التونسيون في ألمانيا يستنشقون ياسمين ثورة بلدهم
٣٠ يناير ٢٠١١قدموا من مدن ألمانية مختلفة إلى مطار دوسلدورف الدولي، لكن قاسما مشتركا يوحدهم جميعا وهو عودتهم إلى بلدهم الأم تونس، بعد عقود طويلة قضوها بعيدين عنه. يتعلق الأمر هنا بناشطين من حركة النهضة الإسلامية المحظورة الذين استقروا كلاجئين سياسيين في ألمانيا بسبب اضطهاد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي لهم.
وبعد أن سألناهم عن شعورهم وهم يعودون مرة أخرى لبلدهم بعد طول غياب، أجاب أحدهم وهو محسن جندوبي مدير "مؤسسة مرحمة" الإنسانية وعيناه تقاومان الدموع، أن شعوره لا يوصف وأضاف :" لقد خرجت قبل أزيد من عشرين عاما من تونس خُفية، ولم أكن املك حتى جواز سفر، أما الآن فأعود إلى بلدي معززا بفضل ثورة الشعب التونسي الأبيِّ".
وبغض النظر عن دور أعضاء هذه الحركة في المستقبل السياسي التونسي في ظل تخوفات تسود بعض التونسيين من دور الإسلاميين وخشيتهم من أن يقوم هؤلاء بمحاولة فرض ايديولوجيتهم الإسلاموية على أبناء بلدهم، يمكن القول أن ثورة الياسمين التونسية اتسع مداها ليشمل كل الفرقاء السياسيين التونسيين باختلاف أطيافهم، فيما يشكل أملا للتونسيين بالعيش معا في كنف التعددية والديمقراطية، وهو رددته المظاهرات العارمة التي شهدتها تونس طيلة شهر كامل وتوجت بالإطاحة بالرئيس بن علي.
أجسادهم في ألمانيا وقلوبهم في تونس
وليس النشطاء السياسيون التونسيون المقيمون في ألمانيا هم وحدهم من فرحوا برياح التغيير التي هبت على تونس، بل ان التونسيين بمختلف أطيافهم الاجتماعية تابعوا تطورات الأحداث في بلدهم الأم لحظة بلحظة، ولم يكتفوا بالجلوس أمام شاشات التلفزيون بل خرجوا في مناسبات عديدة للشوارع واعتصموا أمام مقر السفارة والقنصليات التونسية في برلين ومدن ألمانية أخرى.
ويحكي أحمد كرمي أن تطور الأحداث كانت تمرعليه، وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا مثيرا، وأضاف " عندما سمعت بفرار بن علي لم أصدق، وظننت أنني في حلم سأستيقظ منه في أي لحظة". وبدورها تؤكد فاطمة رحموني المقيمة في ألمانيا منذ عشر سنوات، وهي أم لطفلين، بأنها منذ أن علمت باندلاع المظاهرات في تونس لم تتوقف على الاتصال المستمر مع ذويها هناك، وأكدت أن سقوط بنعلي كان بالنسبة لها ولعائلتها في تونس بمثابة استقلال جديد لتونس "يساوي أو يفوق في قيمته استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي".
هموم الجالية التونسية وشبابها
وبقدر ما اهتم التونسيون المقيمون في ألمانيا بتطورات الأحداث قبيل سقوط الرئيس المخلوع بن علي، بقدر ما يتتبعون بحرص شديد التطور السياسي في تونس في مرحلة ما بعد بن علي. وتختلف وجهات نظرهم بهذا الخصوص. وفيما يؤكد أنيس قادري البالغ من العمر 35 عاما والذي يعمل سائق حافلة في مدينة بون الألمانية على ضرورة عودة الاستقرار للبلاد، ولو كلف الأمر الإبقاء على بعض أعضاء الحكومة السابقة، للاستفادة من خبراتهم في هذه المرحلة العصيبة، يعارض أحمد كرمي ذلك ويطالب بزوال كل رموز نظام بن علي مضيفا" من لم يقدر على قول كلمة لا للرئيس السابق بن علي وأخلص في خدمته لسنوات عديدة لا يمكنه التحول بين عشية وضحاها إلى رجل ديمقراطي يرسخ الحريات ويدافع عنها".
وشأنهم في ذلك شأن باقي التونسيين، عانى تونسيو الخارج أيضا من الفساد في نظام بن علي على الرغم من ابتعادهم عن البلد واستقرارهم في بلدان أوروبية، وهو ما يؤكده علي زيتوني المتقاعد، والذي صرح بأنه كان يتعرض في كل مرة يسافر فيها إلى تونس لاستفزاز رجال الأمن الذين يجبرونه على دفع آلاف من الدنانير( اليورو يعادل 1,8 دينار تونسي) دون وجه حق، ويضيف:" إذا رفضت الدفع تسحب منك أوراق سفرك ويتم تأخيرك لساعات طويلة". ويتمنى زيتوني بأن تحارب الحكومة الجديدة ظاهرة الرشوة، وأن تنظر إلى تونسيي الخارج كمواطنين عاديين مثلهم مثل تونسيي الداخل".
ومن جهته يتمنى صلاح بنزرتي العامل بأحد شركة السيارات، وهو أب لثلاثة أطفال، بأن تهتم الحكومة في المستقبل بأطفال الجالية التونسية المقيمة بألمانيا، وأن لا يقتصر دور هذه الأنشطة على "الترويج لمصالح جهات معينة، كما كان يحصل في عهد بن علي". وأضاف بنزرتي:" نحن نريد أن لا يفقد أبناؤنا علاقتهم مع بلدهم الأصلي فهم جزء منه، لذلك نطالب بأن تهتم السفارة والقنصليات التونسية في ألمانيا لذلك، من خلال تنظيم أنشطة مختلفة لتعريف أبناء الجالية التونسية بتاريخ بلادهم وإشعارهم بأنهم أبناء ذلك الوطن".
هشام الدريوش - بون
مراجعة: منصف السليمي