السيسي والغرب.. المصالح والصفقات تضبط العلاقة بينهما
٢٦ مارس ٢٠١٨اتخذت الكثير من الدول الغربية موقفاً فضفاضا تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودوره في عزل الرئيس السابق محمد مرسي، حين كان وزيرا للدفاع. مواقف القوى الكبرى تباينت، لكن أغلبها ركز على رفض النظام العسكري، مطالباً بضرورة العودة إلى الشكل المدني للسلطة، وجاء فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وما خلفه من مئات، ثم المحاكمات الواسعة لأعضاء جماعة لإخوان المسلمين، ليزيد من درجة الانتقادات الموّجهة إلى السيسي.
عبّر السيسي بداية عن عدم نيته الترّشح للانتخابات الرئاسية، لكنه قدم ترشيحه لاحقاً مُعلّلا ذلك بأنها مطالب من الشعب. بقيت العلاقة بينه وبين الغرب حذرة، إلى أن بدأت الزيارات تجمعه بعدد من القادة الغربيين، وتحوّل السيسي إلى شريك في عمليات السلام المتعلّقة بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما استغل ورقة مكافحة الإرهاب لتعزيز علاقاته مع الغرب، خاصة مع معاناة مصر من هجمات إرهابية متعددة، فضلا عن توقيعه لصفقات تجارية واستيراد أسلحة من دول غربية متعددة. كل ذلك جعل الانتقادات الغربية للسيسي لا تتجاوز بعض التعبير عن القلق إزاء انتهاكات حقوق الإنسان.
هل طُويت صفحة الإخوان؟
ما يفرّق جماعة الإخوان المسلمين عن الغرب أكثر ممّا يجمعهما، فرفض الجماعة لإسرائيل وعلاقتها القوية مع حركة حماس، فضلاً عن إدراجها ضمن دائرة التنظيمات الراديكالية في قائمة أكثر من بلد غربي قبل الثورة المصرية، ساهم في خلق حالة من عدم الارتياح لمطامح الجماعة في الوصول إلى السلطة. لكن هذا الشعور لم يتحوّل إلى مواقف صريحة، بل بقي الموقف الغربي مرنا تجاه الإخوان، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن واشنطن فضلت صعود حركات إسلامية سياسية "معتدلة" لأنها تمثل بديلا عن الجماعات الإسلامية المتطرفة.
بيدَ أن الموقف المترّدد للغرب في عزل محمد مرسي أظهر التخوّف الغربي من جماعة الإخوان في مصر، وظهر التردد الغربي في التباين بين الموقفين الألماني والفرنسي، ففي حين اعتبر الأول أن عزل مرسي يمثل فشلا كبيرا للديمقراطية، استبعد الثاني أيّ عبارة تتضمن قلقا أو تنديدا بما جرى، مُكتفيا بالتعبير عن الأمل في انتخابات مصرية ناجحة.
وفي هذا السياق يقول الصحفي المصري أحمد عابدين، إن الغرب كان مرتاحاً لعزل الإخوان من الحكم لسبيين، الأول هو الأداء المخيّب للآمال في ملفات متعددة، والسبب الثاني هو التوجس من تجربة الإسلام السياسي. ويشدد عابدين في حديث مع DW عربية على أن المظاهرات الحاشدة التي رافقت عزل مرسي عززت من ارتياح الغرب، وهو ما استفاد منه السيسي في صعوده إلى قمة هرم السلطة، مستعينا حسب عابدين بـ"حلفائه في تل أبيب الذين عملوا على تهدئة الحكومات الغربية"، وبـ"الصفقات المربحة التي أتاحها للبلدان الغربية".
المصالح الاقتصادية والعسكرية
تلّقت مصر عام 2016 مساعدات أمريكية بقيمة 1,23 مليار دولار. وفي نفس الوقت هي اليوم شريك استراتيجي لروسيا بتبادل تجاري يتجاوز 4,2 مليار دولار، كما يشكّل التبادل التجاري بين القاهرة والاتحاد الأوروبي 40 بالمئة من مجمل التبادل المصري مع الخارج بحوالي 33 مليار يورو. أما الاستثمارات الأوروبية فارتفعت في مصر مؤخرا، ومنها على سبيل المثال 4 مليارات يورو للشركات الفرنسية. كما ازداد الدعم الأوروبي، فألمانيا أعلنت قبل عام تقديم 500 مليون دولار لمساندة المشاريع الاقتصادية بمصر.
