الجزائر ـ أوروبا مرعوبة من احتمال خروج الوضع عن السيطرة
١ مارس ٢٠١٩تتابع العواصم الأوروبية وعلى رأسها برلين بقلق صامت تطورات الوضع في الجزائر بعد الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت في كل أنحاء البلاد ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة رغم مرضه وتقدمه في السن. وحتى فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي تربطها علاقة تاريخية خاصة مع هذا البلد، التزمت حذرا شديدا على أمل أن تبقى تحركات الشارع سلمية حتى لا يتطور الوضع إلى ما لا يحمد عقباه.
أما برلين، فلا تزال تلتزم الصمت إلى حدود كتابة هذه السطور. فهل يرجع ذلك للحذر المعهود للدبلوماسية الألمانية، أم أنها اختارت ترك المبادرة لباريس لخبرتها التاريخية في المنطقة وقدرتها المفترضة على إدارة ملف كهذا على المستوى الثنائي وربما الأوروبي؟ وهذا ما ذهب إليه هلموت ديتريش الباحث في شؤون الجزائر وتونس في مؤسسة هاينرش بول الألمانية القريبة من حزب الخضر في حوار مع DW.
"أكبر كابوس" يواجه ماكرون..
كشفت صحيفة "لونوفيل أوبسرفاتور" استنادا لتصريحات أدلى بها أحد كبار المسؤولين في قصر الإليزيه بداية شهر فبراير / شباط 2019 في ردٍ له عن سؤال حول أهم ملف يقض مضجع الرئيس إيمانويل ماكرون: ضربة أمريكية محتملة ضد إيران، أزمة مالية جديدة أم هجوم إلكتروني روسي ضد فرنسا؟ جواب المسؤول لم يكن لا هذا ولا ذاك: "كابوس رئيس الجمهورية، كما أسلافه هو الجزائر، إن السلطات العليا في الدولة (الفرنسية) قلقة من احتمال زعزعة خطيرة لمستعمرتنا السابقة بعد موت بوتفليقة". هذا يظهر كيف يفكر عقل صناع القرار الفرنسيين ومدى الخوف من تداعيات زعزعة الاستقرار في الجزائر حتى قبل اندلاع الاحتجاجات ضد العهدة الخامسة.
التصريحات الرسمية للمسؤولين الفرنسيين بهذا الشأن نادرة، من بينها ما أكده بنجامان غريفو، المتحدث باسم الحكومة حين أوضح أن "الشعب الجزائري وحده مسؤول عن اختيار قادته وتقرير مصيره بأمن وسلام (...) نتمنى أن تعطي هذه الانتخابات للجزائر الحافز اللازم لمواجهة التحديات وتلبية التطلعات العميقة لشعبها". واستطرد معربا عن أمله في أن تؤدي الانتخابات الرئاسية إلى "تلبية التطلعات العميقة" للشعب الجزائري.
هلموت ديتريش يُرجع القلق الفرنسي لكون "الهجرة الجزائرية في أوروبا تتركز بشكل خاص في فرنسا، عكس الهجرة المغربية والتونسية الموزعة بين إيطاليا واسبانيا وبلدان أوروبية أخرى بما فيها فرنسا وألمانيا". سبب الحذر الفرنسي يعود أيضا لحساسية العلاقة التاريخية مع الجزائر، فأي مطالب قد ترفعها باريس قد يضعها في مرمى اتهامات بالتدخل في شؤون الغير. وإذا ما صمتت ستُتهم بدعم النظام القائم. وبالتالي فإن الحذر، رسميا على الأقل، هو سيد الموقف في باريس.
وماذا عن برلين؟
ترتبط ألمانيا بعلاقات تجارية واقتصادية متنوعة مع الجزائر، إذ يعتبر أكبر اقتصاد في أوروبا، ثالث شريك تجاري للجزائر بعد الصين وفرنسا بحجم مبادلات يصل إلى أربع مليارات يورو سنويا. وتعتبر الجزائر من المستوردتين الرئيسيين للأسلحة الألمانية، (1.36 مليار يورو عام 2017). وبهذا الصدد أوضح ديتريش أن "العلاقات الألمانية الجزائرية كما تدل على ذلك الزيارات المتكررة للمستشارة ميركل لهذا البلد، تطغى عليها صادرات الأسلحة. وهذا معناه أن برلين راهنت على بقاء العسكر الجزائري في الحكم على المدى الطويل".
وحذر الخبير الألماني من الجمود وطول انتظار الدبلوماسية الأوروبية، فكلما استمر دعم نظام متهالك، كلما تعاظمت الأخطار المحدقة بالمستقبل. واستطرد موضحا أن دعم النظام يشبه "محاولة إحداث اختراق في طريق مسدود، فحفر بعض الأمتار لا يعني إمكانية إيجاد مخرج أبدا". أوروبا تعاونت مع الكثير من الحكام المستبدين في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، واعتقدت لفترة ما أن الوضع الحقوقي والسياسي سيتغير بعد "الربيع العربي" في المنطقة لجهة مزيد من الحرية والديموقراطية. غير أن أولويات السياسة الخارجية لأوروبا تغيرت بعد المد الشعبوي وأزمات الإرهاب واللاجئين وبات الخوف من زعزعة الاستقرار الأنظمة القائمة كابوسا حقيقيا في العواصم الأوروبية. ديتريش يرى أن "زعزعة الاستقرار، ليس تعبيرا دقيقا (..) أُفضل القول بأن هناك شبابا يحلمون ببلد مغاير وبمستقبل مختلف. الشباب يعانون من بطش نخب حاكمة يطغى عليها الطابع العسكر".
ولكن ما ذا يمكن لألمانيا أن تفعله؟ كشفت نتائج استطلاع أجراه معهد "إيمار لقياس الاتجاهات في إفريقيا" أن 45 بالمئة من النخب الصانعة للقرار في ثمانية بلدان منها المغرب وتونس والجزائر يثقون في ألمانيا كدولة لديها أفضل صورة في المنطقة متقدمة في ذلك على فرنسا القوة الاستعمارية السابقة. وفي هذا السياق، دعا ديتريش برلين لعدم اختزال الدول المغاربية كمصدر للهجرة وهوس تصنيفها كـ"دول آمنة"، مؤكدا أن حاجة المنطقة لمشروع مارشال ترعاه ألمانيا ولما أوروبا يفتح باب الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وأيضا يدعم المشاركة السياسية لشباب المنطقة.