الحرب في اليمن تحرم الآلاف من المساعدات الألمانية
٧ يناير ٢٠١٦في الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء 15ابريل/ نيسان 2010 كان للطفل عبدالله حمود ثابت موعد للسفر بالطائرة من صنعاء إلى العاصمة الألمانية برلين لإجراء عملية جراحية معقده في الدماغ، برعاية بعثة طبية ألمانية عاملة في اليمن.
الطفل عبدالله هو واحد من بين آلاف المواطنين اليمنيين المستفيدين من برامج المساعدات الطبية السنوية التي تقوم بها البعثة الطبية الألمانية في اليمن والتي أجبرتها الأوضاع الأمنية الأخيرة على وقف مساعداتها ومغادرة اليمن، وفقاً للمنسق الطبي للبعثة سامي الحسامي.
في حديث لموقع DWعربية يقول السيد حمود ثابت، والد الطفل عبدالله إن تواجد البعثة الطبية الألمانية في اليمن مثل له آنذاك فرصة جيدة لعرض طفله على خبراء طبيين في البعثة، وهو ما تقرر على إثره نقل عبدالله إلى ألمانيا وإخضاعه لعملية جراحية معقدة في إحدى المستشفيات الألمانية لاستئصال ورم سرطاني خبيث، كان يتواجد في دماغه، حيث تم علاجه، وهو حالياً في صحة جيدة.
آلاف اليمنيين محرومون من المساعدات الألمانية
لم تكن فرصة الطفل اليمني مهند مراد، والذي يعاني من تشوهات خِلقية في الشرايين التاجية، مثل فرصة الطفل عبدالله: فالحرب المشتعلة في اليمن أوقفت برامج المساعدات الألمانية وعطلت اجراءات سفره وسفر مئات الأشخاص اليمنيين الذين هم في حاجة لمثل هذه البرامج في المساعدات الطبية.
سامي الحسامي منسق البعثة الطبية الألمانية في اليمن يقول في حديث لموقع DWعربية إن البعثة علقت أعمالها في اليمن لأسباب تتعلق بظروف الحرب ولديها خطة للعودة إلى اليمن في يناير الجاري، غير أن الوضع السيئ لن يسمح للبعثة بالعودة، كما يعبر سامي عن اعتقاده.
وتعد برامج الرعاية الطبية الالمانية في اليمن من أقوى البرامج الخيرية التي تقدمها دولة أجنبية للشعب اليمني، فالزيارات المتكررة التي تقوم بها البعثة الطبية الألمانية لليمن والتي تصل إلى ثلاث زيارات كل سنة، يتم فيها إجراء ما يقرب من 1000عملية نوعية باهظة التكاليف، مثل جراحة المخ والأعصاب والتشوهات الخلقية، فضلاً عن استفادة حوالي 5000 حالة من المساعدات العلاجية خلال فترة الزيارة السنوية للبعثة، وفقاً لتصريحات الحسامي.
الدكتور نشوان الشرعبي مسؤول الشؤون الإدارية بمستشفى الثورة في تعز، مكان إقامة البعثة، يصرح في حديث لموقعDWعربية :"في أحلك الظروف ظلت البعثة الطبية الألمانية تحاول مساعدة المحتاجين للرعاية الصحية من بين الفئات الأشد فقراً وتكفلت برعاية آلاف الحالات، فقدمت العون الطبي للكثير منهم في حين قامت بنقل مئات اليمنيين المرضى إلى ألمانيا ممن يصعب اخضاعهم لعمليات جراحية كبرى وخطرة باليمن من خلفية ضعف التجهيزات الصحية فيها ". ويواصل "نحن ممتنون للشعب الألماني الطيب الذي يقف إلى جانبنا ويقدم لنا العون والمساعدة دون أية أهداف سياسية".
وفيما يتعلق بالاتهامات التي وجهت الى إدارة مستشفى الثورة في تعز بعرقلة عمل البعثة ومضايقة طاقم البعثة من قبل مسؤولين قال الدكتور نشوان: " صحيح أن البعثة الطبية الالمانية في تعز كانت تواجهها معوقات كثيرة لكن طاقم البعثة كان يصر على الاستمرار في مساعدة المحتاجين للرعاية الصحية، غير أن الظروف الأمنية كانت حاسمة في إجبار البعثة على مغادرة اليمن".
