السياسة تهتك "حدود " المنافسة الكروية بين مصر والجزائر
١٦ نوفمبر ٢٠٠٩يرصد المتتبعون تلازما وثيقا بين عدد من المعطيات السياسية وأطوار المنافسة بين المنتخبين الجزائري والمصري لكرة القدم، فقد تزامن دخول أعلى مستويات هرم الدولة في البلدين حلبة الصراع مع وقوع أحداث مثيرة وعنيفة.
وفي مقابلة مع موقعنا يسلط باحثان ألمانيان الأضواء على خلفيات العلاقة بين رياضة كرة القدم والسياسة، وتقول الباحثة الاجتماعية الدكتورة ماريون ميلر بجامعة بيلفيلد، أن كرة القدم ارتبطت تاريخيا بتنمية الشعور الوطني والوحدة الوطنية وترسيخ المؤسسات السياسية، لكن هذه الرياضة الشعبية اكتست في بعض مراحل تطورها علاقة ملتبسة بالسياسة. ولاحظت الباحثة الألمانية انه في ظل العولمة تتنامى الرغبة في إبراز الشعور الوطني وتبدو كرة القدم حقلا خصبا لذلك، وهو ما يهدم الحدود بين السياسة والرياضة التي تعتبر بالأساس "منافسة بين الأداء الجسدي للمتسابقين" كما تقول.
كرة القدم في مهب الأجندات السياسية
يبدو أن المنافسة القوية بين مصر والجزائر تجاوزت الحدود " المرسومة" لها رياضيا، فرغم المشروعية الرياضية التي تنطلق منها المنافسة من أجل نيل شرف تمثيل القارة السمراء في مونديال 2010، فإن الوسائل المستخدمة لتحقيقها خصوصا دور وسائل الاعلام وتوفير الامكانيات المالية الضخمة، يكشف عن تداخل قوي بين كرة القدم والأجندة السياسية في البلدين.
ويرى الباحث الألماني من أصل جزائري الدكتور رشيد أوعيسى مدير مركز الدراسات السياسية حول الشرق الأوسط بجامعة فيليبس بماربورغ الألمانية، أن "ملاعب كرة القدم كانت تاريخيا حقلا خصبا للتعبير عن الآراء السياسية وخصوصا في الدول غير الديمقراطية مثل الجزائر ومصر" وأشار في هذا الصدد إلى فترة السبعينات وكيف كانت الأقليات القبائلية تتخذ من ملاعب كرة القدم مجالا للتعبير عن هويتها البربرية ومطالبها الديمقراطية في ظل النظام الاستبدادي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين. ولاحظ الدكتور أوعيسى ان "هذه الظاهرة تأخذ أشكالا جديدة في الوقت الراهن في البلدين حيث الشعبين المصري والجزائري متعطشان لحرية التعبير والديمقراطية".
وفي مقارنته لما يحدث في الحالتين الجزائرية والمصرية، اعتبر الدكتور أوعيسى أن "ما نشهده هو توظيف سياسي من قبل أعلى هرم النظام السياسي للجماهير الشعبية". واعتبر ان التطور السياسي الذي شهده البلدان خلال العقود الثلاثة الماضية يفسر ما يحدث الآن ، فالبلدان، كما يقول "شهدا حالة ضعف أو غياب للشرعية السياسية بعد رحيل الزعيمين المصري جمال عبد الناصر والجزائري هواري بومدين، وإخفاق نموذجي القومية العربية في البلدين كمشروع سياسي وإجتماعي". ففي الحالة الجزائرية، كما يقول الدكتور أوعيسى، " بعد قيامه بتعديل الدستور وتمديد حكمه يبحث نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن شرعية مفقودة، ولذلك فهو يلجأ الى توفير تذاكر السفر وتسهيل الاجراءات لتنقل آلاف المشجعين من الجزائر الى السودان، بهدف كسب ود الجماهير الشعبية وترميم شرعيته السياسية". ويرصد الدكتور أوعسيى في الحالة المصرية "عملية مشابهة يقوم بها نظام الرئيس حسني مبارك" مضيفا أن "ما يلفت النظر هوان الرئيس مبارك لم يحضر شخصيا مباراة يوم السبت، بل أوفد ابنه جمال والذي أظهر أمام شاشات التلفزيون كيف انه متعلق بالمشاعر الوطنية وحبه للمصريين.وهي مجرد محاولة لإضفاء الشرعية على المرشح المقبل لخلافة الرئيس وتمهيد الأجواء لإنتخابات مقبلة لن تكون سوى كارثية ".
