" الجولان سورية وستبقى سورية"
ما أجمل الفتاة الجولانية منى في فستان عرسها الأبيض وهي تعبر الحدود الإسرائيلية السورية على بوابة مدينة القنيطرة المحتلة في طريقها إلى زوجها الدمشقي طلال، نجم المسلسلات التلفزيونية. هذه هي باختصار القصة الرئيسية لفيلم "العروس السورية" الذي حصل لغاية الآن على جائزة مزدوجة في مهرجان مونتريال السينمائي العالمي ولاقى منذ يوم عرضه الأول في دور السينما الألمانية استحسان جميع نقاد السينما الجادة واكتظت صالات عرضه بعشاق السينما والمهتمين بالصراع في الشرق الأوسط ولو من جانب الفضول. صحيح أن الفيلم الألماني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي المشترك لا يحمل رسالة سياسية صريحة ولا يتبنى موقفا سياسيا واضحا، ولكنه يُعتبر مسرحا لتشابك خطوط الحياة وتناقضاتها وشخصياتها وصراعاتها المختلفة، وعملا فنيا رائعا يغوص فيه المخرج الإسرائيلي عيران ريكليس بأسلوب هزلي تتناغم فيه مشاعر التفاؤل والتشاؤم في تفاصيل حياة الأقلية الدرزية في بلدة مجدل شمس المحتلة، ورسالة شجب مبطنة للاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان وبيروقراطيته.
صبغة سياسية
ولكن كيف يمكن تصوير فيلم أخرجه إسرائيلي ومثله فلسطينيون وتدور أحداثه في منطقة محتلة دون إثارة اهتمامات المشاهدين السياسية ولفت النظر إلى خلفيات الوضع الغريب الذي يعيشه سكان قرى الجولان. نعم، الفيلم فيه نفحة سياسية يغامر من خلالها المخرج الإسرائيلي عيران ريكليس ويخرج عن المألوف. إذ أن يوم زفاف منى ( الفلسطينية كلارا خوري بطلة فيلم عرس رنا للمخرج هاني أبو أسعد) يصادف يوم تنصيب بشار الأسد رئيسا لسوريا. وهنا يأخذ الفيلم طابعا سياسيا عندما يهتف والد العروس حاتم (إياد شيتي): أسد ابن أسد. ولا يتوقف ريكليس عند هذا الحد، فالمظاهرة التي ترافق حفلة الزفاف حملت في طياتها أيضا رسالة سياسية: هتاف المشاركين في المظاهرة: "وحدة وحدة وطنية، الجولان سورية". هذه المشاهد الجانبية التي تخللت الفيلم وأضفت عليه صبغة سياسية هي، بغض النظر عن اختلاف رؤى النقاد السينمائيين لها، رسالة واضحة عن ولاء سكان قرى الجولان لسوريا وأكبر مثال على تشبثهم وتعلقهم ببلدهم.
No Man’s Land
إذاً تواصلت مراسيم حفلة الزفاف ووصلت العروس وأهلها إلى نقطة العبور في القنيطرة وهنا تبدأ القصة الحقيقية للفيلم. ففي حين يصر الضابط الإسرائيلي على دمغ وثيقة سفر العروس بختم إسرائيلي سيعني مغادرتها الأراضي الإسرائيلية دون رجعة، إي فقدان أهلها وذويها إلى الأبد، يصر الضابط السوري على عدم السماح لها بدخول الأراضي السورية بسبب الختم الإسرائيلي، قائلا:" الجولان سورية وستبقى سورية. إنها مواطنة سورية، تسافر من سوريا إلى سوريا." وهنا تبدأ قصة ضياع منى ولا يسمح لها، لا بمواصلة مشوارها إلى زوجها في دمشق ولا العودة إلى أهلها في مجدل شمس. وهنا يكشف المخرج عن عورة الاحتلال وبيروقراطيته بغض النظر عن شكله وموطنه وعن هوية من يئن تحت وطئته. وهنا يتعرض الفيلم بطريقة ساخرة ولاذعة لعذاب الناس على نقاط التفتيش أينما كانوا، ليس فقط في الجولان أو في مناطق أخرى تحيط بالدولة العبرية، بل في مناطق لا تعد ولا تحصى في جميع أرجاء العالم. فيلم "العروس السورية" هو رسالة شجب ذكية ومبطنة للحدود التي تفرق الناس وتحرمهم من أحبائهم وذويهم.
حقائق ومعلومات:
الفيلم: "الخطيبة السورية"
الطول: 96 دقيقة
المخرج: عيران ريكليس
سيناريو: سهى عرّار وعيران ريكليس
كاميرا: ميشائيل فيسفيك
موسيقى: شيريل مورين
الممثلون: كلارا خوري، هيام عباس، مكرم خوري، إياد شيتي، إيفيلين أبلون