الجريمة المنظمة .. خطر "يهدد" الديمقراطية في ألمانيا!
٢١ نوفمبر ٢٠٢٢في الاجتماع السنوي للشرطة الجنائية الاتحادية في ألمانيا، الذي عقد مؤخرا بمدينة فيسبادن، قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إن "ألمانيا واحدة من أكثر دول العالم أمنا". ورغم ذلك فإنها قلقة جدا بشأن الأمن، ويتعلق ذلك بظاهرة عابرة للحدود ومتشابكة دوليا، ألا وهي: الجريمة المنظمة.
الصورة النمطية السائدة هي مافيا الأفلام!
تحدثت وزيرة الداخلية في اجتماع الشرطة الجنائية الاتحادية الذي دام يومين، بإسهاب محذرة من التهوين والاستهانة بخطر هذه الظاهرة في ألمانيا. حيث تخشى فيزر من أن تكون لدى الناس صورة خاطئة عن الجريمة المنظمة، تشكلت من خلال أفلام المافيا، ولكن أيضا من خلال القصص الحقيقية التي يعتقدون أنه يتم الحديث عنها بشكل مشوه.
وكمثال على ذلك، قضية مغني الراب "بوشيدو" (اسمه الأصلي: أنيس الفرشيشي)، الذي يشارك كمدع بالحق المدني، في دعوى لا تزال تنظر فيها المحكمة منذ عام 2020 ضد صديقه السابق في التجارة وزعيم إحدى العشائر، عرفات أبو شاكر. وتحاكم المحكمة في برلين أبو شاكر بتهم عديدة بينها: سلب الحرية ومحاولة الابتزاز الشديد والإكراه والإيذاء الجسدي الخطير والإهانة والخيانة.
الثنائي بوشيدو - أبو شاكر في الإعلام
وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، منزعجة من تقديم وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي للثنائي بوشيدو- أبو شاكر، بشكل يذكر بمسلسل تلفزيوني. وتجد أن ذلك إشكالي لأنه يساهم في إضفاء "رومانسية كاذبة" على الجريمة المنظمة، تتعلق بالحياة الشخصية للمجرمين أكثر من العواقب الخطيرة للجرائم، وتؤكد فيزر محذرة أن "هذا يقلل من شأن الجرائم ويسخر من الضحايا".
وتقول فيزر: تتكون صورة تفيد بأن الجريمة المنظمة تقع في عالم "لا علاقة له بعالمنا أبدا". لكن على المرء أن يكون على علم بأن هذه الجريمة موجودة "هنا عندنا" وهي تشكل خطرا على الديمقراطية. فحين يتعرض ممثلو دولة القانون للتهديد ويتم غسيل أموال غير شرعية، عندها يجب المثابرة في التحرك والتصرف. حيث يتم إيذاء المجتمع بشكل متعمد، و"هذا يزعزع الثقة في دولة القانون وفي أمننا العام والمساواة في المعاملة بين جميع المواطنات والمواطنين"، تضيف فيزر.
تعذيب وقتل "أمام باب بيتنا مباشرة"
الوزيرة تضع في اعتبارها التطورات في بلجيكا وهولندا كأمثلة تحذيرية، حيث لا يتوانى المجرمون حتى عن ارتكاب أعمال قتل وتعذيب، وكمثال على ذلك قتل الصحافي بيتر دي فريز، الذي قضى سنوات في إجراء تحقيقات صحفية في أوساط الجريمة المنظمة.
وتعتقد فيزر أن هذا قد يكون غريبا وبعيدا عن تصور الناس في ألمانيا، "ولكنه يحدث أمام باب بيتنا مباشرة"، تقول فيزر. حيث أن بلجيكا وهولندا تحدّان ألمانيا، وتؤكد فيزر أنه يجب أن نبذل كل ما بوسعنا للحيلولة دون أن يصل الأمر في ألمانيا لما هو في بلجيكا وهولندا.
