الرئيس الألماني يعلن اليوم عن قراره بشأن حل البرلمان
لم يكن الرئيس الألماني كولر يتوقع بأن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه على الساحة السياسية في ألمانيا. ففي خطابه أمام عدسات التلفاز قال كولر: "لقد صعبت الأمر على نفسي." ساعات قليلة تفصله عن اتخاذ قرار هو الأهم في حياته كرئيس للجمهورية الا وهو حل البرلمان الالماني. فبعد دراسة مستفيضة للقرار من جميع جوانبه السياسية والقضائية، وبعد الحديث مع كل من له صلة بالموضوع، سواء مع المستشار أو مع المعارضة، أصبح الأمر الآن حسب توقعات جميع المراقبين جليا بأن يقرر الرئيس حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وبهذه العملية يعيد التاريخ نفسه، إذ كان الرئيس السابق كارل كارستينز قد قام قبل 22 عاما بحل البرلمان. وبنفس الطريقة التي اتبعها كارستينز، سيتوجه الرئيس الحالي إلى الجمهور الألماني عبر شاشات التلفاز لمحاولة توضيح حيثيات وجزيئات القرار الذي قد تكون له تبعات كبيرة على الساحة السياسة الألمانية. وفي حال عدم حل الرئيس للبرلمان يجب على المستشار شرودر البقاء في الحكم أو تقديم استقالته. من الجدير بالذكر أن حل البرلمان هو القرار الأكثر أهمية وإثارة في حياة رئيس يتمتع بسلطات فخرية فقط ولا يحق له التدخل في عمل الحكومة بشكل فعلي. ووفقا لأوساط مقربة من الرئيس، فان مسألة حل البرلمان أصبحت مؤكدة، وأنه سوف يتخذ القرار من منطلق "مسؤوليته السياسية" كرئيس للبلاد.
تخبط سياسي؟
إن أكثر ما يقلق الرئيس الألماني في حالة قراره بعدم حل البرلمان هي الفوضى السياسية في البلاد، فهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام تبادل الاتهامات بين سياسيي الحكومة والمعارضة، الأمر الذي سيترك آثارا سلبية جدا على خصوصية السياسة الألمانية والحياة الحزبية برمتها. وبالنسبة للرئيس الألماني فإن تصريح المستشار غيرهارد شرودر بانه لن يستقيل في حالة عدم حل البرلمان، يحمل في طياته نوعا من التهديد. فهل يمكن للرئيس أن يتحمل تبعات قرار الإبقاء على رئيس حكومة في منصب طلب حل البرلمان. وإذا قام كولر بإعلان حل البرلمان فان على المستشار الألماني بعد ذلك التوقيع على هذا القرار، ليتم بعدها رفع الوثيقة الموقعة إلى رئيس البرلمان الألماني البوندستاغ (Bundestag)، ولفغانغ تيرزه لإعلامه بذلك ومن أجل قيام الأخير بإعلام المعارضة بهذا القرار. ومن المتوقع أن يقدم الرئيس شرحا قانونيا وسياسيا كاملا لقراره حتى يتجنب قيام المحكمة الدستورية باتخاذ قرار مخالف في حالة قدمت شكوى بهذا الخصوص. يذكر أن شرودر قام بطلب إجراء انتخابات مبكرة نظرا لشعوره باهتزاز أغلبيته البرلمانية وموقفها من سياساته الإصلاحية، فآثر التوجه الى المشرع الأول (الشعب) ليستمد منه الثقة من جديد.
فوضى البيت الداخلي
قام الرئيس كولر، وذلك بعد ثلاثة أيام من تقديم المستشار شرودر طلب حل البرلمان، بتوجيه بعض الأسئلة الى جميع الأطراف المعنية طالبا الإجابة عليها، إضافة إلى طلبه من مكتب المستشارية تزويده بجميع المبررات التي كان شرودر قد ذكرها في جلسة كتلته البرلمانية في الأول من تموز/يوليو الحالي. وأكد الرئيس أيضا ضرورة تزويده بكافة الملفات والوثائق التي يمكن أن تدعم موقفه في حالة تقديم شكوى قانونية إلى المحكمة الدستورية العليا. كما طلب الرئيس توضيح الكثير من الأمور الغامضة التي ذكرها شرودر في خطابه وتبريره لطلب حل البرلمان. وكان السؤال الرابع الموجه للحكومة هو كيف يمكن لحكومة أن تصدر 40 قانونا وتقوم بتمريرها في البرلمان بنجاح، ثم يقوم أعضاء الحكومة بعدم منح الثقة لرئيسها، وكل ذلك في فترة قصيرة قبل طلب إجراء انتخابات مبكرة؟ وفي السؤال الثامن جاء في كلمة رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي، فرانتس مونتيفيرنغ، "بأن شرودر يتمتع بثقة الحزب الحاكم"؟. والسؤال هنا يكمن فيما إذا كان مونتيفيرنغ قد قال ذلك عن قصد أو بغير قصد، وفي كلا الحالتين فإن الأمر مخالف للمنطق. هذا إضافة إلى ولاء بعض أعضاء البرلمان الشديد للمستشار، الامر الذي يجعل قرار الرئيس ليس سهلا.
بين دهاليز السياسة والقضاء
قام مكتب الرئاسة الألمانية بالتباحث مع خبراء دستوريين وخبراء من وزارتي الداخلية والخارجية حول الطلب المقدم إليه من قبل مكتب المستشارية. وكان التعليق على هذا الطلب من قبل هؤلاء الخبراء، وبالمعنى الذي أراده شرودر، بأن إمكانية التوفيق بين الحكومة والمعارضة داخل مجلس الولايات من خلال لجنة الوساطة غير ممكنة، وأنه أصبح صعبا للغاية إقناع وإرضاء أعضاء البرلمان ببعض القرارات التي لا يمكن التراجع عنها. وكانت الهيئة القانونية للحكومة قد أجابت على الاستفسارات القانونية المقدمة من قبل مكتب الرئاسة بنوع من الاستهتار، مستندة في كل مرة على قرار المحكمة الدستورية في عام 1983 عندما تم حل البرلمان. وتستند الهيئة القانونية أيضا على أنه من غير الممكن التعرف على الدوافع الحقيقية للنواب عند تصويتهم بمنح أو حجب الثقة، ، لا سيما وأنه من حق كل برلماني التصويت حسب ما يمليه عليه ضميره وليس حزبه. من جهة أخرى كان الرئيس السابق كارستينز قد هدد بالاستقالة في حال رفضت المحكمة الدستورية قراره عام 1983. لكن القاضي السابق في هذه المحكمة هانس هوغو كلاين سبق القرار باستبعاده أن تقوم المحكمة برفض قرار الرئيس بحل البرلمان.
بقلم: زاهي علاوي