السخرية والنكات .. سلاح الشباب الجزائري في مواجهة السلطة
٣٠ أبريل ٢٠١٣كاريكاتير يصوّر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وهو يحمل لافتة كتب عليها "الشعب ارحل". بهذه الطريقة الساخرة عبر الشباب الجزائري عن رأيه في أحداث الربيع العربي واستحالة استنساخه في الجزائر، مختصرين بذلك مسبقاً الجدل الذي تواصل لشهور بين أوساط النخبة السياسية والأكاديمية حول انتفاضة الشباب الجزائري.
ومع استمرار موجة الربيع العربي بنجاحاتها وإخفاقاتها، أضحت الكوميديا السياسية الساخرة في الجزائر فناً واسع الانتشار بين رواد الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. ومع تماهي حدود حرية الإبداع في السخرية من شخصيات النظام ومؤسساته، ازدادت هذه النزعة انتشاراً بفعل الاحتجاجات والانتفاضات الشبابية ضد البطالة والتهميش، التي تهب على البلاد بين الحين والآخر من شماله إلى جنوبه، تحركها قضايا الفساد التي يتورط فيها وزراء ومقربون من الرئيس بوتفليقة.
السخرية سلاح تاريخي للجزائريين
ويقول عبد الباقي، الذي يبلغ من العمر 35 عاماً ويعمل موظفاً، في حديث مع DW عربية، إن "النكات الساخرة أصبحت الوسيلة الوحيدة لدينا لإيصال رسائلنا والتعبير عن آرائنا السياسية دون خوف من أحد". ويعتبر عبد الباقي "الصور المفبركة والنكات الساخرة أكثر تعبيراً وأبلغ من مئات الكتب، لأنها تكشف المستور وتفضح الواقع بدون مكياج التملق والتزلف".
وفي ظل غياب منابر التعبير التقليدية المستقلة في الجزائر وإصرار السلطة على مواصلة تقييد حرية الإعلام المرئي والمسموع، يرى عبد الباقي أن "فيسبوك" بات أكبر فضاء للتعبير السياسي عن المواقف والأفكار، ويضمن النقاش الحر والمفتوح لأربعة ملايين ونصف مستخدم في الجزائر.
ويؤكد محمد، أحد القائمين على صفحة جزائرية ساخرة في موقع "فيسبوك"، أن الشباب لجأ إلى هذا الأسلوب "بعد أن فشل في إيصال رسائله بالطرق الاحتجاجية التقليدية، وأدرك بأن السخرية تحقق له هدفه في التعبير عن عدم رضاه عن الوضع القائم، وأنه يئس من حلم التغيير".
ويوضح محمد أن النكتة السياسية ليست غريبة عن الشعب الجزائري، فقد عرفها منذ الاستعمار الفرنسي، وبعد الاستقلال كان لكل مرحلة من المراحل نكات خاصة بها، وأن النكتة كانت وما زالت تعبيراً حقيقياً عن موقف الشعب من الشخص الذي تُطلق عليه، وسلاحه ضد خصومه.
لا حدود للسخرية والإبداع
بومرميطة، بوتحويسة، بوالكيران، الراقي. كلها تسميات ساخرة يطلقها شباب الفيسبوك على بعض الشخصيات السياسية في الجزائر. ولا يمر يوم إلا وتُنشر صورة أو تعليق ساخر على أحدهم. وتفننت بعض الصفحات في ابداع الصور الكاريكاتيرية أو المفبركة لهم، مثل "راديو طروطوار" و"عين المكان" و"نكت جزائرية" وغيرها. وما يميز هذه الصفحات هو سرعة التفاعل مع الأحداث والتعبير عن الموقف بعد وقوعه بفترة وجيزة، مما يجعل التدوينة أو الصورة أكثر انتشاراً وتعليقاً بين الشباب.
وكثيراً ما فجرت صور كاريكاتيرية أو مفبركة نُشرت على "فيسبوك" نقاشات حادة في الأوساط السياسية، مثل الجدل الراهن حول مطالبة بعض الأحزاب والشخصيات الرئيس بوتفليقة بالترشح لفترة رئاسية رابعة، إذ أثير الموضوع لأول مرة على شبكات التواصل الاجتماعي، ونُسج وما يزال يُنسج حوله العديد من النكات والصور الكاريكاتيرية المنتقدة لبوتفليقة ودعاة الفترة الرابعة، لدرجة أن إحدى الشخصيات دأبت على الظهور في وسائل الإعلام الجزائرية للتعليق على صورة كاريكاتيرية أو نكتة عنه، بهدف مواجهة ما يسميه بحملة "تشويهية ضده على الفيسبوك".
إخفاء الهوية وممارسة الحرية
من جانبه، يرى الإعلامي والمحلل السياسي ياسين بودهان بأن "فيسبوك" يفتح مساحة "لا محدودة من الحرية" للشباب الجزائري، في ظل الإقصاء التي يواجهه الشباب في مختلف المجالات السياسية والإعلامية. ويضيف بودهان، في حوار مع DW عربية، أن "الشباب وجد في شبكات التواصل الاجتماعي ضالته من أجل التعبير عن أفكاره بعيداً عن المتابعة الأمنية والقضائية. وهذا ما نلمسه على صفحات الفيسبوك مثلاً، إذ تستخدم أغلب الصفحات الساخرة والمتهكمة على الرئيس والمسؤولين أسماء مستعارة".
ويعتقد بودهان أن سخط الشباب لا ينصب على السلطة وأحزابها فقط، وإنما يمتد أيضاً إلى أحزاب المعارضة، التي استغلت معاناته من أجل تحقيق مكاسب انتخابية أو مادية، لتنقلب بعد تحقيقها عليه. كما يؤكد ياسين بودهان أن السخرية السياسية هي انعكاس لما يعانيه المواطن الجزائري من ظلم وإقصاء وتهميش، لأن وسائل الإعلام التقليدية تحت رحمة السلطة الحاكمة، ولذلك فإن اللجوء الى وسائط الإعلام الجديد أمر لا مناص منه للمواطن الجزائري من أجل التعبير عن أفكاره السياسية بأي شكل، سواء بأسلوب جدي أو ساخر، خاصة وأن الإنترنت في الجزائر لا يخضع لمقص الرقيب الحكومي.
هذا ويرى أبو طالب كيحول، أستاذ الإعلام بجامعة خميس مليانة الجزائرية، أن محتوى الفيسبوك، سواء الساخر أو الجاد، لا يشكل أي قلق للسلطة، وأن هذا الفضاء لا يزيد عن كونه متنفساً للشباب لإبداء آرائهم بكل حرية.
ويضيف كيحول لـDW عربية بأن أغلب من ينشرون النكات والصور الساخرة هم من محدودي الثقافة، وكثيراً ما تنزلق نكاتهم إلى ما هو مرفوض اجتماعياً وأخلاقياً بالنسبة للجزائريين، حسب رأيه، معتبراً ذلك سبب عدم إبداء السلطة أي إهتمام بالمحتوى المنشور، إضافة إلى حرصها على عدم صناعة أبطال بملاحقتها مجهولين لمجرد أنهم نشروا نكتة او صورة ساخرة ضد شخصية في السلطة أو المعارضة.