"الخسائر والأضرار".. ما هي أولويات قمة المناخ بشرم الشيخ؟
٥ نوفمبر ٢٠٢٢حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن قادة وزعماء العالم يفتقدون للرؤى حيال مواجهة تداعيات ظاهرة التغير المناخي والتي وصفها بصراع "حياة أو موت" وذلك قبل عقد قمة المناخ المعروفة اختصارا بـ "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ المصرية.
ومتحدثا إلى الصحافيين في مدينة نيويورك الأمريكية في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، قال غوتيريش إن الدول الصناعية الكبرى في حاجة إلى تسريع وفائها بالتزاماتها الجماعية بشكل كامل بما في ذلك التعهد بدفع قرابة مئة مليار دولار سنويا لدعم جهود مكافحة التغير المناخي في البلدان النامية.
يشار إلى أن الدول الصناعية الكبرى قطعت على نفسها هذا التعهد قبل عامين فيما من المقرر أن ينتهي سريان الأمر في 2025 فيما لا يزال الهدف وراء التعهد بعيد المنال.
وقال غوتيريش إن تحركات الدول الصناعية الأكثر ثراء وأيضا الدول الصناعية الناشئة "لا تضيف شيئا"، محذرا "التعهدات والسياسات الحالية تغلق الباب أمام فرصتنا للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين فضلا عن تحقيق هدف الحد من الاحترار العالمي بحدود 1.5 درجة."
وفي أعقاب الفيضانات المدمرة التي اجتاحت باكستان مؤخرا وأيضا موجات الحر والجفاف غير المسبوقة التي ضربت العديد من دول العالم، فإنه من المقرر أن تدور المفاوضات خلال قمة المناخ في شرم الشيخ المصرية حيال قضايا تتعلق "بالخسائر والأضرار" وهي الفكرة التي طُرحت لأول مرة خلال قمة المناخ عام 2013 في بولندا لتعويض الدول الفقيرة والنامية الأكثر عرضة لمخاطر ظاهرة التغير المناخي .
ورغم ذلك، فإن التقدم في هذا المسار ما زال بطيئا إذ أن الدول الغنية مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تزال مترددة في الالتزام بسداد المليارات المخصصة التي قد تصل إلى مئات المليارات سنويا بحلول عام 2030 والرامية إلى تعويض الخسائر الناجمة عن الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
الخسائر والأضرار...قضية هامة
وتعد قضية "الخسائر والأضرار" ذات أهمية قصوى في الدول التي تتألف من جزر ساحلية منخفضة والتي تعد الأكثر عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر وأيضا والعواصف المدمرة.
وفي سبتمبر / أيلول الماضي، قال التون ويبسون، رئيس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه لم يعد "لدينا وقت نضيعه"، مضيفا "تتعرض جزرنا لتداعيات مناخية أكثر حدة وتكرارا فيما يكون التعافي على حساب تنميتنا".
وشدد على أن التركيز على جهود التكيف مع ظاهرة التغير المناخي لم يعد أمرا كافيا، متسائلا: "من أين نجد الأموال لإعادة البناء؟ لماذا يجب أن تدفع جزرنا الثمن الأكبر لظاهرة التغير المناخي رغم أنها تتسبب في قدر أقل من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري؟"
وفي حديثه للصحافيين، قال الممثل الخاص لمصر بقمة المناخ وائل أبو المجد إن القمة سوف تعطي الأولوية لقضية "الخسائر والأضرار"، مضيفا أن القمة سوف تبحث قضايا إيجاد "مصادر تمويل للدول التي هي في أمس الحاجة إلى معالجة قضايا الخسائر والأضرار والتي تؤثر بشكل كبير على ناتجها المحلي الإجمالي على نحو سنوي".
وستكون قمة "كوب 27" المناخية الأولى منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا والتي تسببت في أزمة طاقة عصفت بدول العالم. وسلطت أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الضوء على الحاجة إلى الانتقال إلى الطاقة المتجددة.
الجدير بالذكر أن الرئاسة المصرية قالت إن "الابتكار والتقنيات النظيفة" سوف يحتل أولوية في جدول أعمال القمة مع تخصيص عدة أيام للحديث عن الهيدروجين الأخضر وإزالة الكربون من منظومة الطاقة.
