السودان وجنوب السودان: صداقة حميمة بدلا من العداوة؟
١٥ نوفمبر ٢٠١٩الزائر كان يحمل وعدا مميزا في حقيبته: "نريد علاقة استراتيجية خاصة بين شعبينا وهذه العلاقة ليس لها حدود"، كما عبر بتحمس عن ذلك رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك خلال زيارته الأولى إلى جنوب السودان. وأضاف بأن العاصمة جوبا هي بالنسبة إليه بيته الثاني.
استمع ضيوفه إلى ذلك بكل سرور، لاسيما وأن علاقة خاصة كانت دوما تربط بين السودان وجنوب السودان، لكنها قلما كانت إيجابية. فحتى 2011 كان البلدان يشكلان دولة مشتركة هزتها حرب أهلية دموية على مدى عقود. متمردون من الجنوب المسيحي الإفريقي قاتلوا ضد الشمال المسلم العربي. والرئيس المخلوع عمر البشير يجسد هذه الفترة أكثر من أي شخص آخر. فالجنرال السابق الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب في 1989 راهن طويلا على العنف العسكري عوض الدخول في مفاوضات.
"الحاجة إلى علاقة جيدة"
سقوط البشير قد يأتي بالتحول المنشود. " فكلا البلدين يحتاجان في الحقيقة إلى علاقة جيدة مع بعضهما البعض"، تقول مارينا بيتر، خبيرة شؤون السودان من منظمة الإغاثة "الخبز للعالم"، مثلا لحل النزاعات المتعددة. ففي جنوب السودان يقاتل تحالف من المتمردين بزعامة نائب الرئيس السابق ريك مشار ضد حكومة الرئيس المستبد سلفا كير. " يكون الآن مهما بالنسبة إلى كير أن لا يحصل زعيم المعارضة ريك مشار على دعم كبير من السودان، لاسيما في شكل أسلحة"، كما تقول بيتر. والرئيس السابق البشير كان يريد بمساعدة مشار الحصول على منفد لاحتياطات النفط الرابحة في الجنوب.
وحتى في السودان تشتعل نزاعات متورط فيها الجنوب مثلا في جبال النوبة: تاريخيا وثقافيا تشعر المنطقة أنها جزء من الجنوب، والمتمردون المقاتلون هناك لهم اتصالات مع جوبا. وهذه العلاقات المتحسنة تُظهر مفعولها:" كلا البلدين يؤكدان العمل كوسطاء لحل النزاعات في البلد الآخر ـ ليس أخيرا لأن لديهم تأثير كبير على حركة المعارضة الموجودة هناك"، تقول روزاليند ماردسين، مندوبة خاصة سابقة للاتحاد الأوروبي إلى السودان.
وساطة متبادلة
وفي جوبا تجري حاليا محادثات سلام بين المتمردين السودانيين والحكومة. وحكومة جنوب السودان تعمل كوسيط. وفي نهاية أكتوبر حصل اختراق أول: كلا الطرفين اتفقا على وقف لإطلاق النار. وحاليا توجد "فرصة ذهبية" لإنهاء النزاع، كما تؤكد ماردسين. وفي المقابل أعلنت الحكومة في الخرطوم في زمن البشير أنها مستعدة للعمل كقوة ضامنة لاتفاقية السلام في جنوب السودان. وقبل مدة قصيرة التقى رئيسا أوغندا والسودان مع سلفا كير و ريك مشار في أوغندا للدفع إلى الأمام بتكوين حكومة وحدة في جنوب السودان. "هذا يبين أن حتى الحكومة السودانية الجديدة تتحمل المسؤولية بجدية وتقدم مساهمة إيجابية كي يتمكن جنوب السودان من حل قضايا عالقة"، كما تشرح ماردسين.
حدود مفتوحة وفرص جديدة
وكلا الطرفين يأملان في إقامة علاقات اقتصادية أحسن: فالسودان يعاني من أزمة اقتصادية حادة. أسعار المواد الغذائية المرتفعة والتضخم المتزايد تسببا في خروج مظاهرات احتجاجية حاشدة كلفت الرئيس البشير في النهاية منصبه. وجنوب السودان ينتمي في كل الأحوال إلى البلدان الأكثر فقرا في العالم، وبعد ست سنوات من الحرب الأهلية فإن الوضع سيء.
والآن يأمل كلا البلدين في أن يباشر جنوب السودان صادرات النفط. والأنبوب الوحيد لذلك يمر عبر الشمال بحيث أن السودان سينتفع أيضا من رسوم المرور. "وهناك أمل في أن تُفتح الحدود مجددا وأن تتطور التجارة"، تقول مارينا بيتر من منظمة "الخبز للعالم". واتفاقية بين الطرفين تتضمن هذا الأمر إلا أنها ما تزال تنتظر التنفيذ.
ويُظهر حجم الآمال حاليا اقتراح آخر أيضا: فبعض الأصوات في السودان وجنوب السودان تحلم على المدى الطويل بإقامة كونفيدرالية بين الدولتين، كما تفيد بيتر. مثل هذا التقارب بدا بعد الاستقلال المحقق بصعوبة في 2011 غير ممكن في الحقيقة، فهل سيتحقق هذا الحلم؟ هذا يبقى رهنا باستقرار الصداقة الجديدة بين العدوين اللدودين السابقين. كما أنه رهن تطور الوضع في السودان، لأن الحكومة الجديدة موجودة لفترة انتقالية تستمر ثلاث سنوات إلى حين تنظيم انتخابات. أما ما سيحصل بعدها فأمر غير واضح المعالم.
دانييل بيلتس/ م.أ.م