الجيش يصعد ضد الحراك..فهل ينال التضييق من ثورة الجزائريين؟
٢٠ سبتمبر ٢٠١٩خطوة جديدة من شأنها تصعيد الأزمة السياسية التي تتخبط فيها الجزائر منذ شهور فقد أصدر قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح أوامر بمنع دخول الحافلات التي تنقل المتظاهرين من خارج العاصمة الجزائرية إليها كل جمعة للتظاهر. أوامر قايد صالح تأتي بعد أيام من إعلان الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح موعد الانتخابات الرئاسية والتي يفترض أن تجرى في الثاني عشر من ديسمبر كانون الأول المقبل. هذا كله في ظل استمرار الاعتقالات في صفوف نشطاء من الحراك.
فهل تكون هذه الإجراءات بداية إحكام الجيش الجزائري قبضته على المشهد السياسي، وهل يصل الأمر إلى قمع ثورة الجزائريين؟
شعارات مناهضة لقائد الجيش!
جمعة اليوم كان يفترض أن تحمل جواب وتفاعل الشارع مع تحديد موعد إجراء الانتخابات وقرار منع المتظاهرين القادمين من خارج العاصمة من الانضمام إلى المظاهرات، وقد جاء ذلك في بعض شعارات المتظاهرين الرافضة للانتخابات وذهبت بعضها إلى مطالبة السلطة بتنظيمها في الإمارات، في إشارة إلى ما يروج عن التحالف بين قائد أركان الجيش ودولة الإمارات، وبدا من خلال مظاهرات اليوم أن الشرخ بين الشارع قيادة الجيش يتسع أكثر فأكثر فقد انتقلت الشعارات من "الشعب الجيش خاوا خاوا" للتأكيد على ضرورة الوحدة بين الشعب والجيش إلى شعار "الجنرالات إلى المزبلة ولتستقل الجزائر" وشعار "الشعب يريد إسقاط قايد صالح".
ورغم الاعتقالات ومنع انضمام المتظاهرين من خارج العاصمة بحيث فُرضت مراقبة صارمة على مداخل المدينة، خرج مئات آلاف الجزائريين اليوم في الجمعة 31 من عمر الحراك وحمل بعضهم شعارات من قبيل: "فكوا الحصار على العاصمة" وجينا حراقة للعاصمة" أي "دخلنا العاصمة بطريقة غير شرعية".
وعن الهدف من منع المتظاهرين من خارج الجزائر من الانضمام إلى مظاهرات الجمعة يقول محمد بشوش أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي الجزائري إن الهدف هو خفض عدد المتظاهرين على أمل تنظيم الانتخابات دون مظاهرات، وقد يتحقق ذلك نظريا (خفض عدد المتظاهرين) مع عدم تمكن سكان الولايات القريبة من العاصمة من دخولها ولكن ما لا يؤخذ بعين الاعتبار هنا هو أن هناك من سكان العاصمة من يساند الحراك ولكنه لا يخرج على اعتبار أن الأعداد التي تخرج كبيرة والحراك يؤدي واجبه، أما الآن ومع هذه الإجراءات وشعور الناس بأن السلطة تحاول إخماد الحراك سيخرج سكان العاصمة بكثافة.
خرق دستوري
وبالفعل انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات من رواد ونشطاء جزائريين إلى سكان العاصمة بأن يخرجوا بكثافة ليعوضوا النقص الذي قد يطرأ على أعداد المتظاهرين جراء القرار. بينما انشغل آخرون بالسخرية من القرار ووصفه آخرون بأنه خارق للدستور الذي يكفل للمواطنين حرية التنقل.
وبعد يوم واحد من القرار المثير للجدل، اعتُقل الناشط فضيل بومالة وهو الآن رهن التوقيف الاحتياطي بتهمة "المساس بالوحدة الوطنية" وسط حملة جديدة لاعتقال نشطاء معارضين أسفرت عن توقيف نشطاء بارزين من الحراك. وعن أسباب هذه الاعتقالات ودلالاتها يقول بشوش إنها تدل أولا على حالة الارتباك التي تعيشها السلطة وعلى أنها "لم تغير بعد نظرتها للشعب ومازالت تنظر إليه كمصدر تهديد وليس كمصدر شرعية بالإضافة إلى أنها تريد تمرير الانتخابات حتى ولو أدى ذلك إلى مخالفات وانتهاكات للحريات".
لكن الشارع يرفض أن تنظم الانتخابات قبل تحقيق شروط وضمانات وعبر عن ذلك مرارا في المظاهرات الضخمة التي تعرفها العاصمة كل جمعة. أهم هذه الضمانات كما يقول بشوش في حديث لdw عربية "إجراءات تهدئة تتضمن إطلاق سراح معتقلي الرأي وتوقيف حملات الاعتقال وفتح المجال الإعلامي لمختلف الآراء بالإضافة إلى انسحاب المؤسسة العسكرية من السيطرة على المشهد السياسي".
هل اقتربت الجزائر أكثر من السيناريو المصري؟
وسبق أن حُدد الرابع من يوليو تموز الماضي موعدا للانتخابات الرئاسية واختيار خليفة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلا أن الموعد ألغي بسبب عدم تقدم أي مرشح، واستمرت مظاهرات الجزائريين ومطالبهم بتنحي كل رموز النظام ورفض أي انتخابات تنظم تحت إشرافهم. وفي هذا السياق يقول بشوش إن "الشارع لا يرفض إجراء الانتخابات ولكن يرفض الطريقة التي يريدون تنظيمها بها بداية من هشاشة لجنة الحوار إلى الصدمة التي خلفتها عملية اختيار أعضاء السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات إذ ضمت شخصيات لا تحظى بالحد الأدنى من القبول ولا إجماع عليها". وأمام كل هذا لا يرى بشوش خيارا آخر سوى مواصلة النضال حتى يؤكد الشعب لمن هم في السلطة الفعلية أنه لا يمكن فرض تنظيم انتخابات رغم عن إرادته.
وفي حال تنظيم الانتخابات رغم كل هذا يقول الخبير الجزائري إن الأمر سيكون محرجا لأي مرشح يتقدم خاصة أن معظم السياسيين وحتى السلطة نفسها لطالما أشادت بالحراك واعتبره الجميع منعطفا تاريخيا في الحياة السياسية الجزائرية، فكيف يشاركون إذن في انتخابات يرفضها الحراك؟
وفي ظل كل هذا ومع تنامي تدخل المؤسسة العسكرية في الحراك، يعيد السؤال الذي طرح مع بداية الحراك طرح نفسه، هل يتكرر السيناريو المصري في الجزائر؟ يرى بشوش أنه حتى الآن "نحن بعيدون عن السيناريو المصري من حيث تدخل الجيش بالشكل العنيف والدموي. بالمقابل بدأ يتضح يوما بعد يوم أن مؤسسة الجيش باتت تلجأ إلى طرق قد نسميها ناعمة مقارنة مع ما يحدث في مصر لكنها تؤدي في نهاية الأمر إلى تمرير أمور لا تعبر فعلا عن إرادة الشعب وبالتالي فوجه التشابه بين الحالتين إن تمت الانتخابات فعلا، سيكون في نقطة مهمة وهي أن الجيش هو الذي يسيطر على الساحة السياسية وإن اختلفت الأدوات".
سهام أشطو