الدول المغاربية - محصَنة ضد قيام دولة "داعشية"؟
١ سبتمبر ٢٠١٤أججت قدرة تنظيم "داعش" المتطرف على التوغل في مناطق مهمة من سوريا والعراق وتواجد تنظيمات مقربة منه كطرف قوي في الحرب الدائرة في ليبيا من مخاوف احتمال وصول خطر هذا التنظيم إلى دول المغرب الكبير. يتزامن ذلك مع التحذيرات التي نشرتها تقارير استخبارية عديدة أشارت فيها إلى وجود تهديدات صريحة لبعض بلدان هذه المنطقة.
وقد أكدت منظمة حقوقية مصرية هي "العدل والتنمية" أن تنظيم "داعش" بدأ في التنسيق مع أعضاء ما يُعرف بـ"السلفية الجهادية" في تونس والجزائر والمغرب من أجل الإعلان عن إمارة إسلامية انطلاقاً من تونس، مستفيداً من الوضع الأمني الليبي المنفلت. وهو ما يتطابق مع تحذيرات استخباراتية كانت قد أشارت إلى رغبة تنظيمات إرهابية في الانتقام من الدول الثلاث بسبب قوانينها الصارمة ضد التطرّف الديني.
كما أعلن المغرب رسمياً خلال يوليو/ تموز الماضي بوجود عدد كبير من المغاربة الذين يقاتلون مع "داعش" في الأراضي السورية والعراقية. ففي سياق متصل، أعلن وزير الداخلية المغربي عن وجود 1220 مغربياً يقاتلون مع هذا التنظيم، مؤكداً أن المغرب يكثف من إجراءاته الأمنية لمواجهة التهديدات التي سبق وأن أعلن عنها "داعش" ضد المملكة المغربية.
حظوظ "داعش" في المنطقة
ويرى المتخصّص التونسي في الجماعات الإسلامية، علية العلاني، أن فكرة توسع تنظيم داعش في دول المغرب الكبير لا زالت في طور الاختبار، معتبراً أن تكوين إمارة "داعشية" في هذه المنطقة لا تعدو أن تكون خبراً دعائياً أكثر ممّا هو حقيقي، ما دامت ظروف البلدان المغاربية لا توفر بيئة حاضنة لانتشار هذا التنظيم.
ويضيف علية العلاني في تصريحات لـ DW"عربية" قائلا: "إذا استثنينا بعض المناطق الليبية التي تنتشر فيها تجارة السلاح، فالدول المغاربية لا توفر تربة خصبة لتطوّر داعش". ويوضح أن هذا "التنظيم يتقوّى عندما تغيب الدولة وعندما يشتد الصراع الطائفي ويغيب الاستقرار الديني، مستفيدا من تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي ظلت دول المنطقة بمنأى عنه. كما يؤكد العلاني أن "رفض تونس لأي تدخل عسكري في ليبيا واستضافتها لملايين المواطنين الليبيين أبعداها عن مرمى التنظيمات الجهادية الليبية في الوقت الحاضر."
من جهته، يعزو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط، حسان بوقنطار، عدم توفر الدول المغاربية – باستثناء ليبيا – على ظروف مساعدة لقيام دولة "داعشية" إلى استقرار أنظمتها السياسية. قائلا: "المغرب تجاوز تبعيات الربيع العربي بشكل إيجابي بفضل الإصلاحات الدستورية التي عرفها، أما الجزائر فقد غابت فيها أصلاً أحداث هذا الربيع باعتبار تفضيل مواطنيها للاستقرار بعد عشرية سوداء دفعوا فيها الثمن غالياً، بينما استطاعت تونس بناء نموذج للانتقال الديمقراطي بعد الثورة على نظام بن علي".
ويضيف حسان بوقنطار في تصريحات لـDW"عربية" أن الظروف العسكرية بالمنطقة لا تساعد على انتشار "داعش". ويقول: "ولاء الأنظمة العسكرية المغاربية لدُولها وليس لطوائفها، لا يعطي الإمكانية لـ"داعش" للتغلغل فيها، عكس ما وقع للجيش العراقي الذي تمّ تكوينه على أساس طائفي أنتج نوعاً من التهميش لبقية مكوّنات هذا البلد."
