الجزائر وفرنسا .. تاريخ استعماري ومطبات دبلوماسية
٣ يونيو ٢٠٢٣كان من المقرر أن يزور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فرنسا في مطلع أيار مايو/ الماضي، ثم جرى الحديث عن أن الزيارة الرسمية ستجري في منتصف يونيو/ حزيران. وعندنا يصل الرئيس الجزائري إلى فرنسا فمن المرجح أنه سيناقش مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مجموعة من القضايا الصعبة. فهناك العديد من الأسئلة التي لم تجد إجابات بعد حول طبيعة العلاقة بين البلدين ، سواء تجاه قضايا تتعلق بالماضي أو الحاضر.
كانت آخر أزمة بين البلدين نجد سبيلها للحل، في شهر شباط/ فبراير، عندما تمكنت الناشطة الجزائرية - الفرنسية أميرة بوراوي بمساعدة السلطات الفرنسية الهرب من الجزائر عن طريق تونس وأفلتت بذلك من عقوبة كانت محتملة بالسجن. قضية بوراوي إحدى الموضوعات الحساسة بالنسبة للدولة الجزائرية، في عام 2014، أسست بوراوي حركة "باراكات" (كفى) احتجاجا على التعديل الدستوري الرابع الذي تقدم به الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة. وعندما قرر بوتفليقة الترشح لفترة ولاية جديدة، ساهمت بوراوي في إطلاق حركة احتجاجية جديدة تحمل اسم "المواطنية". وتسبب نشاطها في عدم ترشح بوتفليقة لفترة ولاية جديدة. وفي عام 2021، حكم عليها بالسجن لمدة عامين، ولكن بفضل عفو صدر، تم الإفراج عنها بعد شهرين فقط.
واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا احتجاجا على هروبها إلى فرنسا، كما قررت الحكومة الجزائرية عدم إصدار تصاريح مرور قنصلية لصالح فرنسا بعد ذلك. وهي تصاريح ضرورية لترحيل "المهاجرين غير القانونيين" الذين تريد فرنسا إبعادهم.
"لا ينقص البلدين قضايا حسّاسة"
في نهاية آذار/ مارس، أجرى ماكرون وتبون مكالمة هاتفية. وأعربا عن رغبتهما في "تجنب سوء فهم مؤسف". وفي نهاية نفس الشهر، استأنف السفير الجزائري مهامه الرسمية في باريس. ولكن حتى بعد قضية بوراوي، تبقى العلاقة بين البلدين صعبة، إذ كتب الموقع الإخباري الجزائري TSA في آذار/ مارس الماضي: "لا ينقص البلدين المواضيع الحسّاسة". وعلى سبيل المثال، كتبت شخصيات فكرية فرنسية بارزة مؤخرا رسالة احتجاج مفتوحة إلى الرئيس الجزائري، للمطالبة بالإفراج عن الصحفي الجزائري إحسان القاضي المسجون في الجزائر. ويطالب البرلمان الأوروبي أيضا بإطلاق سراحه. وكما يبدو، فإن ماكرون لن يتمكن من تجاهل هذا الموضوع خلال لقائه مع تبون.
تاريخ فرنسا الاستعماري..قضية مزمنة
واحدة من المسائل المعقدة بين البلدين هي قضية مخلفات الاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي امتد من عام 1830 حتى عام 1962. في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، قبل الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر، قال ماكرون إن الجزائر قد شيدت نظاما مبنيا على "ريع الذاكرة" بعد الاستقلال. وقصد بهذا أن الجزائر تستغل الدًّين التاريخي الذي فرضته فرنسا بسبب حكمها الاستعماري بصورة مستمرة من أجل مصالحها الحالية. وكان من بين الاتهامات الأخرى: أن الجزائر تتعامل مع التاريخ الاستعماري على أنه "خطاب" يستند إلى الكراهية تجاه فرنسا. وردت الجزائر بشكل حازم، شبيه بتلك الإجراءات التي اتخذتها في قضية الناشطة بوراوي، إذ سحبت سفيرها لعدة أشهر. وعلاوة على ذلك، رفضت منح حق الطيران للطائرات العسكرية الفرنسية في الأجواء الجزائرية.
رغم ذلك، يرى الباحث في العلوم السياسية زين العابدين غبولي من مؤسسة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أنه على الرغم من كل الخلافات والاستياء، فإن تسوية الماضي الاستعماري ضرورية. وقد لاحظ أن الجيل الشاب من الجزائريين يحثون على التعامل مع الاستعمار وآثاره، بشكل يأخذ بعين الاعتبار أيضا وجهة نظر الجزائريين.
وقال غبولي لـDW: "قد يؤدي ذلك إلى بعض التوترات. ولكن من وجهة نظر الجزائر، فإنه عملية ضرورية ستؤدي في النهاية إلى علاقة أفضل مع فرنسا". وفي هذا السياق، تسعى فرنسا على الأقل لاتخاذ إجراءات رمزية: فقد سلمت الجزائر في عام 2020 جزءََا من رفات ضحايا الاستعمار الفرنسي.
