التفاؤل الحذر يخيم على محاولات طي صفحة الماضي الأليم في المغرب/ الحلقة1 من 2
١٣ مايو ٢٠٠٦يشهد المغرب في الآونة الأخيرة أنشطة مكثفة تتمحور فعالياتها حول قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي ارتكبت خلال العقود الماضية. ويكثف نشطاء المجتمع المدني فعالعدالة ، الياتهم لانتزاع ضمانات من نظام الملك محمد السادس تمنع تكرار تجاوزات الماضي. وبالنسبة للمنتدى المغربي للحقيقة والانصاف، وهو هيئة غير حكومية متخصصة في قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فإن طي صفحة الماضي الأليم تقتضي " كشف الحقيقة كاملة عما جرى في سنوات الانتهاكات وإعادة الاعتبار للضحايا من خلال العدالة ومساءلة المسؤولين".
أول الخطوات نحو العدالة
وتؤيد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هذه المطالب وتضيف لبند محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة، إبعاد من بقي منهم في مواقع المسؤولية في الدولة. ويعكس تشدد الهيئات الحقوقية المغربية إزاء الانتهاكات الجسيمة حذرها ويقظتها في مواجهة السلطات رغم ما تحقق في المغرب منذ إعلان هيئة الانصاف والمصالحة عن نتائج أعمالها التي اعتبرت برأي المراقبين خطوة غير مسبوقة في العالم العربي. وقامت الهيئة بفحص 17 ألف ملفا لضحايا التجاوزات الحكومية منذ استقلال البلاد عام 1956 وحتى تولي العاهل المغربي الملك محمد الخامس الحكم في يوليو/ تموز 1999. وقد شُكلت هذه الهيئة التي يرأسها معتقل سياسي سابق هو ادريس بن زكري بأمر من الملك محمد في أبريل/ نيسان 2004.
وطالت الملفات التي بحثتها قضايا قمع ممنهج مثل الاختطافات والاغتيالات وعمليات التعذيب والاحتجاز في معتقلات من أشهرها تزمامرت وأكدز وقلعة مكونة، وهي معتقلات سرية سجلت فيها أفظع الانتهاكات. وقد اعتمدت في عملها على خبرات ما يصطلح عليه في القاموس الحقوقي الدولي" العدالة الانتقالية" من تجارب بلدان أخرى في أميركا اللاتينية وجنوب إفريقيا. وساهمت في بلورة مناهج عمل الهيئة المغربية مؤسسات إنسانية وحقوقية وسياسية عالمية من بينها منظمة العفو الدولية "آمنستي" ومؤسسة فريدريتش إيبرت الألمانية.
لحظة تاريخية
بعد تولي الملك الشاب محمد السادس الحكم عاد ابراهام السرفاتي أشهر معارضي حكم الملك الحسن الثاني من منفاه الاجباري في باريس. وأعفي ادريس البصري وزير الداخلية الأسبق من منصبه الذي دام فيه أكثر من ربع قرن، وتصاعدت حركة المجتمع المدني في البلاد بإتجاه تسوية ملفات الانتهاكات الجسيمة. وكان السادس من يناير/ كانون الثاني الماضي بالنسبة للمغاربة بمثابة لحظة دقيقة من تاريخ بلدهم والمصالحة مع ماضيهم، وذلك عندما أقدم الملك محمد السادس على إقرار توصيات هيئة الانصاف والمصالحة ، وتصريحه بمسؤولية أجهزة الدولة المغربية عن إنتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ارتبكت خلال العقود الماضية .وقد أمر الملك بتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الانسان( هيئة استشارية لديه)، مهمة تنفيذ توصيات هيئة الانصاف في ختام أعمالها. وتضمنت هذه التوصيات حزمة من الاصلاحات في ميادين القانون والادارة والقضاء والتربية وحفظ الذاكرة.
