موقف السعودية "البنّاء" نحو إسرائيل وتضامنها مع الفلسطينيين!
١٢ يناير ٢٠٢٤لم تعد ألمانيا تعترض على بيع مقاتلات يوروفايتر للسعودية بل أبدت برلين استعدادها لتسليم الرياض أسلحة أخرى عالية التقنية مثل نظام الدفاع الجوي الألماني المعروف اختصارا بـ " "إريس-تي". ويأتي ذلك رغم المخاوف التي أعربت عنها بعض الأصوات داخل الائتلاف الحاكم بزعامة المستشار الألماني أولاف شولتس وداخل حزبه "الاشتراكي الديمقراطي".
وتنهي هذه الخطوة سنوات من الفيتو الألماني على بيع هذا النوع من المقاتلات الذي بدأ عام 2018 بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وما تلى ذلك من تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في أكبر مصدر للنفط في العالم.
وقبل أيام، خرج المتحدث باسم الحكومة الألمانية ليقول إن المستشار شولتس يتشارك نفس الرأي الذي أعربت عنه وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي أشادت بموقف الرياض "البناء" فيما يتعلق بإسرائيل خلال الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس.
وقال الناطق باسم المستشار الألماني ستيفن هيبيسترايت مطلع الأسبوع الجاري "ليس سرا أن القوات الجوية السعودية استخدمت أيضًا مقاتلات يوروفايتر لإسقاط صواريخ الحوثيين التي تستهدف إسرائيل، ويجب النظر إلى موقف الحكومة الألمانية في ضوء كل هذه التطورات".
ويرى مراقبون للشأن الألماني أن موقف السعودية "البناء" بات ذات أهمية بالنسبة للسياسيين الألمان أكثر من المخاوف السابقة بشأن دور الرياض في الحرب باليمن التي حولتها إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم فضلا عن سجل السعودية الحقوقي.
ويبدو أن الحكومة الألمانية ليست الوحيدة التي تؤيد هذا الشكل من "السياسة الواقعية" تجاه السعودية إذ ألقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بكلمات إشادة على السعودية خلال زيارته الأخيرة للرياض حيث قال إنه ناقش مع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مسار التطبيع المحتمل مع إسرائيل.
وشدد رأس الدبلوماسية الأمريكية على أن السعودية مازالت حريصة على إحراز تقدم في هذا المسار فيما يتسم رأي بلينكن بإلكثير من الإيجابية مقارنة بما ذهب إليه معظم المحللين في الشرق الأوسط في أن المسافة تتسع بين السعودية وإسرائيل عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي الذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 200 رهينة.
ويرى بعض الخبراء أن أحد دوافع حماس لشن هجوم السابع من اكتوبر / تشرين الاول الماضي كان شروع العديد من دول الشرق الأوسط في مسار تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بما يحمل في طياته – بحسب البعض – "تجاوزا" لأي حل يؤسس لقيام الدولة الفلسطينية المنشودة، فيما أعاد هجوم حماس ذلك إلى الواجهة.
يذكر أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
تعليق مفاوضات التطبيع
وفي هذا السياق، رأى الكثير من المشاركين في منتدى الدوحة نهاية العام الماضي بأن عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل توقفت في ضوء مقتل عشرات الآلاف في غزة منذ بدء إسرائيل عملياتها العسكرية في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني شخص.
لكن الواقع يشير إلى حقيقة مفادها أن قطار التطبيع لم يتوقف بشكل رسمي، لكن جرى تعطيله مؤقتا.
الجدير بالذكر أنه قبل هجوم حماس، حقق مسار التطبيع الكثير من التقدم. فرغم عدم وجود علاقات رسمية بين الرياض وتل أبيب، إلا انه كانت هناك علاقات غير رسمية. وصدرت في السابق تصريحات متفائلة عن قادة إسرائيليين وسعوديين حول إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة بين البلدين. وحمل ذلك في طياته مؤشرا على قرب التطبيع الرسمي بين السعودية وإسرائيل.
فقد أعلنت السعوديّة في منتصف يوليو/ تموز 2022 فتح أجوائها "لجميع الناقلات الجوّية" وهو ما يعني رفع القيود عن تحليق الطائرات من إسرائيل وإليها في قرار وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن في حينه بـ"التاريخي" واعتبرته إسرائيل "خطوة مهمة".
لكن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تسبب في تغيير هذا المسار إذ باتت السعودية كحال باقي دول المنطقة تولي اهتماما أكبر بالعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة أكثر من معظم الدول الغربية.
فخلال اجتماع افتراضي استثنائي لقادة مجموعة بريكس والدول المدعوة للانضمام بشأن الأوضاع في غزة أواخر العام الماضي، دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "جميع الدول إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل".
ورأى بعض المراقبين أن الصراع في غزة ربما يدفع السعودية إلى الاقتراب من عدوتها اللدودة إيران خاصة عقب نجاح الوساطة الصينية في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
السعودية والصراع في غزة
يشار إلى أن المحلل السعودي عزيز الغشيان قد ذكر في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن "الرياض تقود جهودا دبلوماسية ترمي إلى خلق خطاب دولي يشكك في شرعية العدوان العسكري الإسرائيلي والغطاء الدبلوماسي الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل."
