الصراع في سوريا يقسم الدروز داخل "الأرض الحرام"
٢٣ أغسطس ٢٠١٢نظرة هادئة من أعلى قمم الجبال والبلدات البعيدة، التي تعد معلماً لجذب السياح إلى مرتفعات الجولان في الجزء الشمالي لإسرائيل. تتناول العائلات غدائها في هذه المكان المطل على الأراضي الدولية أو "الأرض الحرام"، التي تراقب منها الأمم المتحدة الحدود الفاصلة بين إسرائيل وسوريا.
الأطفال يرمون بالحجارة في اتجاه الخصم الأبدي لإسرائيل، لكن هذه الألعاب الصبيانية تأخذ منعطفاً آخر عندما يبدأ القصف وسقوط قذائف الهاون فوق الجبال السورية، والتي تحدث دوياً قوياً يُسمع طيلة الليل، يُذكر سكان الجولان بالحرب الأهلية الدامية والرعب الذي تعيشها سوريا على مسافة قريبة منهم.
"مرارة" ضم الجولان
العديد من سكان الجولان هم من الدروز، وهي أقلية دينية تفرعت عن الإسلام، ويعيشون في القرى الخمس للدروز، التي احتلتها إسرائيل وألحقتها بأراضيها خلال انتصارها في حرب الأيام الستة عام 1967 بين إسرائيل من جانب وسوريا ومصر والأردن من جانب آخر. العداء المرير بسبب ضم إسرائيل لأراضي الجولان لا يزال مستمراً وسط الدروز، الذين يسمون الجولان بالأرضي "المحتلة".
تقليدياً كان الدروز موالين للنظام السوري ويرفضون العيش تحت السيطرة الإسرائيلية، فهم ينحدرون من الطائفة العلوية، التي ينحدر منها الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد. لكن منذ أن علم سكان "مجدل شمس"، كبرى البلدات الدرزية في هضبة الجولان، بجرائم القتل التي تقوم بها القوات الموالية للأسد على الجانب الآخر من الحدود، بدأ الرأي الموحد ينقسم حيال الوضع في سوريا والموقف من الأسد.
غضب من الأعمال الوحشية
في الوقت الذي يصطف فيها كبار السن من أفراد المجتمع الدرزي إلى جانب الرئيس بشار الأسد، كان رد فعل الشباب مختلفاً، بسبب رفضهم للفظائع والأعمال الوحشية التي تُقترف باسمه. شفاء أبو جبل، واحدة هذا الجيل الجديد. المحامية البالغة من العمر 26 عاماً، كانت أول امرأة درزية تتخرج من إحدى الجامعات الإسرائيلية، وهي جزء من مجموعة من النشطاء الإسرائيليين الدروز، الذين يصطفون إلى جانب النشطاء المناهضين للنظام السوري.
تقول شفاء إن دعمهم لقي ترحيباً حاراً من قبل نظرائهم السوريين، وتضيف: "عندما يرون صورنا في مظاهرات مؤيدة لهم يقدرونها بشكل كبير". وتخرج شفاء مع ناشطين آخرين للتظاهر كل يوم جمعة، و"نقوم بالنشر في الفيسبوك وتويتر، ونساعدهم على بث أشرطة الفيديو ونشر الكلمة".
مع سهولة الدخول إلى الانترنت في كل مكان تقريباً بإسرائيل، يقول النشطاء إنهم يستعملون كل الإمكانيات المتوفرة لديهم لدعم نظرائهم في سوريا. بالنسبة لها وللعديد من النشطاء الدروز، فإنها "المرة الأولى التي نشعر فيها بالشخص السوري كما هو"، تقول شفاء. لكنها هي الأخرى تعاني من عواقب وخيمة بسبب نشاطها النضالي.
في 14 شباط/ فبراير من كل عام، وهو تاريخ يصادف ذكرى انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة، يجتمع العديد من الدروز في حشود كبيرة لمطالبة إسرائيل بإعادة أراضي الجولان إلى سوريا.
في مجدل شمس أصبح هذا الحدث مناسبة وحافزاً لردود فعل عنيفة ضد شفاء وأصدقائها. "لا يهتفون بالشعارات المعتادة من قبيل: "نحن سوريون نريد العودة إلى سوريا"، بل أصبحوا يرددون: "نحن نحب بشار، ونحن رجال بشار". كانت هذه المظاهرات لإعلان التأييد للأسد أكثر من المطالبة بعودة الجولان إلى سوريا.
بعد ذلك يتوجه المحتجون إلى بيت شفاء، و"يبدأون بالهتاف ضدنا. يرون أسرتي وأعمامي كخونة، التحقوا بالمؤامرة الإسرائيلية ضد سوريا، وينتهون بجوار منزلنا مطلقين العنان لسبنا والبصق في وجوهنا".
"على الدروز أن يتخذوا موقفاً"
على الرغم من المظاهرات السنوية، يفتخر الدروز عموماً بأنفسهم كقوة سياسية محايدة في معظم البلدان التي يقيمون فيها. في مجدل شمس لا يرغب معظم السكان في التعليق على الوضع في سوريا. لكن، دولان أبو سالاش، عمدة البلدة لديه مقاربة مختلفة، إذ يعتقد أن على الناس أن يكونوا أكثر صراحة ضد الأسد.
"نحن لا ندعم حقيقة أن الدروز محايدون"، كما يقول، ويضيف: "إننا نعتقد أنه من المفترض أن يعارضوا الديكتاتورية"، فبعد سقوط نظام الأسد سيُساءل الدروز عن موقفهم مما كان يجري في سوريا و"لذلك نحن نعتقد أنه يتعين اتخاذ موقف".
موقف سالاش (31 عاماً) من الوضع السوري يضعه في خلاف مع نسبة كبيرة من مجتمعه، ويمكن أن يكلفه ذلك شعبيته السياسية. مع ذلك، يقول إنه على قناعة بأن الفظائع على الجانب الآخر من الحدود تدفع في اتجاه تغيير الرأي الحالي في مجدل شمس.
إذا استمرت الأحداث في مسارها الحالي، فأصوات الشباب مثل سالاش وشفاء وغيرهم ستتكلل بانضمام كبار السن لإدانة نظام الأسد بشكل علني.