الشيشان – بؤرة تعصب ديني أمدت "داعش" بالمقاتلين
٢٩ يناير ٢٠١٨الجدران عالية في غروزني، عاصمة الشيشان. لكن رغم ذلك لا يملك الناس هنا أسراراً، يعرفون بعضهم البعض ويساعدون بعضهم البعض كما دأبوا على ذلك منذ أجيال. لكن يبقى موضوع لا يحب الناس هنا الخوض فيه وهو: الشباب المختفون، ولا أحد يعرف بدقة عدد الذين ذهبوا.
بيتمات سالاموفا قبعت بين جدران بيتها ملتزمة الصمت لأربع سنوات كاملة منذ اختفاء ابنتها. والآن قررت كسر صمتها بخصوص سالينا التي تركت البيت للالتحاق بزوجها روسلان. الأخير ذهب إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم "داعش". سالاموفا لا تعرف لماذا ذهب، "لكنه كان شاباً جيداً ومتديناً وكان يقدم يد العون"، كما تقول، لكنها لا تعلم "ما الذي كان يبحث عنه في سوريا". تحاول إيجاد إجابة ما فتقول: "أعتقد انه تعرض للخداع. هؤلاء الأشرار الذين جندوه خدعوه. هم من يتحملون المسؤولية".
"أخذ معه ابنتي وأبنائهم الثلاثة" تقول سالاموفا، ثم تردف قائلة: "أعلم أن روسلان لن يعود فقد قتل في مارس/ أذار الماضي".
ووفقاً للأرقام الرسمية، فإن نحو 800 شيشاني بالغ يقاتلون في صفوف التنظيم الإرهابي ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. بعض الشباب الذين التحقوا بالتنظيم يصنفون على أنهم مفقودون لكن السلطات لا تعلم حتى أن العديد منهم ذهبوا للقتال، كما يقول سعيد ماشيف الذي عاد دون أن تعلم السلطات بذلك.
لماذا يلتحق هذا العدد الكبير من الشيشان بتنظيم "داعش" الإرهابي؟ الباحثة في قضايا الإرهاب إيلينا سوبونينا من معهد موسكو للدراسات الاستراتيجية تقدم عدداً من الأسباب والتفسيرات: "ارتفاع نسبة البطالة، عدم الرضى على الحالة الاجتماعية وعدم التمكن من تحقيق أحلامهم قاد العديد من أبناء المنطقة إلى واحد من أسوأ أشكال الإسلام في الوجود، إلى أيدي الجهاديين".
مكنسة كهربائية
بافل فيغنهاور، المعلق العسكري المستقل في موسكو، يقول إن جهوداً منسقة من قبل أجهزة الاستخبارات الروسية قبيل دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي عام 2014 قد يكون لها علاقة بالموضوع. الإجراءات الأمنية الصارمة وقتها دفعت أعداداً هائلة من المتطرفين للخروج من البلاد وهؤلاء امتصهم تنظيم "داعش" مثل مكنسة كهربائية!". ولكن مع فقدان التنظيم الآن لكل مناطق نفوذه تقريباً، المكنسة الكهربائية تشتغل في الاتجاه المعاكس الآن وتهدد بلفظ الإرهابيين".
ويبدو أن مهمة تجنيد مقاتلين من الشيشان والجمهوريات القريبة منها سهلة بالنسبة للتنظيمات المتطرفة على الرغم من الرقابة التي تفرضها الدولة على المواطنين من خلال أجهزة الاستخبارات ورغم الولاء الواضح الذي يبديه الزعيم الشيشاني رمضان قاديروف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الشيشان التي أعيد بناؤها بتمويل روسي بعد نهاية الحروب الدموية في التسعينات، أصبحت مرتعاً للتعصب الديني وهو واقع ترفض قيادة الجمهورية الاعتراف به. قاديروف ذهب حتى أبعد من ذلك ونفى وجود شيشان مقاتلين في سوريا قائلاً بأن الإرهابيين هم بباسطة من زور الجوازات الروسية.
لكن المقاتل السابق ماشيف له رأي مخالف إذ يقول: "نحن الشيشان لدينا شعبية كبيرة داخل الدولة الإسلامية فنحن نملك الكثير من الخبرات القتالية".
مجموعات دعم لأقارب المفقودين
ماشيف يقول إنه لم يكن يعلم أبداً أنه بصدد الالتحاق بتنظيم إرهابي. يدعي أنه كان يريد الدفاع عن شرف المسلمين السنة باسم الإسلام. نسبة كبيرة من الشيشان هم من السنة. وعند سؤاله عما إذا حمل سلاحاً في سوريا وقتل شخصاً ما، ينفي الشاب المنحدر من غروزني ذلك، لكن يضيف بعد استراحة قصيرة "على الأقل حسبما ما أعرفه".
يقول إنه قرر الخروج من سوريا بعدما أصبح مجبراً على مشاهدة رفاقه وهم يذبحون مجموعة رجال شيعة ذات صباح. رغم ذلك لم ينجح ماشيف في الهرب لشهور. وبعد إصابته بجرح يتطلب متابعة طبية سُمح له بالذهاب إلى تركيا للعلاج، ومن هناك فر إلى غروزني. استطاع ماشيف التخفي في البداية لكن السلطات وصلت فيما بعد إلى مكانه ثم سلم نفسه ليقضي ثمانية أشهر في السجن.
والآن يجلس ماشيف مع الأم المفجوعة سالاموفا داخل مكتب صغير في غروزني حيث توجد مجموعة دعم لأقارب المفقودين. وتضم المجموعة حوالي 800 عضو: أشخاص من الشيشان وداغستان وروسيا ومناطق أخرى. هنا يستطيع الناس الحديث بحرية عن أقاربهم المفقودين. وعند سؤالها عما إذا كان غاضبة من الرجال الذين يذهبون إلى سوريا ويأخذون معهم آخرين كما فعل صهرها مع ابنتها، تقول سالاموفا: "لا، فكل شيء يحدث بإرادة الله". والآن تبكي وتدعو الله أن تبقى ابنتها على قيد الحياة.
يوري ريشيتو/س.أ