الخدمات الاجتماعية في ألمانيا بألوان التعددية الثقافية
٩ يوليو ٢٠١٢تحرف النقاشات السياسية الأنظار عن أنَّ مشاركة المسلمين في العديد من المجالات الاجتماعية قد باتت منذ فترةٍ طويلةٍ جزءًا من الواقع، حيث يتمسّك المسلمون بحقهم في المزيد من المشاركة الاجتماعية في الدوائر المحلّية والمدارس وفي المرافق الاجتماعية. جيلٌ جديدٌ من المسلمين، شابٌ ومتعلمٌ بشكل جيّد، يندفع بثقةٍ لطرح قضاياه في المجتمع أسوةً بالمواطنين المسيحيين والعلمانيين. الأمر الذي انعكس على الموضوعات التي طُرحت في مؤتمر الأكاديمية الكاثوليكية في شتوتغارت بالاشتراك مع جمعيتي حركة جولان "حوار الجنوب" و "لقاءات" في بادن فورتمبيرغ والتي تناولت المبادرات المسيحية والإسلامية للعمل المشترك من أجل خدمة الصالح العام.
اكتسبت الأكاديمية الكاثوليكية في شتوتغارت في السنوات الأخيرة سمعةً جيدةً باعتبارها مكانًا للحوار البناء والمنفتح على المسلمين. وقد أُقيمت فعاليةٌ مشتركةٌ للمرة الأولى بينها وبين جمعيتي "حوار الجنوب" و "لقاءات" شارك فيها ممثلون عن حركة جولان. وعلى الرغم من الجدل المحيط بهذه الحركة التي يترأسها المفكر التركي فتح الله جولان الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تشتغل على مواضيع التعليم والحوار على وجه الخصوص.
تنامي التحديات الاجتماعية
يقول يورغن ماير رئيس المجلس التنسيقي للحوار المسيحي الإسلامي: "إنَّ الجماهير المسلمة منفتحةٌ للغاية، وهناك اهتمامٌ كبيرٌ لدى المسلمين بالدخول في الحوار بما في ذلك لدى جيل الشباب المسلم". ويضيف ماير: "لا تساعدنا الجهات السياسية على التقدم، إنما اهتمام ومصلحة الناس في أماكن تواجدهم".
محليًا تبرز إلى السطح مشاكل الحياة اليومية. حيث يتقدم مهاجرو الجيل الأول في السن، الأمر الذي يدفع بقضايا صحة المسنين ورعايتهم إلى مركز الاهتمام. كما تحتاج العائلات إلى مشورةٍ تربويةٍ ودعمًا في نظامٍ مدرسيٍ يتوقف فيه نجاح التعليم على نحوٍ متزايدٍ على ما يبذله الوالدان من جهود. ووفقًا لدراسةٍ بخصوص "حياة الطوائف الإسلامية في ألمانيا" نشرها في نيسان/أبريل مركز الدراسات التركية تُقدم جمعيات المساجد والجمعيات العلويَّة في ألمانيا عروضها الدينية بالإضافة إلى الكثير من الخدمات الاجتماعية.
للمرة الأولى ومن خلال هذا البحث الذي أُجري بتكليفٍ من "مؤتمر الإسلام" تتوفر بياناتٌ موثوقةٌ عن الحياة الداخلية للطوائف تشمل كافة أنحاء ألمانيا الاتحادية. وبحسب هذه الدراسة تُقدم أكثر من أربعين بالمائة من هذه الجمعيات المشورة الاجتماعية والتربوية لأعضائها، كما يُقدم أكثر من نصفها الدعم لتلامذة المدارس من خلال مساعدتهم في انجاز الوظائف المنزلية، وفي نحو ثلاثين بالمائة من جمعيات المساجد توجد مشورةٌ صحّيةٌ للمؤمنين. ويُقدمُ الجزء الأكبر من هذه الاسهامات الاجتماعية من خلال العمل التطوعي المجاني.
لم يتوفر للمسلمين حتى الآن إلا القليل من المؤسسات في القطاع الاجتماعي. بيد أنَّ المهام الاجتماعية ستستمر بالتزايد في المستقبل كما تؤكد حواء إنغين من المعهد العالي للعلوم التربوية في مدينة هايدلبرغ. رغم أنَّ الكثير من المسلمين التقليديين ما زالوا يعتبرون موضوع دار العجزة غير واردٍ بالنسبة لهم، إلا أنَّ مسألة تأمين متطلبات المسنين من المهاجرين المسلمين المحتاجين إلى رعاية وتقديمها خارج نطاق العائلة سوف تكون من المسائل الأساسية في السنوات القادمة.
انفتاح الكنائس؟
من المؤكد أنَّ الحاجة إلى دورٍ مهيأةٍ للاحتياجات الخاصة بالمسلمين وللمرضى غير القابلين للشفاء ستزداد في المستقبل. إلا أنَّ خدماتٍ اجتماعيةً كهذه تتطلب الاحتراف، ولا يمكن تقديمها من خلال العمل التطوعي. وبالمناسبة توفّر كل من مؤسستي كاريتاس ودياكوني خدماتها الاجتماعية في رياض الأطفال ومراكز تقديم المشورة ودور العجزة بتمويلٍ حكوميٍ منتظم.
بيد أنَّ هذا لا ينطبق على العمل الاجتماعي لدى المسلمين في المقابل. وترى حواء إنغين أنَّ هذا سوف يؤدي إلى نشوء منظمةٍ إسلاميةٍ للرعاية الاجتماعية خاصة ٍبالمسلمين، أو إلى قيام المنظمتين الكنسيتين للعمل الاجتماعي كاريتاس ودياكوني بإشراك المسلمين في هيئاتها ومنشآتها بشكلٍ أكبر. وقد طالب مجلس المسلمين المركزي بالفعل بإنشاء مؤسسة إسلامية للرعاية الاجتماعية. أما المنظمات الكنسية للرعاية الاجتماعية فلا يزال انفتاحها على الثقافات المتعددة في مراحله الأولى بعد. حقًا اكتشفت كاريتاس ودياكوني الموضوع وأتاحتا خدماتهما للجميع بغض النظر عن الانتماء المذهبي أو الديني. لذا تمنح المؤسستان في الوقت الحالي الأولوية لتدريب موظفيها على التعامل مع مواطنين من أصولٍ ثقافيةٍ أخرى، حيث يهدف التدريب إلى تمكين العاملين من التعامل بحسٍ مرهفٍ مع الانتماءات الدينية المختلفة.
لكن لا بدَّ للانفتاح على الثقافات أنْ يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. إذ يتوجب ضم المهاجرين إلى هياكل وهيئات المؤسسات أيضًا وهذا يعني على المدى البعيد، أنْ يشاركوا أيضًا في تشكيلها. وقد طالبت بذلك في الآونة الأخيرة أيضًا بيلكاي أوناي (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) وهي وزيرة شؤون اندماج المهاجرين في ولاية بادن فيرتمبرج. بيد أنه يُستبعد تصور الأمر لدى مؤسسة كاريتاس، حيث لا يوجد حتى الآن سوى عددٍ قليلٍ من المسلمين الذين يعملون فيها. على سبيل المثال في مجالات رعاية المسنين. وبالنسبة لرابطة مؤسسات كاريتاس على مستوى ألمانيا ككل ينبغي أنْ يبقى الأمر كما هو بحسب الرأي السائد هناك، أي أنْ يبقى مقتصرًا على حالاتٍ فردية، إذ يرى القائمون على كاريتاس أنَّ توسيع الانفتاح سوف يعني تغيير نظام الخدمات الكنسية ككل، وهذا غير مطروحٍ للنقاش في الوقت الحالي.
لكن بعض أبرشيات كاريتاس لديها مواقف أكثر انفتاحًا، حيث تُناقش هذه المسألة بشكلٍ جديٍ في أبرشية روتنبورغ-شتوتغارت نظرًا إلى العدد المتزايد للمسلمين المؤهلين مهنيًا. كما يطرح المسلمون مطالبهم بشكلٍ متزايدٍ تجاه نظام التعليم. وليس من المفاجئ في هذا السياق أنْ تنشأ مدارس نموذجية جديدة للمسلمين خارج القطاع التعليمي الحكومي. ويُظهر مثال "مدارس بريزما" في مدينة بوبلينغن، كيف يخلق المهاجرون بأنفسهم أطر نجاح أبنائهم في مجل التعليم.
"نريد المشاركة، لا الاندماج!"
يحدث هذا أيضًا بسبب خيبة الأمل مما تقدمه المدارس الحكومية ومن تجارب التمييز التي تمَّ التعرُّض لها. وقد أنشأت جمعيةٌ للنفع العام مقرَّبةً من حركة جولان مدرستين خاصتين بدوامٍ كاملٍ لا وجود فيهما تقريبًا لدرس الدين، والمدرسة الثانوية العامة والمتوسطة مفتوحتان للتلامذة من كافة الطوائف والأديان. وتعتمد المدرستان مناهج بلوغ الأداء المدرسي الأفضل متَّبعةً أحدث المناهج التربوية. وبدلًا من درس الدين تُدرسُ في "مدارس بريزما" مادة الأخلاق فقط.
يخبر اسماعيل تيميل من الجمعية المسئولة عن المدرسة عن تجارب التمييز التي عايشها خلال مساره المدرسي، والتي يريد أنْ يجنب أطفاله التعرُّض لها. ويقول إنَّه من ضمن أهداف الجمعية السعي لتقديم شيءٍ للأطفال الإشكاليين في الحي وكذلك توفير منحٍ مدرسيةٍ للعائلات المحتاجة. ويؤكد تيميل قائلاً: "نريد المشاركة، لا الاندماج". بيد أنَّ مجتمع الأغلبية يتجه ببطءٍ نحو التعددية أيضًا، ففي العام المدرسي 2012/2013 سوف تنطلق مدرسة ثلاثية الأديان في الأبرشية التابعة للمؤسسة الكاثوليكية في مدينة أوسنابروك، وقد اتفق كل من اتحاد ديتيب / ولاية ساكسونيا السفلى، وجمعية شورى في ساكسونيا السفلى (تمثل اتحاد جمعيات المساجد في الولاية)، وجمعية الطائفة اليهودية في مدينة أوسنابروك مع الكنيسة الكاثوليكية على المشاركة في تنفيذ هذا المشروع.
في أول مدرسة ثلاثية الأديان في ألمانيا سوف يُسمح للمعلمات المسلمات بارتداء الحجاب ولأساتذة الدين اليهودي بارتداء الطاقية اليهودية. ويرى فينفريد فيربورغ من أبرشية أوسنابروك من الآن أن "المدرسة سوف تؤثّر إيجابًا على التعايش بين الأديان في أوسنابروك. وسوف تُشكل مساهمة على طريق الانفتاح على مختلف الأديان في المجتمع.
كلاوديا منده
ترجمة:يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012