وتأتي الصفقات العسكرية لتزيد من المصالح الاقتصادية، فأغلب الدعم الأمريكي يذهب إلى الجيش المصري، كما أن مصر تعدّ من الوجهات المفضلة للسلاحين الفرنسي والروسي، بل إن ألمانيا التي أعلنت سابقا توقيف تصدير أسلحتها للأطراف المشاركة في حرب اليمن، أبرمت مؤخرا صفقة مع مصر بقيمة 285 مليون يورو. وعلاوة على السلاح، يقدم السيسي نفسه مكافحا للإرهاب، وطرفا أساسيا في ضمان الاستقرار بالشرق الأوسط، خاصة موقفه تجاه مع إسرائيل ودور بلاده في المحادثات والبحث عن حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية عملاقة مع إسرائيل للاستفادة من الغاز المصري.
ويشير غونتر ماير، مدير مركز البحوث حول العالم العربي بجامعة ماينز، إلى أن هذه المصالح الاقتصادية والعسكرية تمثل العامل الأوّل في علاقة الغرب بمصر، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تدعم مصر منذ سنوات طويلة. أما بخصوص ألمانيا، فيقول ماير في حواره مع DW، إنها مهتمة بالسوق المصرية، وهي حريصة في هذا السياق على عدم تعريض علاقاتها الاقتصادية مع مصر للخطر، لذلك تعبّر عن انتقاداتها لنظام السيسي بشكل هادئ، كما كانت تفعل مع نظام حسني مبارك.
محاربة الإرهاب.. والعلاقة مع إسرائيل
يقدم السيسي نفسه محاربا للإرهاب، ويقدم هذا المعطى لتبرير الفواتير الباهظة للأسلحة التي تشتريها مصر، والتي تجعلها في قائمة الدول الخمس الأولى التي تستورد السلاح في العالم. ورغم أن مصر عانت خلال فترة السيسي من هجمات إرهابية متعددة، من أبرزها مجزرة مسجد الروضة التي خلّفت 305 قتلى، إلّا أن السيسي استطاع كسب تعاطف الكثير من القوى الدولية التي أكدت دعمها له في مواجهة الإرهاب، ومنها الولايات المتحدة التي أكدت أكثر من مرة وقوفها إلى جانب مصر، لأسباب متعددة منها المكانة الإقليمية التي تمثلها مصر في الشرق الأوسط، إذ أن تدهور الاستقرار بها قد يؤثر أمنياً على الدول المحيطة بها، ومنها إسرائيل.
أما بالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، فإن السيسي كان متأكداً من أن تحسين موقف قوى دولية عديدة من نظامه، يمرّ كذلك عبر تحسين علاقة بلاده مع إسرائيل، لذلك كان واضحاً في تقاربه معها، بشكلٍ جعله صاحب اللهجة الأكثر ودا لتل أبيب بين أغلب الزعماء العرب. فقد دعا في الأمم المتحدة قبل أشهر إلى الاستفادة من التجربة المصرية في السلام مع إسرائيل، ثم التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن توقع تل أبيب والقاهرة اتفاقية عملاقة تتيح لهذه الأخيرة الاستفادة من الغاز المصري، بصيغة جديدة لاتفاقية سابقة وقعت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ملف حقوق الإنسان
لكن ما يعكر صفو العلاقات الغربية-المصرية، هو ملف حقوق الإنسان. إذ لا تجد منظمة العفو الدولية حرجا في القول إن مصر تشهد أزمة كبيرة في حقوق الإنسان، متمثلة في التعذيب والاختفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء والتضييق على المنظمات الحقوقية والصحفيين والمتظاهرين عبر محاكمات جائرة. وحتى الحكومات الغربية تنتقد نظام السيسي من حين لآخر، فألمانيا والولايات المتحدة تعبّران مراراً عن قلقهما من وضع حقوق الإنسان في مصر.
ويقول بشير عبد الفتاح، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، إن العالم يشهد تراجعا في الديمقراطية حتى داخل الغرب نفسه، وهناك صعود للشعبوية في أوروبا، وحالة لا استقرار في الشرق الأوسط، كلها عوامل جعلت مطالب احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان تخفت كثيرا مؤخرا. ويضيف الباحث لـ DW عربية، أن تصريحات بعض الحكومات الغربية حول الوضع الحقوقي في مصر ليست سوى محاولة لاسترضاء الرأي العام في بلدانها، فهي تبني علاقاتها الخارجية على المصالح، كما أنها لا تلتفت كثيراً لانتقادات المنظمات الحقوقية في هذا السياق.
الكاتب: إسماعيل عزام