وتصدرت قضية إنهاء استخدام الوقود الأحفوري قمة المناخ الماضية في غلاسكو فيما خرجت عن القمة تعهدات من أكثر من 30 دولة بإنهاء الدعم العام المباشر "لقطاع الوقود الأحفوري بلا هوادة على المستوى الدولي بحلول نهاية عام 2022" وهو التعهد الذي يُقدر بنحو 24 مليار دولار سنويا.
بيد أن أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية أدت إلى تقويض الجهود للوفاء بهذا التعهد خاصة وأن دولا مثل ألمانيا بدأت في التفكير في استخدام الفحم والنفط لتعويض نقص إمدادات الطاقة الروسية.
الدول النامية وقضايا التمويل المناخي
وفي هذا الصدد، سلط وزراء البيئة والمالية الأفارقة الضوء على مخاطر التحرك السريع للابتعاد عن الوقود الأحفوري على النمو الاقتصادي في بلدان القارة السمراء.
وفي الوقت الذي أكد فيه علماء ونشطاء مدافعين عن البيئة ومنظمات أممية على أن الطاقة المتجددة تعد السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، شددت وزيرة المالية في نيجيريا زينب أحمد على أن بعض البلدان ليس لديها خيار.
وخلال اجتماع وزاري للدول الأفارقة في القاهرة في سبتمبر / أيلول الماضي، قالت زينب إنه في حالة عدم حصول الدول النامية على تمويل بمعدلات معقولة لتطوير الغاز، "فإننا سنحرم مواطن بلادنا من فرص تحقيق التنمية الأساسية".
الجدير بالذكر أن العديد من البلدان الأفريقية تعتمد على صادرات النفط والغاز لتمويل تدابير التكيف مع تداعيات ظاهرة التغير المناخي بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة.
ومع تركيز الجهود المصرية على دعم المصالح الأفريقية خلال مؤتمر "كوب 27"، فإن قضية "الانتقال إلى الطاقة المتجددة بشكل عادل وميسور التكلفة" في القارة السمراء ستكون قضية رئيسية خلال القمة في ضوء أن فجوة التمويل المناخي في إفريقيا تبلغ حوالي 108 مليار دولار سنويا، وفقا لتقديرات بنك التنمية الأفريقي.
وفي ضوء ذلك، فإن القارة السمراء تحصل على أقل من 5.5٪ من تمويل المناخ العالمي فيما يعود ذلك بشكل جزئي إلى المخاطر وضعف سوق التمويل الأخضر في إفريقيا.
وفي مقابلة مع DW، قالت أمينة محمد، وزيرة البيئة السابقة في نيجيريا ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة، إن الأمر يتعلق بالموارد التي نحن في حاجة إلى الاستفادة منها. وأضافت "يتعين تقليل المخاطر. هناك حاجة إلى حلول تسمح بتدفق هذه الموارد فيما كان من المفروض أن يحدث هذا بالأمس لكن لم يحدث حتى الآن".
ومن المقرر أن تتطرق قمة المناخ إلى قضية تخفيف الديون المستحقة على الدول النامية خاصة في أعقاب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا.
وفي هذا الصدد، ذكرت دراسة صدرت عن المعهد الدولي للبيئة والتنمية أن تخفيف أعباء الديون المستحقة على 58 دولة نامية معظمها في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، يمكن أن يوفر تمويلا حكوميا يبلغ 105 مليار دولار لدعم جهود محاربة ظاهرة التغير المناخي.
وفي ذلك، قال سيغال باتيل، الخبير الاقتصادي في المعهد، إنه في ضوء "تعرض الملايين في البلدان الأكثر مديونية لموجات من الفيضانات العارمة وحرائق الغابات والحر الشديدة، فإن "خطة معالجة الديون السيادية سوف تحقق فوائد بمعدل ثلاثة أضعاف." وأضاف "من شأن برامج المناخ أن تعزز المرونة الاقتصادية لتلك البلدان وبالتالي قدرتها على خدمة الديون في المستقبل."
مارتن كوبلر / م ع