ويكستي توظيف كرة القدم في السياسة بعدا آخر ويتعلق هذه المرة بالتنافس الديبلوماسي القوي بين القاهرة والجزائر، كما يوضح الدكتور أوعيسى" بعد غياب عقد من الزمن بسبب الحرب الأهلية تسجل الجزائر في الآونة الأخيرة عودة ملحوظة على الساحة الديبلوماسية الدولية، وهي تحاول بذلك إحياء دورها التاريخي على الصعيد الديبلوماسي وهذا الأمر يثير "نوعا من المنافسة الديبلوماسية مع مصر " ويشير في هذا الصدد الى أمثلة للسباق الديبلوماسي بين البلدين في الساحة الافريقية والعربية كالتنافس على منصب أمين عام جامعة الدول العربية وكذلك الخلاف حول ترشيح المصري فاروق حسني لمنصب أمين عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو.
ملاعب كرة القدم الألمانية ليست بمنآى عن السياسة
لكن توظيف كرة القدم من قبل السياسة ليس مقتصرا على الدول غير الديمقراطية، بل هي ظاهرة يرصدها الباحثون في دول صناعية مثل ألمانيا بيد ان هذا التوظيف يأخذ أبعادا وأشكالا مختلفة بحسب السياق السياسي والتاريخي لكل بلد. وترصد الدكتورة ميلر ظاهرة توظيف كرة القدم في مجال سياسة الاندماج في ألمانيا، ملاحظة انها ظاهرة متفاوتة بحسب فئات الممارسين لكرة القدم أي هواة ومحترفين. ولاحظت الباحثة الألمانية ان عددا من الدراسات الاجتماعية تفيد بأن "هنالك فرق رياضية تؤسس في ألمانيا في إطار روابط عرقية او اتنية، خصوصا في أوساط هواة كرة القدم، وهي ظاهرة تنطوي في الواقع على مخاطر نزعات شوفينية او عنصرية وقد تتطور أحيانا الى أشكال عنف".
ومن جهته أشار الدكتور أوعيسى الى أن نجوم كرة القدم في ألمانيا والمجتمعات الحديثة يلعبون دورا رياديا في مكافحة المخدرات والعنصرية ولكن بالمقابل هنالك جماعات "الهوليغينز" و"النازيين الجدد" التي تستخدم ملاعب كرة القدم (مثلا في ولاية ساكسونيا الألمانية) للتعبير عن آرائها العنصرية والمعادية للسامية، وهي آراء مرفوضة في المجال السياسي العام، ما يبين ان "توظيف كرة القدم في السياسة هو سلاح ذو حدين" كما يشير الباحث. وأشار الدكتور أوعيسى الى المبارة التي جمعت المنتخبين الايراني والاميركي عام 1998 في فرنسا، وخلالها قدم اللاعبون الايرانيون ورودا للاعبين الاميركيين، وهي "رسالة تقول اننا كرياضيين لسنا هنا من أجل السياسة بل من أجل خدمة التفاهم والصداقة بين الشعبين". معتبرا ان لاعبي المنتخبين المصري والجزائري "لا يقدمون الآن مثل هذا النموذج الجيد لتحقيق التقارب بين بلديهما".
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند