السودان ـ تفاعل مع انتفاضة تونس وحنين إلى زمن الثورات
٢٧ يناير ٢٠١١بدأت خلال الأسابيع الماضية مظاهر احتجاجات فى عدة مدن سودانية شملت ود مدني، سنار، شندي، والعاصمة الخرطوم نفسها. إلا أن هذه المظاهر الثورية للاحتجاج الشعبي ضد غلاء الأسعار مازالت غير مؤثرة، حسب بعض المراقبين السياسيين. ولكنها يمكن أن تؤثر بصورة حاسمة إذا ما استجابت لها القوى السياسية المعارضة واستلمت زمام المبادرة.
احتجاجات خلاقة: إيقاد الشموع
في الخرطوم، ومنذ أكثر من أسبوع، انطلقت مظاهر احتجاجية سلمية غير مألوفة وتحت شعار: لا مظاهرات، لا رشق بالحجارة، لا هتافات. وتقوم فكرة هذا المظهر الاحتجاجي على خروج الأسر والأفراد أمام منازلهم يوميا من الساعة السابعة مساء لمدة نصف ساعة وذلك من خلال إيقاد الشموع كوسيلة للتعبير عن "رفض زيادة الأسعار وغلاء المعيشة الطاحن والسياسات الحكومية التي أدت لانفصال الجنوب وتهدد بتمزق أجزاء أخرى من البلاد"، حسب أحد المحتجين.
تقول نور عبد النور، إحدى الناشطات في حملة إيقاد الشموع الاحتجاجية، لدويتشه فيله إن هذه الحملة تشارك فيها العديد من الأسر في مدينة الخرطوم. وتؤكد أن هناك عائلات تعرضت لبعض المضايقات من الأجهزة الأمنية وصلت إلى درجة الاعتقال. وقالت إن هناك العديد من الشباب، الذين شاركوا في تنظيم حملة إيقاد الشموع، تعرضوا لاعتقالات.
من ناحيتها تقول الطالبة بجامعة الخرطوم، هناء التجاني، إن أفراد أسرتها يشاركون، منذ ثلاثة أيام، في هذه الحملة. وأكدت التجاني أن هناك ضعفا في المشاركة من قبل العديد من الأسر في الحي الذي تسكنه في الخرطوم شرق. وتفسر هذه الطالبة الجامعية إحجام عدد من الأسر عن المشاركة في الحملة الاحتجاجية بالخوف من السلطات الرسمية، مشيرة إلى آخر وهو عدم فهم واستيعاب بعض العائلات لدلالة إيقاد الشموع كعمل احتجاجي على الأوضاع المعيشية.
السودان على خطى تونس
من جهة أخرى، فإن ما أفرزته الثورة في تونس كعمل سياسي وكنتائج، لم يدخل في مفردات المعارضة السودانية في التعامل السياسي اليومي فحسب بل وصل حتى خطاب الحزب الحاكم نفسه من خلال تصريحات مسؤول رفيع في الحزب الحاكم بنفيه لإمكانية تكرار نموذج ثورة تونس في السودان ، مما يدلل على أن ما جرى في تونس صار جزءا من الحوار السياسي اليومي في السودان.
ويقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي أنور عوض لدويتشه فيله إن هناك العديد من أوجه الشبه بين السودان وتونس في هذا السياق، أولها البعد التاريخي والارتباط ما بين الثورات في السودان والمغرب العربي عموما واحتفاء السودانيين برموز ثورات تلك المنطقة. إلا أن عوض يستبعد أن تنعكس الثورة في تونس عمليا الثورة على الواقع السوداني، نسبة لاختلاف النظامين الحاكمين في الدولتين وكذلك لضعف المؤسسات النقابية المطلبية ذات القاعدة العريضة في السودان مقارنة بسطوتها ونفوذها في تونس.
ويقول عوض إن القوى السياسية في السودان لها مطالب وبرنامج عمل. وهذه المطالب مودعة لدى الحزب الحاكم لاستيفاء المطالب الديمقراطية. وبالرغم من أوجه الاختلاف هذه، لا يستطيع عاقل أن ينكر، حسب عوض، أن تداعيات هبة الشعب في تونس ستنعكس بشكل أو بآخر على السودان؛ بمعنى أن صوت الحركة الاحتجاجية سيعلو حتى لو اختلفت الوسائل.
إسقاط السلطة ليس خياراً وحيدا
أما الناشط السياسي قرشي عوض فيقول لدويتشه فيله بأن ما حدث في تونس "حدث عندنا في السودان مرتين، وذلك خلال ثورتيه الشهيرتين في اكتوبر1968 وأبريل 1985، وكان الحصاد للأسف هشيما". ويفسر ذلك الحصاد البائس بعدم وجود قوى ديمقراطية تستطيع قيادة الثورة إلى نهاياتها الطبيعية حتى في حالة خروج الجماهير إلى الشارع لتعبر عن احتجاجها على الأوضاع المتردية.
ويشير قرشي إلى الانهيار الاقتصادي الذي يرزح تحت وطأته السودان. ويقول إن الأزمة الاقتصادية العالمية تُحل بآليات السوق نفسه، لكن عندما تتدخل الدولة بإجراءات إدارية فإن هذا مخالف لآليات السوق الحر. ويشير إلى أن التعامل السياسي مع الانهيار الاقتصادي يتم عن طريقين: إما بالإصلاح الاقتصادي أو بالقبضة الأمنية. ويكشف عن خيار ثالث يطلق عليه اسم الفوضى، والذي يعنى، في نهاية الأمر، انهيار الدولة.
ويكشف قرشي عن طريق وحيد في رأيه أمام الحركة الجماهيرية بحيث تجنى ثمار أي تحرك جماهيري، وهو أن تمضي هذه الحركة باتجاه الضغط من اجل الإصلاح الاقتصادي والسياسي. وذلك من خلال تسمية (وصفة) للإصلاح، بحسب قرشى عوض. وحسب هذه الوصفة "تتم تعبئة الجماهير لانجاز أهداف واضحة بحيث يكون خيار إسقاط السلطة أحد خياراتها وليس الخيار الوحيد".
عثمان شنقر ـ الخرطوم
مراجعة: أحمد حسو