الجزائر تطرح مبادرة جديدة حول ليبيا.. فهل تنجح هذه المرة؟
٢٠ يوليو ٢٠٢٠تسارعت الأحداث في ليبيا خلال الأسابيع المنصرمة بشكل أثار قلق الأطراف الفاعلة خوفا من تصعيد ميداني بين مصر وتركيا، ما دفع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى اقتراح مبادرة تهدف إلى إيجاد حل للأزمة، يلمح فيها إلى رفض تسليح القبائل وتخوفه من تحول ليبيا إلى "الصومال".
هذه المبادرة جاءت بالتزامن مع "حشد غير مسبوق" لقوات حكومة الوفاق الوطني الليبية في غرب مدينة سرت استعدادا لعملية عسكرية مرتقبة.
لم يعلن تبون عن مضمون المبادرة ولكنه أكد، خلال مقابلة بثها التلفزيون الحكومي، أن اقتراحه يحظى بقبول من الأمم المتحدة، وسيتم تقديمه بالتنسيق مع تونس. وكان في وقت سابق قد التقى الممثلة بالنيابة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، للحديث حول الأزمة وللمطالبة في تعجيل الحل السياسي.
ويحظى ملف الأزمة الليبية باهتمام كبير لدى الحكومة الجزائرية، إذ ذكر تبون في لقائه أن هناك تواصلا مستمرا بين وزير الخارجية التركي ونظيره الجزائري. إلا أن نجاح المبادرة مرهون بالظروف الموضوعية الحالية بين دول الإقليم ومدى تقبلها لهذا الاقتراح.
"فرص نجاح ضئيلة"
تعقيدات الأزمة الليبية في السياق الإقليمي والدولي يجعل من فرص نجاح المبادرة الجزائرية ضعيفا، كما يرى المحلل السياسي حسن المومني في حديثه مع DW عربية، لأن "تحقيق وساطة سلمية ناجحة يحتاج إلى ظروف موضوعية متوفرة، أهمها هو التوافق الدولي والإقليمي". ويضيف الخبير إلى أن هناك لاعبين رئيسيين في الأزمة، هما مصر وتركيا، ولهما دور "أكثر فاعلية من الجزائر"، رغم أهمية الأخيرة في المنطقة.
المبادرة الجزائرية ليست الأولى، إذ قدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل نحو شهرين اقتراحا لحل الأزمة. ومن هنا يرى المومني أن المبادرة قد تكون جهدا دبلوماسيا ربما سيشكل حالة تراكمية مع مبادرات أخرى لإيجاد حل للأزمة في نهاية المطاف، ولكن يبقى هذا رهن "التوافق والاستقرار الدولي والإقليمي".
ولعل اهتمام دول من خارج المنطقة بالأزمة الليبية مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، يدفع الجزائر لإيجاد مساحة خاصة بها لإثبات ذاتها؛ كونها إلى جانب تونس، من أكثر المتأثرين من أي تصعيد قادم. ولكن هذا لا يجعل من مبادرتها أكثر أهمية من غيرها، كما يؤكد المومني "لأن هناك حكومات أخرى أكثر فاعلية في الأزمة مثل موسكو وواشنطن والقاهرة وأنقرة. ما يعني أن هناك حاجة إلى تفاهمات بين هذه الأطراف كخطوة أولى من أجل تأسيس ظروف مناسبة لأي حل مستقبلي".
مصر وتركيا "في انتظار اللعبة الصفرية"
لا شك أن الملف الليبي يعتبر من أهم الملفات السياسية الساخنة الآن لدى دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا. إلا أن الاختلاف في المواقف بينهما قد يمنع المبادرة من تحقيق غايتها، كما يجيب المومني، "إذ لن تلقى تأييد كافة الأطراف المعنية".
هذا الرفض قد يمتد أيضا إلى دول أخرى خارج الاتحاد مثل تركيا ومصر، "هاتان الدولتان لازالتا في طور الحماس، وتديران الصراع انطلاقا من اللعبة الصفرية، ولم تصلا بعد إلى مرحلة العقلانية في معالجة الأزمة"، إذ تشهد المنطقة نوعا من التصعيد الدبلوماسي والعسكري بين أنقرة والقاهرة وداعميهما.
هل يدعم مؤتمر برلين المبادرة؟
إن الاهتمام الأوروبي بالأزمة الليبية كان واضحا من خلال عقد مؤتمر برلين بدعوة من الأمم المتحدة، والذي تم وصفه بـ "أفضل فرصة منذ عام 2011" لإيجاد حل سياسي، ويرى المومني في المؤتمر محطة مهمة يجب البناء عليها. ولكل الأطراف دور مع اختلاف فعاليتها، وعليه فإن المبادرة الجزائرية وما قبلها من المبادرات الأخرى مثل المصرية والأمريكية هي محاولة لإعادة إحياء ما جاء في المؤتمر، "والعودة به إلى مساره الطبيعي" من أجل خلق عملية سياسية يشارك فيها جميع الأطراف.
ولكن من جهة أخرى فإن إعلان الجزائر عن المبادرة هو تعبير صريح عن عدم نجاح دول مؤتمر برلين، كما يرى المحلل السياسي بلال الشوبكي، "فلو رأت الجزائر أن بإمكان دول مؤتمر برلين تقديم الدعم، لما قدمت المبادرة"، مضيفا أن طرح المبادرة الجزائرية تحت مظلة الأمم المتحدة يعزز القول بأن المؤتمر لن يساند المبادرة.
ويرى الشوبكي في حوار مع DW عربية أنّ مؤتمر برلين "لم يراع التباينات السياسية الاقليمية ذات الصلة بليبيا، إذ لم يتم توجيه دعوة إلى الجزائر في مرحلة التخطيط للمؤتمر، فيما دول عربية أخرى مثل مصر والإمارات الداعمة لحفتر كانت حاضرة من البداية، بل إنّ طرفي النزاع الليبي أيضا لم يحضرا المؤتمر في يناير 2020 رغم وجودهما في برلين". فيما مبادرة الرئيس الجزائري وإن كانت غير واضحة المعالم إلا أنّها تقوم على دعوة كل الفاعلين الليبيين إلى حوار مفتوح يقود إلى انتخابات جديدة وبناء دستوري يضمن عدم جر ليبيا إلى مزيد من العنف.
السيسي هدف المبادرة الأول
أبرز ما لوح فيه الرئيس الجزائري خلال إعلانه عن المبادرة هو ضرورة منع تحويل ليبيا إلى "الصومال"، من خلال وقف تسليح القبائل، ولعل ما يقصده تبون في حديثه بالتحديد هو مهرجان القبائل الذي التقى فيه السيسي مجاميع قبلية محسوبة على الجنرال حفتر، وأعلن فيه استعداد الجيش المصري لتدريب "أبناء القبائل عسكريا".
ويؤكد المومني ذلك، بأن هناك نوعا من التنسيق والمحادثات ما بين الجزائر وتركيا، والتقارب بين الطرفين "أكبر بكثير من التقارب بين مصر والجزائر"، رغم أن الأخيرة تطرح نفسها على أنها طرف محايد.
ويشير المومني إلى أنه "ليس متفائلا" بالمبادرة، ولن تقدم أي تطور جديد كونها فقط محاولة للعب دور في المنطقة، على حد تعبيره، فيما يرى الشوبكي في التحرك الجزائري والتونسي تحركا مدفوعا بتخوفات أمنية على الحدود مع ليبيا، أكثر من كونه تحركا للعب دور إقليمي.
مرام سالم