الخوف من المجهول هاجس يطارد فئة كبيرة من المهاجرين في ألمانيا
٤ سبتمبر ٢٠٠٦كثير من اللاجئين يعيشون منذ سنوات طويلة في ألمانيا بانتظار المجهول. فهم لا يعرفون ماذا ينتظرهم وينتظر أسرهم في المستقبل. في غالب الأحوال، تحصل هذه الفئة من اللاجئين على تأشيرة يطلق عليها بالألمانية "دولودنغ" ويعتبرها المختصون ليس أكثر من إذن بالبقاء في هذا البلد دون التمتع بأية حقوق تذكر، الأمر الذي يضر بهم بشكل كبير، على حد قول المختصين. جعفر سليمي هو أحد هؤلاء اللاجئين الذين يعيشون في حالة انتظار دائم، لدرجة جعلته ينسى عدد المرات التي حصل فيها على التأشيرة المذكورة. وبخصوص حالته، يقول سليمي إنه كان "يحصل أحيانا على حق البقاء لمدة أسبوع، وأحياناً أخرى لمدة شهر أو شهرين." ويضيف اللاجئ أن الأمر كان متفاوتاً.
أسباب مقنعة للهجرة
منذ أكثر من ست سنوات، يعيش رب الأسرة البالغ من العمر 39 عاماً مع زوجته وأولاده الثلاثة في مدينة كولونيا (غرب ألمانيا). ويعتبر سليمي وعائلته من طائفة "روما" الغجرية التي هرب قسم كبير منها أثناء الحرب اليوغوسلافية من كوسوفو إلى ألمانيا. الابن الأوسط، البالغ من العمر 13 عاماً يعاني من مشاكل نفسية ويتعاطى أدوية ضد حالة اكتئاب أصابته بعد النزوح إلى ألمانيا. أما الحرب التي عاشتها منطقة البلقان، فإنها مرتبطة عند العائلة بذكريات مؤلمة للغاية. إلى ذلك، يقول جعفر إن السبب في هجرته إلى ألمانيا كانت الحرب وإنه لن يتردد في العودة إلى كوسوفو فور تحسن الأوضاع هناك وفور عودة المياه إلى مجاريها في البلد الذي عانى لسنوات طويلة من ويلات الحروب. لكن الأمر ليس كما يتمنى سليمي، الذي لا يتمنى سوى توفير السلام والأمان لأسرته. ويقول سليمي بحسرة: "كيف أرسل أسرة من الروما إلى كوسوفو؟ كيف يمكنني أن أعيد أسرتي التي تنتمي إلى الأقليات إلى هناك؟ في وطني الأم كنت أعمل ولم أحضر إلى ألمانيا لمجرد المتعة. كان لي مستقبل وبيت وكل ما تحتاجه أسرتي في كوسوفو، لكن الآن كل شيء قد انتهى."
الأسرة وعدم الشعور بالأمان
بسبب هذه الأوضاع، يرى جعفر سليمي الآن مستقبله في ألمانيا. وهو لا يتعب من تأكيد التزامه بالقوانين الألمانية. وكذلك الأمر بالنسبة لأولاده، فهم مندمجين جداً في المجتمع الألماني. ابنته ستبدأ السنة القادمة دراستها في المدرسة الثانوية العامة، وابنه الأكبر سيقوم قريباً بدورة تدريب في شركة فورد. الأبناء يتحدثون مع أهلهم في المنزل بالألمانية. وهم وإن كانوا يتحدثون أيضاً بالروما، لهجتهم الأصلية، إلا أنهم لا يجيدون هذه اللغة بالدرجة الكافية، كما يؤكد والدهم.
دوريس كولش تعمل في مركز العلاج النفسي لضحايا التعذيب التابع لجمعية كاريتاس في كولونيا. إنها تعرف عائلة سليمي جيداً منذ وصولها إلى كولونيا. وهم يحضرون إلى مكتبها بشكل منتظم للاستشارة. السيدة كولش تجد أن معاناتهم الأساسية والمبررة تكمن في حالة قلق دائم من المستقبل. وتقول كولش: "هم يعانون مثل كل الأسر المشابهة من الخوف من المجهول، فهم مهددون دائما بالترحيل، لأن الإقامة غير مؤكدة. وتضيف:" دائماً ما يتكرر السؤال نفسه: إلى أي مدى سيمددون الإقامة المحددة هذه المرة، وهل من الممكن أن تتحول هذه الإشارة إلى إقامة أطول؟ وماذا يمكن أن نفعله لنتمكن من تحقيق ذلك؟ نتحدث دائماً عن هذه الأمور."
"حالة غير إنسانية"
وتتمنى دوريس كولش أن تنتهي حالة الانتظار وعدم الأمان التي تعاني منها عائلة سليمي، وأن يتمكنوا من البقاء في ألمانيا بشكل دائم حتى يتمكنوا من التخطيط لحياتهم والعيش بشكل هادئ. وتطالب المسؤولة بإيجاد حل طويل المدى لـ180 ألف لاجئ يعانون المعاناة نفسها التي تعانيها أسرة سليمي. أما عن هذه العائلة بشكل خاص فإنها تقول: " أطالب بإعطاء تأشيرات دائمة خاصة لأشخاص لم يرتكبوا أي ذنب أو جرم. أشخاص وجدوا لأنفسهم منزلا ً وتعلموا اللغة الألمانية، وحرصوا على تعليم أولادهم. فالأبناء يذهبون إلى المدرسة ويطورون أنفسهم بشكل إيجابي للغاية." في رأي كولش، يجب مكافأة هذا السلوك، وإلا فإن الوضع سيبقى على ماهو عليه بعد ستة أعوام من وصولهم إلى ألمانيا. وتضيف: "إنني أعتبر هذا الأمر مستحيلا وغير إنساني." وتختم كولش بالقول:" التأشيرة التي حصلت عليها عائلة سليمي مؤخراً تسمح لهم بالبقاء لمدة سبعة أشهر أخرى، ولكن كيف سيكون الأمر فيما بعد؟ لا أحد يعلم.