نصيب المساعدات الألمانية في التنمية
"برامج التنمية التي نفذتها مؤسسات التنمية الألمانية العاملة في اليمن كانت رائدة بكل المقاييس" كما يقول أمين عام شبكة النماء اليمنية التي يندرج في إطارها ما يقرب من 440 منظمة .
ويتابع أمين عام شبكة النماء فؤاد سعيد في حديث لموقع DWعربية: "إن المؤسسات الألمانية المانحة كوكالة التنمية الالمانية (G I Z) ومنظمة فريدريش، لعبت دوراً حيوياً في إحداث تنمية مستدامة في اليمن خلال السنوات العشر الماضية. ويستدرك قائلاً:" نأسف لتعطل بعض برامج هذه المؤسسات، فهذا حقاً خسارة كبيرة، وما نأمله هو أن تضع هذه المنظمات خطط بديلة لتفعيل نشاطها في ظل ظروف الحرب".
في حين يعتبر مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في تصريح صحافي لموقع DWعربية أن تعليق بعض المنظمات الألمانية لمشاريعها في اليمن يعكس الوضع الذي يعيشه اليمن جراء الحرب، وأن ذلك يتجلى في الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد اليمني من خلال حرمه من المنح والقروض والمساعدات الدولية التي تقدر بسبعة مليارات دولار، كانت الدول المانحة قد التزمت بتقديمها لليمن عقب ثورة 2011.
دور ألماني ريادي في إنقاذ المآثر
كانت للبرامج الألمانية في مجال التنمية الثقافية في اليمن أهمية خاصة، حيث لعبت المؤسسات الألمانية المانحة دوراً ريادياً بامتياز في هذا المجال على مدى ثلاثة عقود. وكان المشروع اليمني الألماني "التنمية الاقتصادية للمدن التاريخية في اليمن" والذي حاز عام 2014 على الجائزة التقديرية "أغا خان للعمارة الإسلامية"، والتي تعد واحدة من أهم الجوائز العالمية في مجال العمارة، شاهداً حياً على ريادة المشاريع الألمانية في اليمن، من بين عشرات المشاريع الأثرية التي تقوم البعثات الأثرية الأجنبية المختلفة بتحقيقها في اليمن.
الاكتشافات الأثرية التي حققتها البعثة الألمانية طوال فترة عملها في اليمن كانت، بحسب أشهر خبراء الأثار اليمنيين، اكتشافات أثرية هامة، حيث من الممكن أن تساهم في إعادة كتابة تاريخ جنوب الجزيرة العربية. ويعد اكتشاف البعثة الأثرية الالمانية لمعبد الإله المقه (إله القمر عند السبئيين) ـ والذي يعود إلى عصر مملكة سبأ، التي حكمت اليمن خلال القرنين السابع والثامن قبل الميلادـ من أهم الاكتشافات الأثرية في اليمن .
وبصرف النظر عن الاكتشافات الأثرية الكثيرة في اليمن، فإن الإهمال والحروب والصراعات التي شهدتها البلاد خلال العقدين الأخيرين، ساهمت في تدمير المعالم الأثرية بشكل واسع، كما تسببت في توقيف عدد من مشاريع الترميم الأثرية والمهددة بالاندثار.
وفي هذا السياق يشير تقرير صادر عن الهيئة العامة للأثار اليمنية، فرع حضرموت أن 110 من المباني الأثرية الطينية بمدينة شبام التاريخية في محافظة حضرموت، والتي سجلتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الانساني العالمي، مهددة بالسقوط ، بعد توقف مشروع الترميم المدعوم من طرف وكالة التنمية والتعاون الدولي الألمانية GIZ ، حسب توضيح لمدير الوحدة التنفيذية للمشروع، عوض با بلغوم.
يشار إلى أن هناك العديد من المؤسسات الألمانية الناشطة في اليمن مثل المؤسسة الألمانية للتنمية (DED) ومركز الهجرة الدولية (CIM) ومؤسسة كبار الخبراء (SES) والمؤسسة الألمانية للتنمية الدولية (DSE) ومؤسسة كارل دويسبورج (CDG) ومؤسسة فريدرش ايبرت (FES).