الدولة الكردية: استحقاق يتطلب دعماً عربياً؟
٤ مايو ٢٠١٢يتداخل تاريخ العرب والأكراد في منطقة تشهد بين قرن وآخر من الزمان صراعات لقوى إقليمية ودولية. يبحث الأكراد عن كيان سياسي يعبر عن وجودهم، ولا ينكرون حلمهم ببناء دولة كردية. قد يقول قائل: لم لا؟ فهم قومية مستقلة، ومن حقهم إقامة دولة تعبر عن ثقافتهم وقوميتهم. لكن آخراً يقول: لا يمكن ذلك، فقد تأخر الأكراد في بناء دولتهم، بل إنهم باتوا جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية ولا حاجة لدولة تمثلهم.
بين بغداد وشمالها مد وجزر، ثقة وغيابها على مدى عقود. وفي أربيل يعقد في الرابع من شهر أيار/ مايو 2012 مؤتمر التجمع العربي لنصرة القضية الكردية، وهو تجمع يضم نخبة من المثقفين العرب المناصرين للقضية الكردية. عنوان المؤتمر يشير إلى نصرة الأكراد، لكن ضد من؟ ولماذا الآن؟ كيف هي الثقة بين الأكراد والعرب؟ هل هناك قوى خارجية تحرك ملفات العلاقة بين الطرفين لصالحها؟
أمين عام التجمع، الدكتور كاظم حبيب، ذكر أن التجمع العربي نشأ سنة 2004، ويضم مناصرين للقضية الكردية منذ عقود. ويضيف حبيب أن "الكثير من (هذه الشخصيات) ناضلت مع الشعب الكردي، والبعض شارك مع البيشمركة (المليشيات الكردية المسلحة) أو حركة الأنصار، أو ممن وقف مع قضية الحكم الذاتي والديمقراطية للشعب الكردي في الستينات" من القرن الماضي.
اضطهاد في فترات الحكم العربي
ويوضح الأمين العام للتجمع أن الدعم سببه الاضطهاد الذي تعرض له الأكراد خلال الحكم العربي، من فترة الملكية مروراً بالجمهورية وحتى حكم البعث. وعن توقيت عقد المؤتمر، أكد الدكتور كاظم حبيب أن الفكرة القديمة، وأضاف: "كانت لنا نية لعقد المؤتمر منذ سنين، وحتى في إحدى الدول العربية. لكن لم يتسن لنا ذلك، ولذلك ارتأينا أن نعقده في أربيل عاصمة إقليم كردستان". ودافع عن استقلالية التجمع بقوله: "نحن نمتلك استقلالية كاملة عن الأحزاب والحكومات، ومصداقيتنا من خلال استقلاليتنا".
من جهته أشار الصحافي الكردي لقمان البرزنجي إلى أن الشعب الكردي بحاجة إلى دعم الأصدقاء والنخب المثقفة في عصر العولمة وتحرر الإنسان. لكنه أضاف: "لا اعتقد أن هناك مخاطر حقيقية بالنسبة لأكراد العراق ولا داعي للخوف من العرب، لأن الحالة العراقية هي حالة ديمقراطية وأولى بوادرها ظهرت مباشرة بعد سقوط النظام البائد".
ويؤكد لقمان على رأي الدكتور كاظم حبيب بأن النخبة المجتمعة في أربيل لمناصرة الشعب الكردي تمتلك هذا التوجه منذ عقود، إلا أن الأنظمة القمعية لم تسمح لها بالتعبير عن رأيها، ويضيف: "نحن الآن بأمس الحاجة للمناصرة من أجل تثبيت دعائم الديمقراطية والفدرالية في العراق. كما أن الشعب الكردي في المنطقة عموماً بحاجة إلى هذا الدعم".
أزمة .. إلى أين؟
ورغم الديمقراطية التي يتحدث عنها الصحافي لقمان البرزنجي، إلا أن هناك أزمة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم الكردي، جاءت أبرز إشاراتها على لسان رئيس الإقليم مسعود البرزاني، الذي قال إنه يشعر بالقلق لحيازة بغداد لطائرات إف 16، التي اشترتها من واشنطن. وأضاف البرزاني، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، بالقول إن مستقبل كردستان يواجه خطراً بالغاً بسبب المالكي، وأنه يجب أن لا يمتلك المالكي طائرات إف 16.
