الجالية الكاثوليكية الألمانية في مصر: يد لمساعدة المحتاجين ومركز للقاء الأديان
في فناء فسيح لمبني بأحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة ينتظرنا راهب ألماني بشوش الوجه، ليقول بعربية سليمة: "مرحباً بكم في مقر الجالية الكاثوليكية الألمانية". إنه الأب يوخائيم شرودل، الذي يرأس هذه الجالية الألمانية العريقة منذ ما يزيد عن عشر سنوات. يبذل الأب شردول ومعاونيه كل ما في وسعهم من أجل العناية بالألمان الكاثوليك المقيمين في مصر، والأخذ بيدهم لحل مشاكل الغربة عن طريق الوعظ والإرشاد الديني. وتسعى الجالية الكاثوليكية الألمانية من خلال الأنشطة الاجتماعية المتعددة التي تقدمها إلى لم شمل كل الناطقين باللغة الألمانية في مصر، وتعريفهم على "هبة النيل". أما مهام الأب شرودل، المكلف بشؤون الشرق الأوسط من قبل مؤتمر الأساقفة الألمان، فلا تحصى وأهمها: الإشراف على مدرسة القديس شارل بوروميوس بالقاهرة وفرعها بالإسكندرية، حيث تدرس التلميذات المصريات والألمانيات جانباً إلى جانب في ظل نظام دراسي ألماني خالص. وفضلاً عن ذلك تمثل متابعة أعمال جميع الجاليات الكاثوليكية الألمانية في بلدان الشرق الأوسط شغل شرودل الشاغل. الأمر الذي يجعله يتنقل شهرياً من بلد عربي إلى آخر. موقع دويتشه فيلّه باللغة العربية أجرى معه في القاهرة الحوار التالي:
دويتشه فيلّه: يعتنق عدد كبير من الألمان المذهب الكاثوليكي، الأمر الذي يجعل من الطائفة الكاثوليكية في ألمانيا إحدى أكبر الطوائف المسيحية في قلب أوروبا. ترى من هم المنتمون للطائفة الكاثوليكية الألمانية في مصر؟
شرودل: لا غرو أن عدد المنتمين للطائفة أقل بكثير مما عليه الحال في ألمانيا، لذلك فإنه من الممكن تحديد نوعية الوظائف التي يشغلها الكاثوليك الألمان في مصر، وأغلبهم من العاملين في السلك الدبلوماسي والتعليم. ومن الجلي أن أبناء الجالية الكاثوليكية الألمانية في مصر يتمتعون بقسط وافر من الثقافة. ولا يمكن تعليل اشتراك الألمان في الجالية على أساس كونهم مؤمنون مسيحيون فحسب، فهم أيضا أناس يتطلعون بلهفة إلى التعرف على بلد مهجرهم ومجتمعه.
ما هو عمر الجالية الألمانية الكاثوليكية في مصر؟
ليس من السهل الإجابة على السؤال، لذلك أقول دائماً مداعبة: ترجع بداية تواجد جاليتنا في مصر إلى أيام فرانسيسكوس فون أسيسي، الذي أسس طائفة الفرانسيسكان عام 1219. أما أنا فأعتبر نفسي منذ عشر سنوات خليفته في مصر. لقد كان فرانسيسكوس فون أسيسي مثلي من المهتمين برعاية معتنقي المذهب الكاثوليكي في الدول غير المسيحية. ومن المعروف عن الكنيسة الكاثوليكية أنها لها ممثلون في شتى أنحاء العالم. أما في مصر فهناك منذ العصور الوسطى ممثل لطائفة الفرانسيسكان بمدينة الإسكندرية.
ما هي الشروط التي يجب توفرها لكي يصبح المرء عضواً في جاليتكم؟
نحن نرحب بكل ألماني يحل على أرض مصر المحروسة، ونعتبره تلقائياً عضواً في جاليتنا. ولا نطلب من أعضائنا رسوم اشتراك. كما نرحب بالجميع سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، لأننا لسنا مجرد نادي مسيحي، بل جزء من الكنيسة الكاثوليكية العالمية المنفتحة على الأديان الأخرى. وأود أن أشير أن هناك جالية ألمانية بروتسانتية في القاهرة، وأوضح أنه لا يوجد أي تنافس بيننا وبين الألمان البروتستانت. فنحن في نهاية الأمر مجموعة واحدة من ألمان المهجر. لذلك نقوم دائماً بتنسيق جهودنا، حتى يتسنى لنا تقديم أنشطة إجتماعية وثقافية مشتركة.
