السوريون يخططون لدولة القانون بعد سقوط الأسد
٤ سبتمبر ٢٠١٢بالنسبة للمصطلحات القانونية في سوريا لا تتوفر - في الشكل على الأقل - إمكانيات كبيرة للقيام بتعديلها، غير أن ما يجب تغييره هو ما تحمله تلك المصطلحات من روح عند تطبيقها في السياق القانوني. وعلى هذا الأساس تعمل مجموعة مكونة من 45 ناشطا سوريا يمثلون كافة أطياف المعارضة على"التخطيط الانتقالي" على المستوى القانوني لمرحلة ما بعد سقوط النظام وذلك بدعم من خبراء دوليين وفي إطار لجان متعددة من بينها لجنة "سيادة القانون".
وفي هذا السياق يوضح الناشط رامي نخلة أن المشكلة الكبيرة في سوريا تكمن في الهوة الفاصلة بين المصطلحات القانونية وروحها. فنظريا تبدو الترسانة القانونية جيدة، لكن الواقع يظهر أن العدالة تعمل وفق منطق آخر تماما. ويضيف النخلة في هذا الصدد موضحا "الكل يعرف في سوريا أن القانون لا يسود، فكل من له علاقات أو مال أو سلطة يمكنه أن يفلت من القانون". ولذلك، فقد السوريون الثقة في النظام القضائي لبلادهم ويعتبرون القوانين مجرد أداة قمع في يد النظام.
البحث عن الثقة المفقودة في القضاء
ويعتبر سامي النخلة أن أصعب ما في مهمة المبادرة هو إعادة احترام ثقة المواطنين في القانون، كتعبير أسمى لدولة الحق ووضع قانون، فوق الجميع لا يميز مواطنيه بين درجة أولى وثانية. "سواء كان المواطن غنيا أو فقيرا، معروفا أم لا. فالقانون يجب أن يسري على جميع المواطنين السوريين بنفس الشكل" على حد تعبير النخلة.
إعادة إحياء ثقة المواطنين في سيادة القانون لن يكون بالمهمة السهلة، فخلال عقود ديكتاتورية عائلة الأسد، جرت العادة أن يتم الاستخفاف المنهجي بالقانون، فكان "للسلطة التنفيذية نفوذ كبير على الجهاز القضائي وبإمكان أي ضابط مخابرات الاتصال بالمحاكم والإيحاء بالعقاب الذي ينتظره ضد المتهمين" على حد تعبير النخلة.
فبركة التهم!
عرف نظام الأسد بالتعسف وقمع معارضيه وتوظيف العدالة في خدمة أهدافه، كما تفنن في تحويل المطالب السياسية إلى جرائم. ولعل أبرز مثال على ذلك ما يسمى بتهمة "إضعاف الشعور الوطني". "هذه التهمة وجهت للكثيرين من المعارضين، فكل معارض للنظام يضعف الشعور الوطني، حسب هذا القانون ".
دكتاتورية الأسد أفقدت النظام القضائي مصداقيته طوال أربعة عقود، وبالتالي يجب إصلاحه وتعديله على مستويات مختلفة حسب المتحدث. وهكذا يتعين إعادة تأهيل القضاة، ومعاقبة المذنبين منهم وربما تسريحهم من مهامهم. ويؤكد النشطاء المنضوون تحت لواء "اليوم التالي" على العمل من الآن وحتى في ظل النظام القائم، على جمع الوثائق وحفظ الدلائل في الإدارات والمخابرات والسجون. وبعد سقوط النظام يتعين إغلاق المحاكم العسكرية والمحاكم الإستثنائية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وهي إجراءات ضرورية لبناء سوريا المستقبل على حد تعبير النخلة.
إعادة بناء الثقة ستستغرق وقتا
بشكل عام، يمكن القول إن هناك إجماعا لدى أطياف المعارضة السورية على المبادئ الأساسية للدستور والقوانين التي يجب وضعها في سوريا في فترة ما بعد الأسد. ويجد هذا الموقف تأييد الذين لم يشاركوا في مبادرة "اليوم التالي". ويرى أسامة مناجد، وهو عضو في المجلس الوطني السوري، أن هناك بالطبع مجموعة من الأسئلة التي لا تزال عالقة وتحتاج للتوضيح، ولكن "الكل يجمع على أهمية المساواة أمام القانون، كما أن هناك إجماع على تجريم التمييز على أساس ديني أو عرقي".
عندما ينهار نظام الأسد فستنهار معه الممارسات التي تراكمت وترسخت على مدى عقود طويلة بما في ذلك النظام القضائي القديم. وقد يقتضي الأمر أشهرا بل سنوات قبل التمكن من إصلاح شامل للعدالة ونظامها القانوني. غير أن إعادة بناء الثقة في سيادة القانون والالتزام به من قبل الجميع قد يكون في حاجة الى فترات أطول.