الشباب العرب في ألمانيا: عوائق أمام الإندماج وحنين إلى الوطن
تحول عالمنا اليوم إلى قرية صغيرة نتيجة التطورات التكنولوجية التي شهدها العالم مؤخراً. وأصبح السفر إلى أوروبا أمراً يومياً يداعب خيال الشباب العربي بشكل خاص، والذي يعاني من صعوبات اقتصادية ويفتقد لفرص العمل المناسبة في بلاده، كما يمثل عدم تكافؤ الفرص ضغطاً إضافياً عليه. وهو الأمر الذي يعبر عنه عبد الملك قائلاً: "لقد أتيت للدراسة والعمل وتحسين وضع حياتي بشكل عام". وعبد الملك هو شاب مغربي جاء إلى ألمانيا منذ عدة أعوام للدراسة، وهو وإن كان وجد فرصاً جيدة للحياة والعمل هنا، إلا أنه لا يشعر بالاندماج في المجتمع الألماني ولذلك يعد قرار العودة للمغرب أمراً شبه مؤكد بالنسبة إليه.
تعريفات مختلفة للاندماج
تقييم إندماج المرء في أحد المجتمعات يعد أمراً نسبياً جداً، فللاندماج تعريفات متعددة، فعبد الملك يرى نفسه غير مندمج لأنه يعتبر الاندماج هو "الانصهار الكلي في المجتمع في كل شيء حتى عادات الأكل"، وهو الأمر الذي ترفضه هبة تماماً، فهبة ترى أن هذا الانصهار أمر غير ممكن وغير واقعي: "الاندماج هو التأقلم مع مجتمع ما، وقبول الآخر باختلافاته"، وتنتقد هبة موقف بعض العرب الذين يأتون إلى ألمانيا راغبين في تغيير المجتمع الألماني: "إن هذا هو ما يدفع بعض الألمان إلى تبني مواقف عنصرية، فهم يجدون أناس يعيشون معهم في بلادهم ويطلبون منهم كألمان أن يغيروا عاداتهم" وهبة شابة مصرية، أتت إلى ألمانيا للدراسة، ثم تزوجت من ألماني فبقيت في ألمانيا. ولكن ما يساعد هبة على الاندماج أنها درست منذ صغرها في المدرسة الألمانية في القاهرة، كما أن معيشتها في عائلة ألمانية يزيد من قدرتها على التأقلم. وتوافقها ألكسندرا الرأي، وهي شابة ألمانية تنتقد انغلاق المجتمعات الأجنبية التي تعيش في ألمانيا :"كثيراً ما أريد الدخول في مجتمع أجنبي، ولكني أشعر أنه غير مرغوب في، وأنا هنا في بلدي". ولألكسندرا العديد من الأصدقاء الأجانب، ومن بينهم عرب. أما زاهي فهو طالب فلسطيني يرى أن الاندماج واجبه هنا: "إن كل شخص يعتبر سفيراً لبلده في البلد التي يعيش فيها وعليه أن يتعرف على أهل هذا البلد، فلا يمكنه أن يعرف بلاده للآخرين إن عاش منغلقاً فقط على مجتمع عربي" ولزاهي عدد كبير جداً من الأصدقاء الألمان كما أن له العديد من الأنشطة في الجامعة، ويقول أحد أصدقائه الألمان وهو فالتر: "إنني لا أفهم الأجانب الذين عاشوا هنا لمدة أربعين عاماً ولا يتكلمون الألمانية. فاللغة هي أول خطوة للاندماج".
عوائق أمام عملية الاندماج
وقد أجمع الشباب على كون اللغة هي مفتاح الاندماج، وهو ما يؤكده بيتر وهو مصري يعيش في ألمانيا منذ أربعة أعوام ولكنه يشعر بالغربة التامة، ويرجع هذا بشكل أكبر لعدم تمكنه من اللغة الألمانية، ولكنه أيضاً لم يحاول التعرف على شباب ألماني، لذا فهو يشعر بغربة دون أصدقاء، ويجد في مجتمع الكنيسة القبطية في ألمانيا ملاذه الوحيد. ولكن الأمر لا يتوقف على اللغة أو التعايش، فربا وهي سورية تحيا هنا منذ أكثر من عشر سنوات وتشعر بالحنين إلى وطنها الأم، وتتمنى العودة إليه، فهي وإن كانت تتحدث اللغة ولها العديد من الأصدقاء، إلا أنها تفتقد أسرتها: "الأسرة والمعارف هم الحماية". وتؤكد ربا أيضاً على أنها لا تستطيع الاندماج مع المجتمع الألماني، فهناك الكثير من الاختلافات في العادات والتقاليد بين البلدين.