حول ذلك انتقد الدكتور حبيب سياسة الحكومة المركزية، واتهمها بارتكاب "أخطاء فادحة، وكذلك حكومة الإقليم. لكن هناك فرق بين الأخطاء والسياسات. أنا أرى أن في نهج سياسة حكومة بغداد أخطاء فادحة". ثم أضاف: "أحداث العراق متسارعة، ولم نكن نتوقع أن يتدهور الوضع الديمقراطي إلى هذا الحد، ولهذا نسعى إلى التأكيد على أهمية الديمقراطية للعراق". وأشار كاظم حبيب إلى أن أهداف التجمع تتمثل في الدفاع عن الحريات العامة وعن الحقوق الأساسية للشعب الكردي، بما في ذلك حق تقرير المصير للأمة الكردية في كل الدول الأربعة، ويعني بها العراق وتركيا وإيران وسوريا.
كما يوضح أمين عام التجمع العربي لنصرة القضية الكردية أن التجمع يقف "ضد أي اضطهاد للأكراد في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يجب مناهضة التجاوز على الحريات والحقوق في المنطقة"، مشيراً إلى فئة الأكراد الفيلية، إذ يقول: "ندافع عنهم، فهم تعرضوا لاضطهاد حكم صدام حسين. لكن رغم أننا ندافع عن القضية الكردية ندعو إلى التضامن بين شعوب المنطقة لصالح الحريات العامة والمواطنة وعدم التمييز بين القوميات. نحن ضد الشوفينية والعنصرية وضد الطائفية".
الدولة الكردية والوضع الإقليمي؟
ومع ازدياد سخونة الوضع الإقليمي بسبب محاصرة إيران وبحث سوريا عن منفذ للخروج من أزمتها، يحاول العراق تنفس الصعداء. لكن ألا يمثل ذلك التوقيت الملائم لإعلان الأكراد لدولتهم؟ الصحافي لقمان البرزنجي يقول إن من حق الأكراد الحصول على دولة مثل كل شعوب العالم والمنطقة، لكن الأكراد وبسبب الوضع الحالي الساخن في المنطقة لا يريدون أن يتخذوا موقفاً مع أحد، ويضيف أن "عليهم أن يكونوا حياديين في حال نشوب صراعات في المنطقة. والدولة الكردية عاجلاً أم آجلاً على الطريق". كما يشير إلى أن سخونة الوضع في المنطقة يؤثر على الإقليم الكردي، إذ "هناك محاولات لتنظيم القاعدة للدخول في عمق كردستان، بعد هذه الدفعة الكبيرة التي جاءت بها الثورات العربية. الإسلاميون أمسكوا بزمام الأمور في بلدان ما يسمى بالربيع العربي، والتيارات الدينية المدعومة تحاول عرقلة التقدم الذي تقوم به حكومة كردستان".
أما الدكتور كاظم حبيب فقد نفى أن يكون هناك حديث عن إقامة دولة كردية الآن، لكنه استدرك بالقول: "نحن مع إقامة هكذا دولة، اعتماداً على المعطيات والظروف للتجمعات الكردية، كل حسب منطقته أو البلد الذي يعيش فيه". ونفى أيضاً أن يصب ضعف الحكومة المركزية في بغداد في مصلحة إعلان هذه الدولة، معتبراً أن "الأكراد مع بغداد قوية، لكن ديمقراطية وليست فردية ولا استبدالية"، حسب قوله.
بعض الأصوات من بغداد عبرت عن موقفها تجاه مسألة إعلان الدولة الكردية وعقد هذا التجمع، إذ قال الصحافي خليل خباز من الموصل إن إعلان دولة كردستان سيكون على أنقاض جمهورية العراق، وأضاف أنه "مع الدولة القومية للأكراد، فمنذ مائة عام عندما توفيت الدولة العثمانية وتوزعت أملاكها ذات اليمين وذات الشمال، كان من الممكن أن تقوم دولة كردستان". وأشار خباز إلى أن الأكراد يمتلكون دولة حالياً، غير أنهم "يستغلون الوضع العراقي السياسي غير الجاد من قبل ممن فرضوا على السياسة، ممن يتاجرون بالمناطق التي توصف بالمتنازع عليها ... يبيعون ويشترون كما يشاؤون بمناطقنا من أجل بعض المكاسب الشخصية". وأعرب الصحافي العراقي عن وجود "فراغ في مناطقنا، فلا يوجد ساسة يملأون هذا الفراغ، وأعني بها مناطق الرمادي والموصل وكركوك وصلاح الدين".
أما علي، أحد المستمعين من البصرة، فعاتب التجمع على خصّ الأكراد وحدهم بالدعم، إذ قال: "الشعب الكردي شعب أصيل ويستحق ما حصل عليه من حقوق، ولكن لماذا هذه المجاملات؟ لماذا تجتمع نخبة عربية مثقفة لتناصر الأكراد، ولا تجتمع لنصرة أهل الفلوجة أو البصرة أو مدينة الصدر؟ لماذا هذه الاختيارية بين الأطراف؟"
عباس الخشالي
مراجعة: ياسر أبو معيلق