"الشجاعة الأدبية يجب أن تُعلم في المدارس"
١٦ أغسطس ٢٠٠٧يعد غونتر فالراف من أكثر صحفيي وكتاب ألمانيا إثارة للجدل وتبنياً للمواقف الجريئة. فالراف اشتهر بكتابه "في الحضيض"، الذي سجل فيه خبراته بعد أن انتحل شخصية علي سينيرليوغو، وهو عامل تركي بسيط، تنقل للعمل في أماكن عدة من ألمانيا لمدة عامين، ليواجه الكراهية والاستغلال والتمييز، إضافة إلى الإهانة. وقد أثار الكتاب آنذاك ضجة واسعة في الوسطين السياسي والإعلامي في ألمانيا. أما آخر أطروحات فالراف الجريئة، والتي مازلت تثير الجدل، فهو اقتراحه قراءة كتاب "آيات شيطانية" للكاتب البريطاني، الهندي الأصل، سلمان رشدي في مركز إسلامي. دويتشه فيله التقت غونتر فالراف، وأجرت معه الحوار التالي:
دويتشه فيله: سيد فالراف، ما هي أكثر الانتقادات التي أثارت غضبك؟
غونتر فالراف: عليَ أن أتأمل هنا طويلاً، فهناك الكثير من الشتائم بحقي، غير أنه يمكنني القول: أني لا أتخلى عن بعض العداوات. وحينما يبدأون بمدحي، فإنني أتساءل قلقا: هل تم الاستحواذ علي؟ وحين تنعتني صحيفة بيلد تسايتونغ بـ"قلم الشر"، فإنها تشرفني بذلك تقريباً. ومن جهة أخرى، حين كتبت صحيفة فيلت مؤخرا مقالاً بعنوان "احترام فالراف" وتطرقت إلى اقتراحي المتعلق بقراءة آيات شيطانية في أحد مساجد مدينة كولونيا وطرحها للنقاش، فإنني أصبت بحيرة وتساءلت حينها: هل ارتكبت خطأً ما؟
أنت تهتم إذاً كذلك بالأعداء الحقيقيين. فمن أسباب شهرتك تعاملك مع التصورات النمطية التي خلقها المجتمع عن أعدائه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. أين تقع هذه التصورات اليوم؟
ليس هناك تصور نمطي يدوم. وأتمنى أن تدخل هذه التصورات في وقت ما إلى حيز التمدن والديمقراطية، فانا أؤمن بالتغيير، ولا أعني هنا تغيير الإنسان فقط، بل وتغيير البنى الاجتماعية كذلك. وحتى صحيفة بيلد تسايتونغ "الغبية"، والتي يمكن للمرء تسميتها بالمنبر الرئيسي لتشويه السمعة، كان يمكنها أن تتطور بصورة مغايرة عن واقعها الآن في بيئة اجتماعية أخرى، وأن تتخلص على الأقل من هذه العدائية. الأمر مرتبط في النهاية بشخصية رئيس تحريرها. لا أعمل على مواجهة تصور نمطي واحد دوما، وأنا لا أتحدث عن أعداء، بل عن خصوم. وأشياء مثل الكراهية لا تهمني. فأنا لا أضمر الكراهية تجاه أي إنسان.
ماذا تعني لك الشجاعة الأدبية؟
أرى أن الشجاعة الأدبية يجب أن تُدرس كمنهج في المدارس، بدلاً عن بعض النقاط الأخرى التي تأخذ حيزاً كبيراً كالدقة والمثابرة. وأعتقد أنه من الضروري أن تطرح قضية الشجاعة الأدبية في ألمانيا، أي تعليم أطفال المدارس احترام الثقافات الأخرى وسلوكيات الحياة المختلفة وحقوق الأقليات. ولهذا السبب فإنني دائم الزيارات للمدارس، وبالأخص مدارس شرق ألمانيا. وخلال السنوات الماضية، قمت بتنظيم مائة ندوة في مناطق تغلب عليها سطوة متطرفي اليمين. وخلال هذه الندوات قمت بتغيير بعض المواقف.
حقق كتابك "في الحضيض" الذي صدر عام 1985 والذي كتبته بعد أن انتحلت لمدة عامين شخصية عامل تركي بسيط نجاحا كبيرا. وقد كان هذا الكتاب، كما يرى أحد النقاد، المرة الأولى التي يدرك فيها الألمان وضع الأشخاص الذين يعملون كعمال ضيوف من اجل القليل من المال. هل تراجع اليوم في ألمانيا التمييز ضد الأتراك وغيرهم من الأجانب؟
لقد تغيرت الأمور من ذلك الوقت. في الحقيقة يجب أن يصدُر كتاب أسود جديد حول نفس الموضوع. سيكون كتابا على درجة أكبر من التنظيم، وبالرغم من أن تقدمي في السن وضع أمامي بعض الحدود، فإن صانع ماكياج جيد وبعض التمارين الرياضية يساعداني لكي أبدو اصغر بأربعة عشر عاماً، وبذلك أستطيع مجدداً العمل في أحد المصانع في الفترة القادمة.
واليوم لا نجد الأتراك وحدهم في المقام الأول في حضيض المجتمع، بل كذلك العمال القادمون من بلدان شرق أوروبا كبولندا ورومانيا، وكذلك العمال في مجال البناء الذي لا يتمتعون بالحد الأدنى من الحقوق. فثلث عاملي البناء يعملون بصورة غير شرعية أو شبه شرعية، لذلك يتم التعامل بهم كسلع. وبالمناسبة فإن بينهم كذلك ألمان سئموا البطالة الدائمة وعلى وجه الخصوص في شرق ألمانيا. لقد أصبح التمييز اليوم لا يستند على العِرق، بل على الوضع الاجتماعي.
أجرى الحوار: رامون غارسيا-زيمزن
أعداد: عماد م. غانم
ملاحظتان:
1- صدر كتاب فالراف "في الحضيض" بالعربية بترجمة نزار عبد الله، وصدر عن دار المتنبي في دمشق عام 1995.
2- صحيفة بيلد تسايتونغ التي ينتقدها فالراف هي أكثر الصحف الصفراء انتشارا في ألمانيا.