وبالطبع يعد الدخول إلى مجتمع جديد أمراً صعباً، فهناك اختلافات في الثقافات وطريقة الحياة، وهو الأمر الذي يقف عائقاً أمام العديد من الشباب. وبينما يرى آخرون في اكتشاف هذا العالم الجديد إثراءً مثل زاهي، الذي يجد الجمع بين الثقافتين أمراً ممكناً ويقول: "أنا فلسطيني، لي جذوري العربية والإسلامية ولكني هنا في بلد آخر بعادات وجذور أخرى، وهذا لا يعني أن أنحصر على ذاتي." ويشعر زاهي بالحرية في أن يحيا بثقافته وكذلك يشارك في الحياة والأنشطة الاجتماعية الألمانية. وبالطبع يلعب السن الذي ينتقل فيه الشخص للعيش في دولة أخرى دوراً كبيراً سواء في تعلم اللغة أو التأقلم على عادات ما ففرت المصرية التي جاءت إلى هنا وهي في العاشرة من عمرها، تشعر أن ألمانيا هي بلدها :"أنا فخورة جداً بكوني مصرية، ولكني في الواقع عشت هنا وقتاً أطول مما عشت في مصر، لذلك فأنا أتساءل إن كنت أستطيع أن أحيا في مصر من جديد".
الاندماج عملية متبادلة
وبالطبع يعتبر الاندماج عملية متبادلة، فلكل من الطرفين دوره الذي ينبغي أن يلعبه من أجل إنجاححها، وهو ما تؤكده ألكسندرا الألمانية والتي ترى أن هناك بعض الألمان المنغلقين الذين لا يقبلون الثقافات الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فهى تعتبر التعددية ثروة ومكسب لألمانيا. كما ترجع ألكسندرا عنف بعض الألمان تجاه الأجانب إلى مشكلة البطالة التي بدأت تتفاقم في ألمانيا، والتي تجعل البعض يشعر بالرفض لهذا الأجنبي الذي جاء ليأخذ مكانه في العمل، ولكنها تضيف: "إنه من الظلم التعميم، فالناس لا تنسى النازية، ولكنه ظلم فهناك الكثير من الألمان المنفتحين، ولكن الأفكار المسبقة يصعب نسيانها".
وللإعلام دور كبير في نشر هذه الأفكار كما يؤكد عبد الملك ويضيف: "للأسف، ينشر كثير من العرب أيضاً أفكاراً خاطئة عن بلاد الغرب، ليبرر فشله فيها، فيرجعه إلى عنصرية الغربيين". ولكن هذه الأفكار المسبقة منتشرة من الجانبين فألكسندرا ترى أيضاً الكثير من الألمان الذين يخشون العرب نتيجة ما يسمعونه من كونهم "غير متحضرين"، أما هي فتعرف الكثير من العرب وتجدهم في غاية الكرم وتعتبرهم أصدقاءاً رائعين. ولكن فرت تجد عذراً لبعض الألمان في انتقادهم للأجانب: "أحياناً عندما أرى ما يفعله بعض العرب والأجانب بشكل عام من عدم احترام القواعد والنظام والقوانين، أتفهم موقف الألمان الذين يكرهون الأجانب، فهم يحبون بلادهم ولا يبغون أن تتدمر، أما في مصر مثلاً، فهم يدمرون كل شيء جميل بلا اكتراث". ويؤكد فالتر أن مساعدة الأجانب على الاندماج تعد واجباً مهماً من واجبات الحكومة، وهو ما يظهر في الدروس المجانية التي توفرها بعض المدن للمغتربين لتعلم اللغة وعادات وتقاليد البلد. ولكن على الأجانب القيام بدورهم بالذهاب إلى هذه الدروس، فالاندماج يتطلب الانفتاح من الجانبين.
حيرة بين العالمين
اختلفت الآراء بين العرب أثناء لقاءاتنا بهم، وتعددت القرارات بين من ينوي العودة إلى وطنه ومن ينوي البقاء، ومن لم يقرر بعد أو من ليس لديه الفرصة للقرار. ولكنهم اجتمعوا جميعاً على كونهم الآن بين العالمين، لا يعرفون أيهما الأقرب لهم. فقد اعتادوا العيش هنا، فالنظام والالتزام بالمواعيد والدقة مميزات تسهل الحياة كما أكدوا جميعاً. حتى ربا التي تتمنى أن تتاح لها الفرصة للعودة إلى وطنها تجد أنها قد اعتادت على أسلوب الحياة هنا: "نظام يومي الآن هو نظام ألماني. لا أستطيع أن أتخيل الفوضى وعدم الالتزام الموجود في سوريا"، ويشاركها عبد الملك الرأي، بالرغم من عدم تأقلمه، فهو يتوقع أنه سيحتاج أشهراً طويلة ليتمكن من الاندماج من جديد في بلده المغرب
تقرير: سمر كرم ودالين صلاحية