وثمة موضوع داخلي مهم لفرنسا، هو إعلان باريس في مايو/ أيار الماضي عزمها القيام بالمزيد لصالح "الحركيين" وعائلاتهم وأحفادهم في المستقبل، وتعويضهم ماديا بشكل أفضل. ويشير هذا المصطلح إلى حوالي 200 ألف من الجزائريين الذين كانوا قد قاتلوا إلى جانب فرنسا في حرب الاستقلال. وكان العديد منهم قد تركوا لمصيرهم بعد انتهاء الحرب وتعرضوا للمذابح من قبل السلطة الجديدة في الجزائر، في حين تم وضع البعض الآخر في معسكرات احتجاز فرنسية بعد نجاحهم في الهروب. وقد طلب ماكرون بالفعل اعتذارا عام 2021 عن هذه الأحداث بشكل علني.
تحدي الهجرة
العلاقات الثنائية أصبحت متوترة أيضا بسبب خفض فرنسا في أيلول/ سبتمبر 2021 عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين بنسبة النصف. وفي ذلك الوقت، أوضحت باريس أنها تتعامل مع رفض الدول المغاربية استعادة مواطنيها الذين رفضت فرنسا بقاءهم على أراضيها. ولكن في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، عادت الحكومة في باريس ورفعت هذه القيود. فيما التزمت الجزائر بالحد من الهجرة غير القانونية بشكل أوسع.
غير أن مثل هذا التعاون يبقى مؤقتا، فعلى الرغم من أن كلا البلدين مهتم بشكل عام بالتوصل إلى تسوية متفق عليها في مجال الهجرة، وفقا للباحث غبولي، "إلا أن كل مرة تنزلق فيها العلاقات بين البلدين إلى مرحلة متوترة، يؤثر ذلك أيضا على التعامل مع الهجرة". ويضيف بالقول: "الضحايا الحقيقيون لهذا الخلاف هم المهاجرون أنفسهم، إذ يمكن حل هذه المشكلة فقط عندما يتعاون البلدان."
مصالح متبادلة
على الرغم من كل الصعوبات، تشترك فرنسا مع الجزائر بمصالح مشتركة. فهما يسعيان معا لمحاربة التطرف الإسلامي (الجهادي) في منطقة الساحل. فبعد سحب فرنسا في آب/ أغسطس من العام الماضي لآخر جنود بعثتها العسكرية في عملية "بارخان" في منطقة الساحل الأفريقي، يخشي كلا البلدين انتشار "الإرهاب الإسلامي" في المنطقة. في الوقت نفسه، تنظر فرنسا بالإضافة إلى الدول الأوروبية الأخرى إلى الجزائر بوصفها موردا محتملاً للطاقة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. فالجزائر واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم. إذ يقدر الخبراء كمية احتياط الغاز بأكثر من أربعة تريليون متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي البلد على احتياطي نفطي يبلغ 1.5 مليار طن. ومع ذلك، يسبب تدهور البنية التحتية التقنية لقطاع الطاقة الجزائري مشكلة كبيرة.
تحديات العلاقة
على الرغم من أن الجزائر وفرنسا قد تكونان مهتمتين بالتسوية وتعزيز علاقتهما، إلا أن رعاية العلاقة تواجه العديد من التحديات المعقدة، بحسب افتتاحية صحيفة "لوموند" الفرنسية قبل عام. على سبيل المثال، ترى الصحيفة أن: "الخصم الدائم للجزائر، المغرب، يخشى من أن يهدد التقارب بين فرنسا والجزائر مطالبه بالصحراء الغربية. وقد يستخدم المغرب الهجرة كوسيلة للضغط ويقلل بشكل ملحوظ من جهوده في مراقبة الحدود لحماية مصالحه". كما يمكن أن يكون لروسيا، الشريك المهم وأحد أكبر موردي الأسلحة للجزائر، دور في تعقيد الأمور. قد لا يكون من مصلحة موسكو أن ترى الجزائر تتعاون بشكل أوثق مع دولة أوروبية رائدة تدعم حكومة كييف في حرب أوكرانيا، بحسب الصحيفة.
الكثير يعتمد الآن على زيارة الرئيس الجزائري تبون إلى فرنسا، كما يعتقد خبير الشؤون الجزائرية غبولي حيث يشير بالقول: "ستؤثر الزيارة بشكل كبير على العلاقات المستقبلية". ويختم: "يمكن أن تعزز الزيارة التعاون بين البلدين. ولكن إذا سارت الأمور في اتجاه سيء، فقد تصبح العلاقات أكثر توترا مما هي عليه الآن."
كيرستين كنيب/ ع.خ