"داعش" والعلاقة مع التنظيمات الجهادية الأخرى
ويؤكد علية العلاني أن تنظيم القاعدة لا يزال يتصدر التنظيمات الجهادية في منطقة المغرب الكبير وأن إمكانيات تعاونه مع "داعش" تبقى قائمة. ويقول: "إذا استحضرنا أن الكثير ممّن غادروا المنطقة للقتال في صفوف "داعش" في الشرق الأوسط هم أعضاء في القاعدة وكذلك في أنصار الشريعة". وبالرغم من بعض التناقضات بين هذه التنظيمات يرى العلاني أن هناك من نادى بتوحيدها، على غرار أبو عياض، أحد رموز "أنصار الشريعة" في تونس.
ورغم أن تنظيم "أنصار الشريعة" قد أكد سابقاً أن "تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد"، إلّا أن هذا التنظيم متحالف مع "القاعدة" وتم تصنيفه مؤخراً من قبل الولايات المتحدة في قائمة الإرهاب. وبالتالي، فتصريحات قادته تبقى مجرد تكتيك يحاولون بها إخفاء تقاربهم مع تنظيمات أخرى كـ"داعش"، على حد قول العلاني.
بيد أن حسان بوقنطار ينفي وجود علاقة فكرية أو تنظيمية بين "داعش" والتنظيمات الجهادية الأخرى في المنطقة، حيث أن هذه الأخيرة لم تتقبل الطبيعة المتطرفة والدموية لـ"الدولة الإسلامية". ولم تُمجّد انتصاراتها بسلوكيات مشابهة على الأرض. كما أن هذه التنظيمات تخشى من خدش صورتها إن تعاونت مع "داعش" الذي خاض صراعات انتقامية أكثر منها صراعات سياسية، حسب بوقنطار.
قدرة البلدان المغاربية على ردع "داعش"
أما فيما يتعلق بقدرة الدول المغاربية على التصدي لـ"داعش"، فيقول علية العلاني إنّ الحدود التونسية-الليبية تبقى سهلة المراقبة لكونها تمتد فقط في منطقة صحراوية سهلة التضاريس بامتداد 500 كيلومتر، وهو ما يجعل هذه الحدود تحت السيطرة حالياً. أما تلك التي تجمع بين تونس والجزائر، فالتعاون الأمني بين البلدين يؤمن بشكل كبير مراقبتها رغم شساعتها وصعوبتها.
ويرى العلاني أن الانتخابات البرلمانية القادمة في تونس ستزيد من تحصين البلاد إزاء تهديد "داعش"، بحيث يقول:"إن نجحت تونس في تجاوز هذه المرحلة بما يساهم في مزيد من الانتقال الديمقراطي، فسينعكس الأمر سلباً على طموحات التنظيمات المتطرّفة التي لا تنظر بعين الرضا إلى الاستقرار في تونس".
ويعرب حسان بوقنطار عن قناعته بأن الجيشين المغربي والجزائري لديهما من الإمكانيات ما يُجنّب بلديهما أيّ خطر داهم يعبث باستقرارهما، فهما من أفضل القوات العسكرية في إفريقيا ومن أكثرها استعداداً لمحاربة الأخطار الإرهابية. كما يؤكد أن الاختلافات السياسية بين الجزائر والمغرب لا تمنع التنسيق الأمني بينهما مادامت المصلحة تفرض ذلك.
ويستدرك حسان بوقنطار أن التحصين المطلق ضد الإرهاب يبقى أمراَ مستبعداً، خاصة مع الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية التي تساعد على نشأة التطرّف. لكن نجاح المنطقة المغاربية بشكل عام في بناء نموذج دول المؤسسات خاصة في الجانب الأمني يقطع الطريق عن المخططات "الداعشية".