لدى السلطات الأمنية ما يدعوها للقلق، ويكفي إلقاء نظرة على تقرير الشرطة الجنائية الاتحادية حول الجريمة المنظمة. حيث زادت نسبة التحقيقات بمقدار 17 بالمائة عام 2021 لتصل إلى حوالي 700 تحقيق في قضايا الجريمة المنظمة التي وصلت الخسائر التي سببتها إلى نحو 2,2 مليار يورو. ولكن فيزر ترى في هذا التطور السلبي جانبا إيجابيا أيضا بقولها "إن ارتفاع عدد التحقيقات يشير إلى أن الضغط لم يكن كبيرا على الجريمة المنظمة من قبل كما هو الآن".
خرق احتكار الدولة لاستخدام القوة
يصف رئيس الشرطة الجنائية، هولغر مونش، طريقة عمل المجرمين بأنها "بمنتهى التآمر". إنهم مرتبطون بشبكات مجهولة وغالبا ما يكونون مسلحين. والأموال التي يتم الحصول عليها من الجرائم، يتم استثمارها في جرائم أخرى أو أعمال غير قانونية. "ويكون هناك خطر تقويض احتكار الدولة لاستخدام القوة"، يحذر مونش. وهذا الحجم للجريمة المنظمة تتم ملاحظته الآن في هولندا ويشار إليه على أنه "تقويض".
ولمنع حدوث سيناريو مشابه في ألمانيا، تريد فيزر ومونش تشديد طريقة التعامل. وقد تم تقديم ورقة بعنوان "استراتيجية مكافحة الجريمة الخطيرة والمنظمة" خلال الاجتماع السنوي للشرطة الجنائية الاتحادية، وهناك خطط في هذا السياق.
يجب منع عسيل الأموال
من بين تلك الخطط عدم السماح بالدفع نقدا في المعاملات التجارية التي تتجاوز قيمتها 10 آلاف يورو، وذلك بهدف منع غسيل الأموال التي يتم كسبها بشكل غير شرعي. فالملايين التي يتم جنيها من عمليات الابتزاز وتجارة المخدرات أو الإجبار على الدعارة، يتم غسلها من خلال استثمارات تبدو شرعية نظيفة، كشراء عقارات أو سيارات فارهة غالية أو مجوهرات.
وللتصدي للجريمة المنظمة، ترى وزيرة الداخلية ورئيس الشرطة الجنائية الاتحادية أنه لابد من استخدام الوسيلة المثيرة للجدل منذ سنوات، وهي تخزين عناوين بروتوكولات الانترنت "IP" خلال الاتصالات، فمن خلال ذلك يمكن التعرف على أجهزة الكمبيوتر المحمول والهواتف الذكية وبالتالي التعرف على المشتبه بهم.
تخزين البيانات في أدنى الحدود
تأمل فيزر ومونش في أن يكون لتخزين البيانات تأثير كبير على مكافحة العنف الجنسي ضد الأطفال. لكن محكمة العدل الأوروبية ترى أن هذه الوسيلة، أي تخزين البيانات، مسموح بها فقط ضمن شروط صارمة ومحددة بدقة من أجل مكافحة الجريمة. ويمكن تخزين عناوين الـ "IP" فقط بدون سبب؛ أما تخزين كل البيانات بشكل كامل فهو أمر غير مسموح به.
وكان موضوع مكافحة الجريمة المنظمة مدرجا على جدول أعمال اجتماع وزراء داخلية دول مجموعة السبع (G7)، الذي دعت إليه وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، وعُقد في مدينة "إلتفيل" على نهر الراين، والقريبة من فيسبادن، بين يومي 16 و18 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. وبعد الاجتماع قالت فيزر إنها وزملائها في المجموعة سيعتمدون على قدر أكبر من التعاون في محاربة الجريمة المنظمة والتطرف أيضا.
مارسيل فورستناو/ ع.ج/ص.ش