن الاتفاق يعزّز فرص السلام، بينما اتخذت الأردن موقفًا وسطًا بالحديث عن أن "أثر الاتفاق سيكون مرتبطًا بما تقوم به إسرائيل" مستقبلاً، في وقت صمتت فيه جلّ الدول العربية، ولا يوجد أيّ مؤشر على انعقاد قمة عربية طارئة لمناقشة الأمر.
غير أن السلطة الفلسطينية لم تكن تراهن على الصف العربي منذ فترة طويلة نسبيا، وفق ما يراه المحلل والكاتب السياسي الفلسطيني عبد المجيد سويلم في حديث مع DW عربية، مشيراً إلى أنه استمع لقيادات فلسطينية تقول إن النظام العربي في طريقه إلى الانهيار الشامل، فـ"السلطة الفلسطينية كانت تعرف حقيقة الوضع، لكنها لم تكن ترى بضرورة المجاهرة بهذا الانهيار"، حسب رأيه.
ويتابع سويلم أن هذا الانهيار مستمر، وأن حتى الدول العربية ذات الثقل الإقليمي منساقة وراء التطبيع الكامل، وعدم مجاهرتها ضد الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي لا يعني أنها ضد خطوة أبو ظبي. ويضيف أن القادم لهذه الدول "هو الاعتراف بإسرائيل أو المزيد من التطبيع وبالتالي القفز على الحقوق الوطنية الفلسطينية".
هل ضعُف موقف الفلسطينيين؟
ما يجعل الخطوة الإماراتية ذات دلالة كبيرة، أنها تمثل أول اتفاق سلام يجمع إسرائيل مع دولة عربية لم تدخل معها في حرب، ولا نزاعات حدودية بينهما. لكن كذلك تندرج هذه الخطوة في سياق عربي خفّف لهجته كثيراَ ضد إسرائيل، فقد جرى تقارب بين سلطنة عمان وإسرائيل، وتحاول هذه الدولة الخليجية أن تلعب دوراً في الوساطة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كما جمعت محادثات هذه الأخيرة ومسؤولين سودانيين، فضلًا عن اعتراف سعودي بـ"حق الإسرائيليين في العيش على أرضهم".
هذا التقارب العربي-الإسرائيلي، المعلن عنه وغير المعلن، لا يقوي موقع الفلسطينيين في التفاوض، إذ يقول عبد المجيد سويلم إن نقطة ضعف الفلسطينيين الرئيسية، زيادة على الانقسام الداخلي، هو هذا الانسياق العربي نحو إسرائيل، فلولاه لما" تحدث نتنياهو عن الضم وغير الضم (ضم أجزاء من الضفة الغربية)، ولولاه لما قدم دونالد ترامب لإسرائيل هداياه المعروفة"، ويشرح المحلّل أن النظام العربي "كان موافقا على كل خطوات ترامب، لأن قادته يعتبرون أن سقوطه سيشكل هزيمة لهم في مواجهة إيران أو سيصعب عليهم الحفاظ على حكمهم".
غير أن أبو ظبي، تبرّر اتفاقية السلام مع إسرائيل بأنها تتضمن كذلك "إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية"، حسب ما أعلنه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وجاءت الكتابات في الصحف الإماراتية لتدافع عن هذا التوجه، إذ كتب سالم أحمد الجحوشي في العين الإماراتية: "أوليس إيقاف الضم هو الأمر الذي أزعج السلطة الفلسطينية ونددت وشجبت واستنكرت ثم استنفرت العرب للوقوف في وجه هذه الخطة التي يعتزم القيام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ إذًا ما الضير في إبرام هذه المعاهدة بين الإمارات وإسرائيل بضمان أمريكي وبشرط تستند عليه خارطة العلاقات الثنائية بين البلدين".
غير أن بعض المشاهير الإماراتيين في تويتر هاجموا بقوة السلطة الفلسطينية، وكذلك فعلوا، بلهجة أقل، بعض الكتاب الآخرين، كالكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي، الذي كتب على موقع العين: "بعض القيادات الفلسطينية فقدت بوصلتها، وطاشت سهامها لا لأجل الشعب الفلسطيني وقضيته، بل لأجل جيوبهم ومصالحهم الشخصية"، قبل أن يضيف في فقرة أخرى: "ثمة دول معادية في المنطقة تحتل أجزاء من دول خليجية، ولم نسمع يوماً موقفاً فلسطينياً يرفض هذا الاحتلال ويرفض المحتلّ، وأرض فلسطين ليست أقدس من أي شبرٍ يحتله أجنبي في الدول العربية".
ماذا تبّقى للفلسطينيين؟
من البديهي ألّا تعترض أيّ دولة غربية على الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، لأن السلام العربي الشامل مع إسرائيل كان مطلبا للمجتمع الدولي، لكن في الناحية الأخرى، تدعم قوى غربية كثيرة حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة. وهذه القوى، بما فيها الاتحاد الأوروبي، لا تعترف بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ 1967. كما أن ألمانيا، التي "تتحمل مسؤولية خاصة تجاه أمن دولة إسرائيل، تعترف بحق الفلسطينيين بدولة خاصة بهم" حسب الخارجية الألمانية.
ويشير سويلم إلى أن السلطة الفلسطينية مطالبة أولاً بإعادة ترتيب بيتها الفلسطيني وأن تراهن على حركية الشارع العربي، كما أن لها "في المحيط الدولي العديد من الأصدقاء والتحالفات، ولها من القوى ما يستند على الشرعية الدولية والقانون الدولي". ويعتقد سويلم أن ترامب سيرحل، وسيرحل بعده نتنياهو، ما سيؤدي إلى سقوط الخطة الإسرائيلية-الأمريكية بأكملها، وسيعود معه المجتمع الدولي وحتى الإقليمي إلى جادة الصواب، حسبما يرى الخبير الفلسطيني سويلم.
ومن المتوقع أن تتغيّر الكثير من المعادلات في حال خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية، فالمرّشح عن الحزب الديمقراطي جو بايدن، وإن رّحب بالاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، فإنه حذر من أنه لن يدعم قيام إسرائيل بضم المستوطنات اليهودية إذا فاز بالرئاسة، لأن ذلك "سيكون ضربة قاضية للسلام"، وفق قوله، وهو تصريح يجعل الفلسطينيين يرغبون أكثر بتغيير في رئاسة البيت البيض، بشكل ينعكس على النزاع مع إسرائيل، كما وقع في عهد باراك أوباما، عندما خرج وزير خارجيته جون كيري بتصريحات في نهاية مهامه قال فيها إن السياسة الاستيطانية تقود إلى "دولة واحدة واحتلال دائم".
إسماعيل عزام