الشرق الأوسط لا يتسع لدور روسي هام في حل مشاكله
في أول زيارة لرئيس روسي إلى الأراضي الفلسطينية تعهد الرئيس فلاديمير بوتين بدعم جهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جهوده الرامية لإصلاح الأجهزة الأمنية وإحلال السلام في الشرق الأوسط. وذكر بوتين أن بلاده ستقدم طائرتي هيلكوبتر للرئيس دون أن يتطرق إلى ما أشيع عن استعداد روسيا لتزويد أجهزة الأمن الفلسطينية بنحو 50 عربة مصفحة لتحسين مستوى أدائها. غير أن المشكلة تكمن في محدودية هذا الدعم من جهة وفي صعوبة إتمام مثل هذه الصفقات العسكرية مع السلطة الفلسطينية دون موافقة إسرائيل التي تعارض مثل ذلك. ويعود السبب إلى سيطرتها على حدود ومداخل الأراضي الفلسطينية من جميع الجهات.
على الصعيد الاقتصادي قال الرئيس الروسي أنه بحث مع الجانب الفلسطيني في إمكانيات مساهمة روسيا في إعادة إعادة بناء البنية التحتية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن العارفين بوضع الاقتصاد الروسي يشكون في قدرة الشركات الروسية على لعب دور هام على هذا الصعيد إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها لا تملك التقنيات اللازمة مقارنة بنظيرتها الأوروبية والأمريكية.
لا مكان لدور روسي كبير في الشرق الأوسط
قبل وصوله إلى الأراضي الفلسطينية زار الرئيس بوتين كل من مصر وإسرائيل. وقد حاول خلال زيارته التأكيد على أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إلى بلاده. كما حاول إعادة إحياء الدور الروسي الذي انكفأ فيها منذ أكثر من أربعة عقود. وعلى هذا الأساس اقترح عقد مؤتمر دولي خاص بالسلام في موسكو خلال الخريف القادم. ومع أن فرصه في التوقيت المذكور شبه معدومة فإن مجرد طرحة يعني محاولة لفت النظر إلى أن روسيا أحد اللاعبين الكبار في عملية تحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين. ولا يأتي ذلك فقط بحكم كونها أحد أعضاء اللجنة الرباعية التي وضعت خارطة الطريق، وإنما بحكم علاقاتها الجيدة مع سورية والقوية مع إيران.
وبغض النظر عن مستوى النجاح الذي سيحققه بوتين في محاولته إحياء الدور الروسي في الشرق الأوسط، فإن الحديث عن دور فاعل على غرار الدور السوفيتي سابقاً غير وارد. ويعود ذلك إلى معارضة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لمثل هذا الدور. ويدل على هذا القول رفضهما لاقتراح الرئيس الروسي بخصوص المؤتمر الدولي المذكور. من جهة أخرى يبدو أن موسكو لن تجد حليفاً إقليمياً يمكنها الاعتماد عليه بسبب حرص جميع دول الشرق الأوسط على عدم إثارة حساسية واشنطن. ولا يغير من جوهر ذلك بيع روسيا صورايخ أرض- جو لدمشق أو تعاونها النووي مع إيران. من ناحية أخرى يجب أن لا ننسى أن الإمكانيات الاقتصادية الروسية أضعف من أن تسمح لروسيا بإقامة تحالفات دولية جديدة.
فرص جيدة للعلاقات الروسية- الإسرائيلية
وصفت زيارة بوتين إلى إسرائيل بأنها تاريخية كونها الأولى من نوعها لرئيس روسي أو سوفيتي مع العلم أن الاتحاد السوفيتي سابقاً كان من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل. ويجد العديد من المراقبين فيها فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات الروسية- الإسرائيلية على رغم الخلافات بشأن التعاون العسكري الروسي- السوري والتعاون النووي الروسي- الإيراني. أما أرضية التعاون الروسي - الإسرائيلي فيمكن أن تقوم على حقيقة أن المهاجرين اليهود من روسيا أصبحوا ربع سكان إسرائيل حالياً. ويشكل العلماء نسبة عالية بينهم، مما يعني إمكانيات جيدة للتعاون بين الشركات الإسرائيلية التي تشغلهم ونظيرتها الروسية. كما أن الجالية اليهودية من أصل روسي بدأت تلعب دوراً سياسياً واقتصادياً متنامياً أثار الاهتمام الروسي. وانطلاقاً من هذا الاهتمام أكد بوتين حرص موسكو على عيش أبناء الجالية بأمان. وعلى هذه الأساس فهي تعارض تزويد البلدان المجاورة لإسرائيل بأسلحة قد تهدد أمنها. ويقول بوتين في هذا السياق " عندما نبيع السلاح لدول المنطقة نتبع الحذر الشديد بحيث لا يؤدي ذلك إلى خلل في التوازنات القائمة حالياً.". وأضاف ان روسيا رفضت على هذا الأساس بيع صواريخ بعيدة المدى إلى سورية. ولعل من أهم مجالات التعاون الأخرى تلك التي تقوم على المصالح المشتركة بين الجانبين في مقاومة الإرهاب والتطرف على حد تعبير الرئيس بوتين.
د. ابراهيم محمد