ما هي الأنشطة والخدمات التي تقدمونها في مصر؟
هناك أعمال ضرورية تقوم بها جاليتنا انطلاقاً من كونها كاثوليكية مثل: أداء الفرائض الدينية، أما مهمتنا الروحية فتتلخص في مد يد العون لمعتنقي المذهب الكاثوليكي والخروج بهم من المواقف الصعبة. وتقوم الجالية سنوياً بتنظيم حفل للتعارف، لكي تسنح الفرصة أمام الألمان الوافدين التعرف على أبناء وطنهم المقيمين بصورة دائمة في مصر. كما نسهر على إعداد ندوات ومؤتمرات وحلقات للنقاش، نقوم خلالها بطرح موضوعات تهم أبناء البلدين، ناهيك عن الرحلات التي نشرف على تنظيمها إلى مختلف معالم "أرض الكنانة". وتنظم الجالية منذ عدة سنوات جولات للتنزه في العاصمة المصرية، نزور خلالها مساجد قاهرة المعز ونترك التراث الثقافي الإسلامي هناك يتحدث عن نفسه.
كما تفضلتم بالقول، فإن جاليتكم لا تشترط على أعضائها دفع رسوم اشتراك. إذن فكيف يتم تمويل كل هذه الأنشطة؟
لا تمللك جاليتنا مبالغ نقدية كبيرة، وهذا أمر يبعث البهجة في نفسي. لا تتعدى ميزانية الجالية مبلغ 8.000 يورو سنوياً، نظراً لانخفاض تكاليف المعيشة في مصر مقارنة بألمانيا. ولكن بالرغم من عدم احتياجنا لكم كبير من النقود، نتلقى الكثير من التبرعات من اجل تمويل المشاريع الاجتماعية التي نقوم بتنظيمها هنا. ولعل أهمها ذلك المشروع الذي تشرف الراهبة ماريا جرابس منذ ثلاثين عاماً.
هل لكم أن تحدثونا عن هذا المشروع؟
هناك حوالي 30.000 شخص يجمعون القمامة في مدينة القاهرة. الجالية الألمانية الكاثوليكية تساعد ألفين منهم، لأنهم يحيون في ظل ظروف معيشية صعبة جداً. تقوم الجالية منذ عهد الراهبة ماريا جرابس بتشييد مساكن "للزبالين". كما قمنا بناء مدرسة لأبنائهم في منطقة المعتمدية بالقرب من حي المهندسين. تضم هذه المدرسة ذات السمعة الممتازة 300 تلميذ وتلميذة من أبناء الفقراء والمحتاجين. وتأخذ جاليتنا على عاتقها كل عام دفع مصاريف الدراسة وأجور المدرسين والعاملين في هذه المدرسة.
للطائفة الكاثوليكية الألمانية باع طويل فيما يتعلق بالحوار مع العالم الإسلامي. ما هي قنوات هذا الحوار في مصر؟
يعد تعزيز الحوار مع معتنقي الدينات الأخرى شغلنا الشاغل منذ زمن بعيد. ولقد شجعنا ذلك على إنشاء مركز لحوار الأديان في القاهرة. يعمل في المركز علماء وباحثون ألمان في مجالات العلوم الإسلامية وعلمي اللاهوت الكاثوليكي والبروتستانتي. ويعتبر هذا المركز ملتقى فريدا من نوعه للحوار، فهو يضم من ناحية عدداً لا باس به من علماء الأزهر وأساتذة جامعتي القاهرة وعين شمس، والقائمين على الكنائس القطبية والكاثوليكية والبروتسانتية في مصر من ناحية أخرى. هدف هذا المشروع فهو إقامة الجسور بيننا وبين الآخرين، فنحن كجالية كاثوليكية لا نرغب في أن نكون مجرد جزيرة مسيحية وسط محيط إسلامي، لذا فإننا نتطلع دائماً إلى تشييد جسور الحوار مع أبناء البلد المضيف.
تهتم مؤسسة دويتشه فيلّه الإعلامية برعاية الحوار مع العالم العربي والإسلامي عبر الإذاعة و التلفزيون ومن خلال موقعنا العربي على شبكة الانترنت. هل سبق لكم زيارة موقعنا؟
نعم أزور موقعكم على شبكة الإنترنت كلما تسنح لي الفرصة. وأرى أنه موقع اليكتروني رائع يقدم كل ما هم جديد من قضايا عالمية، كما أنه يشكل بوابة جديدة تفضي إلى طريق الحوار بين الثقافات والأديان المختلفة.
علاء الدين سرحان