وقال الغشيان، الزميل في مشروع ريتشاردسون بجامعة لانكستر، إن "وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان يقود لجنة دبلوماسية مفوضة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي للقيام بجولة في عواصم دولية مختلفة بهدف الحشد لوقف فوري لإطلاق النار".
واللافت أن اللجنة بدأت جولتها بزيارة موسكو وبكين في خطوة اعتبرها الغشيان بأنها "تعد إشارة واضحة لواشنطن بأن السعودية لديها خيارات أخرى في عالم يتجه صوب نظام متعدد الأقطاب. لا تريد (السعودية) أن تكون عرضة للتسييس لتحقيق أهداف سياسية إسرائيلية".
البحث عن مصالح السعودية
ورغم الانتقادات السعودية لإسرائيل، إلا أن ثمة شيء ما زال واضحا، وفقا لما ذكره فيليب دينستبير، مدير البرنامج الإقليمي لدول الخليج في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، قائلا: "لم يطرأ أي تغيير جذري على الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية السعودية منذ بدء الصراع في غزة."
ويقول خبراء إن السعودية كانت راغبة في السابق في التطبيع مع إسرائيل بناء على طلب الولايات المتحدة بسبب حرص الرياض على استمرار علاقاتها الجيدة مع واشنطن.
وفي هذا السياق، قال دينستبير: "شعرت (السعودية) بخيبة الأمل عقب عدم وجود رد أمريكي على القصف [الحوثي] للمنشآت السعودية عام 2019. لذا تتوقع السعودية في الوقت الراهن إبرام شراكة أمنية أكثر قوة وموثوقية مع الولايات المتحدة فضلا عن اهتمام الرياض بحصولها على دعم أمريكي لبرنامجها النووي وأيضا لمجال تسليحها".
وأشار الباحث إلى أن السعودية تسعى لتحقيق منفعة ذاتية من وراء التطبيع مع إسرائيل في ضوء خططها الطموحة لتحديث اقتصادها بعيدا عن النفط ما يعني ضرورة الانخراط في علاقات جيدة مع أفضل الاقتصاديات في المنطقة، مضيفا أن "إسرائيل على رأس القائمة خاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة. تعزز المصالح التجارية ومشاريع البنية التحتية الروابط بين البلدين."
التوازن الصعب
وفي ضوء كل هذه المعطيات، يتساءل كثيرون عن السبب الذي يحمل السعودية على انتقاد إسرائيل بهذا الشكل.
وفي تعليقه، يرى دينستبير أن السعودية تعتقد أنه يجب أن يتسم خطابها بهذا الشكل في الوقت الراهن للحفاظ على مكانتها في العالم الإسلامي، مضيفا لا يمكن أن تطبع السعودية علاقاتها مع إسرائيل دون التوصل إلى نوع ما من الحل لمشكلة الدولة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وأشار دينستبير إلى أن قادة السعودية يتعرضون لضغوط من العامة والنخبة السياسية حيال هذه القضية، مضيفا "تحاول الحكومة السعودية تحقيق التوازن وهو أمر لاحظناه منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول الماضي".
ويُضاف إلى ذلك رغبة السعودية في الحفاظ على استقرار المنطقة خوفا من أن تلقى أزمات الشرق الأوسط بظلالها على خطط التحديث.
وتسلط هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، الضوء على مخاطر تفاقم الأمور في المنطقة فيما أشار دينستبير إلى أن السعودية لم تنف منع أو اعتراض صواريخ الحوثيين.
ويسيطر الحوثيون في الوقت الراهن على أجزاء كبيرة من شمال اليمن وغربه فضلا عن قدرتهم على تعطيل الملاحة البحرية الدولية في عرض البحر الأحمر إذ تمكنوا من استهداف إسرائيل التي تبعد حوالي ألفي كيلومتر عن اليمن بصواريخ ومسيرات اعترضها الجيش الإسرائيلي في الجو، كما قال.
ومازال اليمن يئن تحت وطأة حرب أهلية منذ إطاحة الحوثيين بالحكومة المعترف بها دوليا والسيطرة على صنعاء عام 2014. وقد أدى ذلك إلى انقسام اليمن وتدمير بنيته التحتية فيما أضحى الصراع هناك بمثابة حرب وكالة بين السعودية وإيران.
لكن بعد تسع سنوات من القتال، تغيرت سياسة السعودية بشأن اليمن إذ تحدث محمد بن سلمان صراحة عن رغبته في خروج بلاده من هذه الحرب فضلا عن انخراط السعودية في مفاوضات مع الحوثيين للوصول إلى اتفاق شامل يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم بما يمهد الطريق أمام إنهاء الحرب التي تقودها الرياض في اليمن منذ تسع سنوات.
وتشير تقارير إلى أن فرص تحقيق سلام طويل الأمد في اليمن آخذة في التزايد.
ويرى مراقبون أنه حتى تحقيق هذا الهدف، تمضي الرياض قدما في تعزيز تدابير حماية حدودها واستمرار العمل في المؤسسات العسكرية التي استخدمتها في قتال الحوثيين.
وقال دينستبير "يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز قدرة السعودية في منع هجمات الحوثيين. إذا نظرنا إلى الأمر في هذا السياق، فمن الجائز القول بأن السعودية تحمي نفسها فعليا بدلا من المساهمة بشكل فعلي في حماية إسرائيل."
أعده للعربية: محمد فرحان