وجاء في توصيات الهيئة الكشف عن مصير 742 حالة من مجهولي المصير، كما كُشف النقاب عن مقابر سرية لمئات الأشخاص الذين قضوا في معتقلات سرية أو تصفيات سياسية دامية شهدتها البلاد في عهد حكم الملك الراحل الحسن الثاني. وتوخت هيئة الإنصاف والمصالحة اعتماد مقاربة تركز على كشف الحقيقة وجبر الضرر المعنوي والمادي للضحايا دون مساءلة المتورطين في الانتهاكات. ونظمت الهيئة لأول مرة جلسات استماع عامة بثت مباشرة عبر التلفزيون وقدمت فيها شهادات ضحايا الانتهاكات الجسيمة، لكن دون أن يسمى الجلادون أو المسؤولون عنها. وأمرت الهيئة بتعويض آلاف الضحايا وأسرهم ماديا عن معاناتهم، كما أمرت بدمجهم في مؤسسات المجتمع. أما التعويض المعنوي فكان رمزيا إذ جرى اختزاله في مناسبة رمزية جسدها خطاب رسمي غير تقليدي للملك اعقبه استقبال لعدد من الضحايا في بهو القصر الملكي بالرباط يوم 6 يناير/ كانون الثاني. وقد اعترف يومها رسميا بمسؤولية الدولة دون أن يذهب الى حدود محاكمة فترة والده. وهو إتجاه يسوغه المدافعون عنه بأن الاصلاحات السياسية وعملية المصالحة بدأت في حقيقة الأمر في السنوات الأخيرة من حكم الملك الحسن الثاني، عندما فتح أبواب المعتقلات وأطلق مسار إنتقال سياسي قاد في عام 1998 لتولي زعيم المعارضة رئاسة الحكومة، وهو أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحيم اليوسفي والذي كان محكوما بالاعدام.
يقظة المجتمع المدني
بيد أن أجواء الترحيب المحلي والدولي بالخطوة المغربية التي انجزت يوم 6 يناير/ كانون الثاني 2006، باعتبارها عملا غير مسبوق في تاريخ أنظمة الحكم بالعالم العربي. كما أنها نموذج يمكن أن يقتدى به في العالم العربي والإسلامي الذي يعج بالمظالم .هذه الأجواء لم تحجب عن نشطاء المجتمع المدني المغربي ، سبيل مواصلة العمل الحثيث من أجل تكريس القطيعة مع الماضي ورموزه.المتتبعون للتطورات السياسية والحقوقية في المغرب ، يرصدون في الآونة الأخيرة تحركات على أكثر من صعيد، وهي تحركات تنطوي على إمتحان لنظام الملك محمد السادس وقدراته على التكيف مع مقتضيات عملية الانتقال الديمقراطي.
مخاوف من محو آثار جرائم الانتهاكات
في 28 ابريل/ نيسان الماضي احتشد عشرات من نشطاء حقوق الإنسان أمام مقر رئيسي للأمن يطلق عليه المركب complexe، ويقع في حي أكدال بالعاصمة الرباط ،من أجل المطالبة بكشف كل الحقيقة فيما كان يجري بهذا المكان من عمليات إعتقالات وتعذيب لمناضلي حركات يسارية في منتصف السبعينات. وتقدم المتظاهر مجموعة من الشبان الذين غزا الشيب رؤوسهم، بسبب ما عانوه في المعتقل ومعتقلات أخرى وسجون سرية لم يُشهد مثيل لفداحة ما ارتكب فيها. وقال المعتقل السابق عبد الناصر بنوهاشم، الذي كان يتوسط رفاقه: محمد النظراني ومحمد الرحوي وعبد الرحمان القونسي ، ان الهدف من تحركهم هو " جعل معتقل المركب مركزا وطنيا لذاكرة كل الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب"، وجاء تحركهم تخليدا للذكرى الثلاثين لاعتقال هذه المجموعة التي كانت تحمل اسم بنوهاشم. ويشير تحرك هذه المجموعة من المعتقلين السابقين الى مخاوف عدد من نشطاء حقوق الانسان وضحايا سنوات الجمر، من محاولات ربما تقوم بها الأوساط داخل الحكم لطمس ما تبقى من آثار ومعالم دالة على إنتهاكات خطيرة. وقد عبرت أسرة المهدي بن بركة عن مخاوفها من إندثار أو محو آثار جريمة إغتياله الذي يشتبه بأنها نفذت بمعتقل " دار المقري" في ضاحية العاصمة الرباط. وإقترح عدد من المهتمين تحويل مواقع المعتقلات الشهيرة مثل تازمامرت الى متحف لحفظ ذاكرة ما حدث .
غداً الحلقة الثانية
منصف السليمي