الحرية والإسلام تحت مجهر عربي ـ ألماني: تناقض وهمي أم توافق واقعي؟
١١ أكتوبر ٢٠٠٦في إطار جهود المؤسسات الألمانية الحثيثة، الحكومية وغير الحكومية، الهادفة إلى تعزيز الحوار ودعم سبل التواصل والتبادل الفكري والثقافي بين أوروبا والعالم الإسلامي، نظمت مؤسسة فريدريش ناومان، التي تعني بدعم قيم الحرية والليبرالية في ألمانيا وشتى أنحاء العالم، مؤتمراً دولياً شاركت فيه نخبة من المفكرين والباحثين من ألمانيا والعالم الإسلامي.
وتحت عنوان "الحرية والإسلام ـ تناقض؟ مفهوم الحرية بين العالم الإسلامي والعالم الغربي"، ناقش أكثر من عشرين محاضراً من شمال إفريقيا، والشرق الأوسط، وتركيا، وألمانيا، وبريطانيا خلال يومين ماهية التناقض بين المفاهيم الإسلامية اللاهوتية ومفهوم الحرية المعاصرة وحقوق المواطن المدنية بصفتها الركيزة الأولى للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية. كما وضع المشاركون جملة العوائق العملية التي تحول دون تطوير وتطبيق مفاهيم الحرية والديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي تحت المجهر.
"مطلوب حوار بناء متكافئ"
في كلمته الافتتاحية أشار السيد هانز غونتر غوندكه، المكلف من قبل الحكومة الألمانية برعاية شؤون الحوار مع العالم الإسلامي، إلى "وجود انطباع عام في الوقت الراهن بأن الإسلام يلاحق قيم الحرية والتنوير، علاوة على أن ممارسة حقوق المواطن الأساسية، دون مراعاة للتقاليد الإسلامية، تعتبر بمثابة هجمة على العالم الإسلامي، وهو ما يمكن اعتباره رد فعل جماعي للسجال حامي الوطيس في العالم الإسلامي حول إمكانيات الموافقة بين القيم الإسلامية وإملاءات الحداثة والعولمة".
كما أكد في كلمته الموجزة على أن "الحرية في العالم العربي جزء لا يتجزأ من الواقع العربي، فهى تنبثق من طموحات المواطن العربي الطبيعية وسعيه إلى حياة كريمة، وهو ما أكده التقرير الاممي الأخير عن التنمية البشرية في العالم العربي بشكل لا لبس فيه". وحول واجب العالم الغربي خلال محاولاته لتأطير حوار بناء مع نظيره الإسلامي شدد مكلف الخارجية الألمانية على ضرورة "تفعيل حوار شرقي ـ غربي يتميز بالتكافؤ والاحترام المتبادل ويخلو من النزعة الفوقية، لأن الحرية قيمة كونية يجب الدفاع عنها في كل مكان وزمان".
"شيطان نعرفه خير من شيطان مجهول"
أما البروفيسور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية فتحدث في مداخلته الملفتة للانتباه عن الحرية من منظور عملي باعتبارها وجها آخر للمشاركة الديمقراطية. كما شدد على أن العائق الأكبر أمام ترسيخ مبادئ الحرية ودعم عجلة التحول الديمقراطي "لا يتمثل في الحركات الإسلامية، التي توظفها الأنظمة العربية السلطوية مثل نظام مبارك وبن على والأسد كأداة لتخويف العالم الغربي من خطر الأصولية الإسلامية، بل يتمثل في المقام الأول في هذه الأنظمة بعينها. "فالقوي الديمقراطية العلمانية تخضع للإقامة الجبرية". ومن منطلق تجربته في السجن مع نشطاء الحركات الإسلامية أشار سعد الدين إبراهيم إلى أن "الإسلاميين ينقسمون اليوم إلى عدة أقسام، فمهم من يرفض الديمقراطية والليبرالية أصلا مثل بن لادن وأتباعه، ومنهم من هو قابل للتغيير والانخراط في العملية الديمقراطية كما رأيناهم في المغرب وفلسطين والأردن. لذلك ينبغي التعامل بإيجابية مع هذا التطور".
وفي نهاية مداخلته عبر الناشط المصري البارز في مجال حقوق الإنسان عن تفاؤله فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية في العالم الإسلامي، لأن "ثلثي المسلمين يعيشون تحت سقف أنظمة ديمقراطية نسبيا". كما أنه على يقين من "إمكانية انبثاق جيل جديد من الحركات الإسلامية ذات التوجه الديمقراطي شانها شان الأحزاب الديمقراطية المسيحية المحافظة في أوروبا".
"الحرية والديمقراطية ليستا مسألة إرادة"
ومن منظور أكاديمي بعيد عن التنظير السياسي والأيديولوجي استكشف المفكر المغربي وأستاذ الفلسفة في جامعة الرباط، محمد سبيلا، في مداخلته التحليلية، آليات عمل المجتمعات العربية وبنيتها التقليدية، التي اعتبرها العائق الأكبر أمام تقبل وانتشار قيم الحرية والديمقراطية والتعاطي البناء مع سيروات الحداثة في الدول العربية قائلا:" أنا كباحث أركز هنا على المعوقات والمثبطات، والبنيات التقليدية الراسخة عمدا، لأن الأوروبيين يتصورون وكأن المجتمع العربي لا يريد أن يتطور. المسألة ليست مسألة إرادة، إنها مسالة محددات اجتماعية ومحددات ثقاقية في مجتمع تقليدي راسخ البنية. فتركيزي على الحتميات يهدف فقط إلى إبراز محدودية إمكانيات التحول". وفضلا عن ذلك لفت الفيلسوف المغربي الانتباه إلى أن "النصوص الدينية يتم تأويلها وفق ظروف تاريخية"، مشددا على أنه "لا توجد حلولا بسيطة لتحديات الحداثة المعقدة، على غرار الحلول النظرية السهلة، التي تقدمها المرجعيات الدينية".
"أولية الحرية تشمل التسامح"
أما القاسم المشترك الذي جمع نخبة المحاضرين وجمهور الحاضرين فتمثل في الإجماع النسبي على أن مفهوم الحرية فقد معناه اللاهوتي، ومفهومه النظري المطلق، لأن الحرية مرتبطة اليوم بممارسة الديمقراطية وبتطبيق مفاهيم حقوق الإنسان الأساسية على أرض الواقع. وفي هذا الإطار شدد إريش فيده، بروفيسور علم الاجتماع في جامعة بون، على أن "أولية الحرية الشخصية تتضمن التسامح في التعامل مع كل الأديان. فالديانة المسيحية لم تتوافق لمدة قرون طويلة مع مبادئ الحرية والديمقراطية".
وانطلاقا من أن جميع الأديان السماوية تكاد أن تتشابه في مضمونها وإرثها الأخلاقي، لأنها قائمة على الوصايا العشر، ينبغي التركيز أولا وأخيرا على إزالة جملة العوائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تحدد سلوكيات الفرد وآفاق تقبله أو رفضه لقيم الحرية والديمقراطية. فاحترام آدمية الإنسان مرتبطة ارتباطا عضويا بتوفر خيار الحرية!
لؤي المدهون